بيسان

مرضى الثلاسيميا في غزة.. ضحايا صامتون يدفعون ثمن الحرب والحصار

المصدر تقارير
مرضى الثلاسيميا في غزة.. ضحايا صامتون يدفعون ثمن الحرب والحصار
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

كانت العشرينية مها عيسى قريبة من الموت إثر تلقيها وحدة دم قديمة لا تتناسب مع حالتها الصحية كمريضة ثلاسيميا. نجت مها، لكن بعدما عانت من أعراض خطيرة جعلتها تستحضر صديقتها صابرين أبو عودة، التي تشاركها الإصابة بمرض الثلاسيميا، وفقدت حياتها للسبب نفسه.

يقدر عدد مرضى الثلاسيميا في قطاع غزة بـ234 مريضًا ومريضة، 48 منهم استشهدوا خلال الحرب، من بينهم 12 شهيدًا بنيران الاحتلال نتيجة القصف المباشر، و36 آخرون فقدوا حياتهم نتيجة عدم توفر العلاج والغذاء المناسبين

ففي 7 كانون الأول/ ديسمبر الجاري نعت "جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا – فلسطين"، المريضة صابرين أبو عودة (36 عامًا)، من سكان بلدة بيت حانون في شمال القطاع، وهي شقيقة مريضين آخرين يعانيان من الثلاسيميا هما فهد ورحمة، وقد وافتهما المنية خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.

تُحدِّثنا مها عن صديقتها صابرين قائلة إنها كانت تعاني من مرض الثلاسيميا منذ الولادة وتعايشت معه، إلى أن ساءت صحتها من مضاعفات المرض وعدم توفر العلاج الطارد للحديد، وأدى ذلك لتراكم الحديد لديها، وتدهورت حالتها نتيجة وعكة صحية مفاجئة حين نُقِل لها الدم أودت بحياتها.

ومها نفسها مثل صديقتها صابرين تعاني من مرض الثلاسيميا منذ الولادة، وقد خضعت في سنوات عمرها الأولى لعملية استئصال الطحال بسبب مضاعفات المرض. ورغم ما يسببه لها من آلام ومضاعفات منذ طفولتها، إلا أن عامين من حرب الإبادة وما رافقها من خوف ونزوح، وتردي لخدمات الرعاية الصحية وعدم توفر الأدوية، مثلت بالنسبة لها ولغيرها من المرضى التجربة الأقسى على الإطلاق.

تلقت مها خلال الحرب وحدة دم عمرها (34 يومًا)، ووفقًا لها فإن مثل هذا الدم يُعد غير صالح لمرضى الثلاسيميا، وتسبب لها ذلك في أعراض صحية خطيرة، وتقول: "تملكني القلق من الإصابة بمضاعفات قاتلة كالجلطات أو الفشل الكلوي".

مرت مها بهذه التجربة القاسية ولم تكن قد برأت من حزنها الشديد على فقدانها صديقتها صابرين، فاجتمعت عليها آلامٌ مُركَّبةٌ من القلق والحزن، وشعرت في أحيان كثيرة أنها أقرب إلى الموت منها إلى الحياة.

وتشير قصتا صابرين ومها إلى حجم الخطر الذي يعيشه مرضى الثلاسيميا خلال الحرب، خصوصًا مع نقص الإمكانيات وغياب الرقابة الطبية الكافية. ومها نفسها تحتاج إلى رعاية طبية بشكلٍ مستمر، وتقول إنها تحمل تحويلة طبية للعلاج في الخارج منذ بداية اندلاع الحرب، لكن لم تتح لها فرصة للسفر.

وتقول مها إن "مرضى الثلاسيميا يعيشون حالة تهميش حقيقية، سواءً من حيث العلاج أو فرص السفر لتلقي العلاج المناسب، فضلاً عن الانهيار الصحي ونقص الأدوية والإمكانيات الطبية داخل القطاع".

وبحسب توثيق هيئات صحية محلية ودولية فإن ما يزيد عن 16 ألف مريض ومريضة ينتظرون على قوائم انتظار السفر لتلقي العلاج في الخارج، إلا أن استمرار احتلال معبر رفح البري مع مصر والقيود الإسرائيلية تحولان دون مغادرتهم للقطاع بحثًا عن العلاج المناسب المفقود في مستشفيات القطاع شبه المنهارة.

