تتوالى التحذيرات في غزة من كارثة بيئية تحملها بركة الشيخ رضوان للمدينة، بعدما حوّلها الاحتلال من مكان لتجميع مياه الأمطار وتخفيف خطر الفيضانات إلى مستودع ضخم لمياه الصرف الصحي. وبينما تتصاعد الروائح الكريهة وتنتشر الحشرات والأمراض، يعيش آلاف النازحين في مواجهة يومية مع كارثة بيئية وصحية تتفاقم خطورتها مع اقتراب فصل الشتاء ومنخفضاته الماطرة.
بركة الشيخ رضوان فقدت قدرتها على تصريف مياه الأمطار بالكامل، نتيجة تدمير خطوط التصريف الرئيسية وتعطل المضخات التي كانت تنقل المياه إلى البحر، إضافة إلى انهيار أجزاء واسعة من سورها الخارجي
وتعيش فاطمة مقاط مع أطفالها الخمسة في أطراف بركة الشيخ رضوان، بعدما دمر الاحتلال منزلها في المنطقة ذاتها. وتقول إن البعوض لا يفارق الخيمة، يهاجمهم نهارًا وليلًا، حتى باتت أجساد أطفالها مغطاة بلدغات مؤلمة تسبب الحكة والالتهابات، وبعضهم يعاني من الحمى والتهيج الجلدي.
وفي كل صباح، تبدأ معركة فاطمة وأطفالها مع الروائح الكريهة المنبعثة من البركة وأسراب الحشرات التي تغزو المكان. وتوضح أنها تحاول حماية أطفالها بإشعال الحطب لطرد البعوض أو تغطيتهم بالأغطية الخفيفة رغم حرارة الصيف، لكن محاولاتها تبوء بالفشل في أغلب الأحيان.
ومع انعدام الخدمات الصحية وصعوبة الحصول على الأدوية والمراهم الطبية، تضطر فاطمة إلى الاكتفاء بالعلاجات الشعبية مثل دهن أجساد أطفالها بزيت الزيتون أو الماء والملح لتخفيف الحكة.

وتعيش فاطمة في حالة خوف دائم من أن يزداد الوضع سوءًا، فالأمراض تنتشر بسرعة، والمياه العادمة تحاصرهم من كل جانب، لتتحول حياتها وحياة أطفالها إلى صراع يومي من أجل البقاء في قلب كارثة بيئية وصحية مفتوحة.
وعائلة فاطمة واحدة من مئات العائلات التي تعيش في محيط بركة الشيخ رضوان، ومنها عائلة محمد أبو غبن المكوّنة من ستة أشخاص، التي نصبت خيمتها على أرض تغمرها مياه الصرف الصحي. ومع اقتراب فصل الشتاء، يزداد قلقه من خطر فيضان البركة الذي قد يجرف خيمته ويغرق ما تبقى من ممتلكاته القليلة.

يقول أبو غبن إن الحياة في هذه المنطقة "أشبه بالبقاء على حافة الخطر"، فالمياه الملوثة والحشرات تحاصرهم، بينما التنقل لجلب المياه النظيفة أو الطعام صعب للغاية. ويضيف أن أكثر ما يؤلمه هو عجزه عن حماية أطفاله من الأمراض التي تهددهم، أو حتى منحهم شعورًا بالأمان بعد أن فقدوا بيتهم وذكرياتهم.
ويضيف أبو غبن أنه لا يملك خيارًا آخر للعيش فيه، "فالملاجئ مكتظة، والمناطق الآمنة نادرة بعد تحديد الخط الأصفر".
وبركة الشيخ رضوان في غزة كانت في الأصل لتجميع مياه الأمطار، لكن عمليات التدمير والقصف التي قام بها الاحتلال على مدار عامين من الإبادة الجماعية تسببت في تسرب مياه الصرف الصحي إليها من جهة، وتعطل محطات الصرف الصحي ومضخات التفريغ وخطوط الضخ من جهة أخرى.

والآن، مع اقتراب فصل الشتاء والأمطار، يُخشى من فيضان بركة الشيخ رضوان بما فيها من مياه ملوثة، ما ينذر بكارثة بيئية وإنسانية تهدد الأحياء المحيطة بها.
ويؤكد المتحدث باسم بلدية غزة حسني مهنا أن بركة الشيخ رضوان فقدت قدرتها على تصريف مياه الأمطار بالكامل، نتيجة تدمير خطوط التصريف الرئيسية وتعطل المضخات التي كانت تنقل المياه إلى البحر، إضافة إلى انهيار أجزاء واسعة من سورها الخارجي، مبينًا أن تسرب مياه الصرف الصحي إلى داخل البركة نتج عن تضرر شبكات الصرف ومحطات الضخ، ما أدى إلى ارتفاع خطير في منسوب المياه داخلها.
وشدد مهنا على أن الحال الذي آلت إليه بركة الشيخ رضوان يشكل خطرًا حقيقيًا على حياة مئات العائلات القاطنة في محيط البركة، خاصة الأطفال، إذ يشكل تدمير أجزاء من سور البركة خطرًا حقيقيًا عليهم نظرًا لاحتمالية تعرضهم لحوادث مميتة.
وأضاف أن بركة الشيخ رضوان تواجه خطر الانهيار الكامل بعد الأضرار الواسعة التي لحقت بها خلال العدوان الأخير، إذ إن خط التصريف الرئيسي الواصل إلى البحر تعرض لتدمير شبه كامل، ما أدى إلى توقف عملية تصريف المياه تمامًا، كما تضررت مضخات التفريغ ومولدات الكهرباء التي تشغلها، الأمر الذي ينذر بارتفاع إضافي وخطير في منسوب المياه مع بداية موسم الأمطار.
وأشار مهنا إلى أن تدفق مياه الصرف الصحي إلى داخل البركة فاقم من الكارثة البيئية والصحية، حيث انتشرت الحشرات والروائح الكريهة، في حين يشكل تسرب المياه الملوثة إلى الخزان الجوفي تهديدًا جديدًا للأمن الصحي والبيئي في المنطقة.