بيسان

أول منخفضات الشتاء يكشف عمق المأساة الإنسانية في قطاع غزة

المصدر
أول منخفضات الشتاء يكشف عمق المأساة الإنسانية في قطاع غزة
عبد الكريم السموني

عبد الكريم السموني

صحفي من قطاع غزة

لم تكن ساعات قليلة من الأمطار كافية فقط لإعلان بدء الشتاء في غزة، بل حولت آلاف الخيام إلى برك من المياه والطين، وأغلقت طرقًا بأكملها. فمع دخول الشتاء الثالث بعد إطلاق إسرائيل حرب الإبادة على غزة، يعيش مئات آلاف النازحين أول المنخفضات الجوية كمعركة جديدة مع البرد والرياح، وتسرب المياه إلى خيامهم.

قطاع غزة يحتاج إلى ما لا يقل عن 250 ألف خيمة و100 ألف كرفان لتوفير المأوى المؤقت لحين الإعمار، خصوصًا مع دخول فصل الشتاء واهتراء الخيام وانهيار العديد من المنازل الآيلة للسقوط

مشاهد اقتحام المياه والطين خيام النازحين ملأت منصات التواصل الاجتماعي، ومثلها صرخات الاستغاثة التي أطلقتها الأمهات لإنقاذ أطفالهن، بينما وقف الآباء عاجزين عن فعل أي شيء، كما هو الحال مع طواقم الدفاع المدني والبلديات، حيث انعدام الإمكانيات نتيجة الحصار المطبق الذي لم ينهه وقف إطلاق النار.

        عرض هذا المنشور على Instagram                      

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Ultra Palestine - الترا فلسطين‎‏ (@‏‎ultrapalestine‎‏)‎‏

بيان فروانة (55 عامًا)، نازح مع عائلته في حي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة، كانت أول ساعة بعد هطول الأمطار كافية لإغراق خيمته المهترئة بأكملها، يقول: "صار عندي مي من فوق ومن تحت. أخي من ذوي الإعاقة ولا أستطيع نقله للخارج، وأطفالي ناموا وهم مبللين". ويضيف:  "الوضع صعب جدًا، خاصة أن فصل الشتاء ما زال في بدايته، وهذا المنخفض الأول".

ويلخص حسن لولو (60 عامًا)، النازح من حي الشجاعية، المأساة بقوله: "احنا مش ساكنين في خيام. احنا قاعدين في مصايد مياه. قبل المنخفض بيومين قمت بترميم الشوادر التي تلف الخيمة، ووضعت أكوامًا من الرمل على حوافها لمنع تسرب المياه لكن دون فائدة".

يتساءل حسن: "إذا كان هذا الحال في المنخفض الأول، كيف سنقضي بقية الشتاء؟". بينما تقول زوجته الستينية، التي ترعى أحفادها بعد استشهاد والدهم في الحرب: "قضينا الليل واقفين خوفًا على الأطفال من تسرب المياه إلى فراشهم".

        عرض هذا المنشور على Instagram                      

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Ultra Palestine - الترا فلسطين‎‏ (@‏‎ultrapalestine‎‏)‎‏

أما سعاد عياد (70 عامًا)، النازحة من حي الزيتون، فقالت وهي تقف بأقدامها العارية وسط مستنقع من مياه المطر المختلطة  بالطين: "لم يبق لنا شيء إلا أتت عليه مياه الأمطار. لا ملابس ولا فراش ولا طعام"، مضيفة أن المياه دخلت إلى خيمتها من جميع الجوانب، "وبات همنا كيف نخرج الأطفال لإنقاذهم".

وتابعت سعاد: "نحن عائمون في المياه. هذا ظلم وعلى العالم أن يتحرك لمساعدتنا إن كان لديهم ذرية إنسانية، فنحن لا نستطيع العيش في هذا الحال بقية عمرنا"، مشيرة إلى أن الشتاء الذي كان عادةً موسم فرح، تحول في غزة إلى "موسم معاناة".

قدرات معدومة ومساعدات عالقة

وأعلن الدفاع المدني في غزة أن آلاف الخيام تضررت وتبللت ملابس النازحين وأغطيتهم بسبب الأمطار يومي الجمعة والسبت، وسط انعدام مقومات الحياة بعد الإبادة.

وأكد الدفاع المدني أن طواقمه تعجز عن التعامل مع حالات الغرق لغياب المعدات بعد تدمير الاحتلال لها، عدا عن أن الخدمات البلدية بدائية ولا تلبي احتياجات الناس.

وأضاف أن المنخفض الحالي مجرد بداية لفصل شتاء قاسٍ قد يشهد مآسي أكبر، مع خطر انهيار المنازل المتصدعة بفعل السيول والأمطار.

يأتي هذا بينما قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن إسرائيل رفضت إدخال ما يقارب أربعة آلاف منصة نقل للمساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة، منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وأوضح دوجاريك، في مؤتمر صحفي الجمعة، أن المساعدات التي رفضت إسرائيل إدخالها تشمل خيامًا وأطقم أسرّة وأدوات طبخ وبطانيات.

وأكد أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت  لا تسهل حتى الآن إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مشيرًا إلى أن المنظمات الدولية العاملة في المنطقة تواصل مواجهة صعوبات في إيصال المواد الإغاثية المتوفرة لديها إلى القطاع.

كما أكدت وكالة "الأونروا" أن الأمطار تزيد من صعوبة الأوضاع في قطاع غزة، مشيرة إلى أن العائلات تلجأ إلى أي مكان متاح بما في ذلك الخيام المؤقتة.

من جانبه، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن دخول فصل الشتاء بقوة يزيد من معاناة الأهالي في قطاع غزة، ويفاقم المأساة الإنسانية التي يعيشها نحو مليونٍ ونصف إنسان في خيام النزوح، بعد أن أغرقت مياه الأمطار خيامهم البالية ومزقت الرياح العاتية ما تبقى منها.

وأوضح المكتب الإعلامي أن العالم شاهد عبر الكاميرات صور المأساة الإنسانية التي يعيشها شعبنا، وكيف أن عشرات آلاف الأسر باتت بلا مأوى يحميها من مياه الأمطار والرياح، حتى لو كان هذا المأوى مجرد خيمة متواضعة.

وأكد أن الوضع المأساوي الذي عاشه الفلسطينيون في قطاع غزة منذ إطلاق حرب الإبادة الجماعية بقي على حاله رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، نتيجة تنصل الاحتلال من التزاماته بإدخال المساعدات والمواد الأساسية للإعمار والإيواء.

وأشار المكتب إلى أن قطاع غزة يحتاج إلى ما لا يقل عن 250 ألف خيمة و100 ألف كرفان لتوفير المأوى المؤقت لحين الإعمار، خصوصًا مع دخول فصل الشتاء واهتراء الخيام وانهيار العديد من المنازل الآيلة للسقوط.