وتضيف مها: "وضعنا كمرضى الثلاسيميا صعب للغاية، وقد فقدنا خلال هذه الحرب 48 مريضًا من زملائنا ورفاقنا بسبب تدهور أوضاعهم الصحية".

تحمل مها درجة الماجستير في الصحة النفسية، وتؤكد أن هذه الحالة المتردية تترك آثارها أيضًا على الصحة النفسية للمرضى وتزيد من آلام أوجاعهم الجسدية. وتناشد منظمة الصحة العالمية والجهات المعنية النظر بجدية إلى معاناة مرضى الثلاسيميا، وتسهيل سفرهم، لأن البقاء دون علاج مناسب يعني فقد المزيد من الأرواح.

والثلاسيميا هو مرض وراثي في الدم يولد به الإنسان ويستمر معه طوال حياته، يسبب فقر دم مزمن بسبب عدم قدرة الجسم على إنتاج الهيموغلوبين بشكل طبيعي نتيجة خلل في نخاع العظم، لذلك يحتاج المريض إلى نقل دم بشكل منتظم.

ويوضح منسق جمعية "أصدقاء مرضى الثلاسيميا في غزة" إبراهيم عبد الله أن نقل الدم المتكرر يؤدي إلى زيادة نسبة الحديد في الجسم، وهذا الحديد يترسب على الأعضاء الحيوية مثل القلب والكبد والغدد الصماء، وقد يسبب مضاعفات خطيرة مثل فشل القلب ومشكلات في الكبد واضطرابات هرمونية.

وبين عبد الله، في حديث لـ"الترا فلسطين"، أن مرضى الثلاسيميا قد يعانون أيضًا من تضخم الطحال، وتشوهات في العظام، وتعب دائم، وتأخر في النمو عند الأطفال.

ويعاني عبد الله نفسه من مرض الثلاسيميا منذ ولادته، وقد ورث المرض عن والديه الحاملين للمرض، ويوضح أن مريض الثلاسيميا يحتاج إلى وحدة دم واحدة كل أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، شرط أن تكون الوحدة طازجة ولم يمر عليها أكثر من أسبوع.

والعلاج الوحيد للثلاسيميا هو زراعة النخاع، وهي عملية غير متوفرة في غزة وكلفتها المادية مرتفعة للغاية، لكن مع المتابعة الطبية والعلاج المنتظم يمكن لمريض الثلاسيميا أن يعيش حياة طبيعية، بحسب عبد الله، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء.

مرضى الثلاسيميا يحتاجون لأدوية طاردة للحديد، ووحدات دم طازجة، وفلاتر تلزم لعملية نقل الدم، وغذاء صحي كالفواكه والبروتين والكالسيوم

وفي السنوات الأخيرة ولتجنب إصابة المواليد بمرض الثلاسيميا، يُشتَرط في فلسطين أن يخضع المقبلون على الزواج من الجنسين لفحص الثلاسيميا، ويجب أن يكون أحد الزوجين سليمًا وغير حاملٍ للمرض عند الفحص كي تُجاز إجراءات الزواج.

ويقدر عدد مرضى الثلاسيميا في قطاع غزة بـ234 مريضًا ومريضة، 48 منهم استشهدوا خلال الحرب، من بينهم 12 شهيدًا بنيران الاحتلال نتيجة القصف المباشر، و36 آخرون فقدوا حياتهم نتيجة عدم توفر العلاج والغذاء المناسبين.

ووفقًا لعبد الله فقد كانت فترة الحرب الأقسى على المرضى عمومًا، وخصوصًا المصابين بأمراض مزمنة مثل الثلاسيميا الذين فقدوا العلاج تمامًا.

ويشير عبد الله إلى أن مرضى الثلاسيميا يحتاجون إلى أدوية طاردة للحديد، ووحدات دم طازجة، وفلاتر تلزم لعملية نقل الدم، وغذاء صحي كالفواكه والبروتين والكالسيوم، فضلاً عن تحسين المأوى، إذ إن الكثير منهم نازحون في خيام مهترئة تعمق من مأساتهم الصحية.