بيسان

أحلام صغيرة تحت ركام غزة: حكاية سالم وماريا شهداء يوم طفل العالمي

المصدر تقارير
أحلام صغيرة تحت ركام غزة: حكاية سالم وماريا شهداء يوم طفل العالمي
سماح شاهين

سماح شاهين

من غزة مهتمة بالشأن السياسي والاجتماعي والعربي والدولي

كانت هدى كشكو تمسك بالعجين بين يديها المرتجفتين داخل غرفة نزوح صغيرة في مقرّ الأوقاف بحيّ الزيتون، تحاول أن تصنع لحظة فرح بسيطة لطفلها سالم، ذي الأعوام الأربعة، وعينيه الواسعتين الممتلئتين أحلامًا، بمناسبة يوم الطفل العالمي.

كانت ماريا، ذات العام والعشرة أشهر، تقف قرب الطاولة كعصفورة صغيرة، تراقب أمها وتردد ببراءة: "ماما، أنا عروسة حلوة". ضمّ سالم شقيقته من كتفيها، وربت عليها بحنان يفوق عمره، وقال كعادته: "ماما، لما أكبر بدي أصير دكتور وأعالجكم كلكم".

مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي لـ"الترا فلسطين": 40% من الشهداء هم من الأطفال، و33% من النساء، وهذه الأرقام تُظهر بوضوح أن الاحتلال يواصل استهداف المدنيين بشكل مباشر ومتعمد

ابتسمت هدى، والتقطت أنفاسًا ظنّت أنها عادت إليها بعد حربٍ سلبت بيتها، ودفعتها إلى غرفة ضيقة لا تتسع للأحلام، لكنها تتسع بالكاد لطفليها، اللذين كانا كل ما تبقى لها من الحياة.

كانت تجهّز الدونات؛ لم تطلب أكثر من أن تفرحهما في ذلك اليوم. لكن في اللحظة التي رفعت فيها الزيت على النار، ألقت طائرات الاحتلال صاروخها. سمعت أذان المغرب، ثم انطفأ كل شيء.

تقول هدى لـ"الترا فلسطين": "صحيت وأنا تحت الركام. أول ما استوعبت، كنت متأكدة إنو أولادي راحوا… قلبي كان بيقول هيك". كانت يدها مكسورة، قدمها مجروحة، ووجهها مخيطًا بالغرز، لكنها لم تشعر بأيّ ألم. الألم الوحيد كان غياب صوتَي سالم وماريا.

استُشهد سالم فورًا، بينما اختفت ماريا. وفي يوم الطفل العالمي نفسه، اليوم الذي كانت تُعدّ فيه الدونات، عثر الدفاع المدني على جثتها الصغيرة قرب ألعابها.

هدى هي من أرشدتهم: "ماريا كانت تلعب هناك… دوروا هناك". وعندما وصلوا إليها، كان المشهد أقسى من أن يُحتمل. لم تصرخ، لم تبكِ، قالت جملة واحدة فقط: "بأي طفل يحتفلون؟ طفلاي قُتلا في يوم الطفل العالمي".

وتصف هدى صغيريها وكأنها تستعيد الهواء الذي كانت تتنفسه معهما: "كانا يملآن المكان بحياة تفوق حجمهما. كل من عرفهما قال إنهما ليسا كغيرهما من الأطفال".

وتضيف: "كنت أقول عنهما: هما رزقي في الدنيا، ولما راحوا ما ضلّ إلا رزق الصبر. سالم الحنون، الخائف على أمه من نسمة الهواء، المتعلّق بوالده، الحارس الصغير لشقيقته. وماريا، تلك العروسة الصغيرة التي لم تُكمل عامها الثاني، وكانت تظن العالم كله غرفة ألعاب".

اليوم، تحوّل اسماهما إلى رقمين جديدين في قائمة طويلة، طويلة جدًا، تضم أكثر من عشرين ألف طفل ابتلعتهم الحرب، وابتلعت معهم أحلامهم ودونات كانت تنتظر أن تُقلى.

لم تطلب هدى الكثير؛ فقط أن يأكل سالم دونات مع صديقته سوار، ابنة صديقتها وجارتها الشهيدة ضحى، وأن تضحك ماريا على شكل العجين. وبقيت هدى، بيدٍ مكسورة وقلبٍ منكسر، تردد: "كانت أمنيتي بسيطة… بسيطة جدًا، بس حتى البساطة صارت مستحيلة".

أحلام صغيرة تحت ركام غزة: حكاية سالم وماريا شهداء يوم طفل العالمي

غالبية الضحايا من الأطفال والنساء

أعلن مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 535 خرقًا موثقًا لقرار وقف إطلاق النار منذ دخوله حيّز التنفيذ وحتى مساء الثلاثاء 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، ما أسفر عن 350 شهيدًا و889 مصابًا.

وأوضح الثوابتة لـ"الترا فلسطين" أن 40% من الشهداء هم من الأطفال، و33% من النساء، مؤكدًا أن هذه الأرقام تُظهر بوضوح أن الاحتلال يواصل استهداف المدنيين بشكل مباشر ومتعمد، في إطار ما وصفه بـ"جريمة إبادة جماعية"، وفي تحدٍّ صارخ للقوانين الدولية وروح الاتفاق الإنساني.

وأشار إلى أن هذه الانتهاكات تمثل سياسة ممنهجة تهدف إلى إبقاء قطاع غزة في حالة نزيف مستمر، وتقويض أي محاولة لخلق حالة استقرار إنساني حقيقي.

وشدد على أن استمرار الاعتداءات يُعد "انتهاكًا صارخًا للاتفاق، ويستدعي موقفًا دوليًا حازمًا يضع حدًا لهذا السلوك العدواني".

ووجّه الثوابتة رسالة للمجتمع الدولي قال فيها إن "الصمت لم يعد مقبولًا"، مؤكدًا أن ما يجري في قطاع غزة هو "عدوان متواصل يتخلله حصار وتجويع وقتل ممنهج للمدنيين".

وطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف بالتحرك الفوري لوقف خروقات الاحتلال، وضمان دخول المساعدات بشكل كامل وغير مشروط، وتوفير حماية دولية حقيقية للمدنيين.

وأضاف أن إنهاء جذور الأزمة الإنسانية في القطاع يبدأ بـ"إنهاء الاحتلال وسياساته الإجرامية"، إلى جانب دعم الجهود الإنسانية، وتوفير الحماية للعاملين في الإغاثة، وضمان استمرار الخدمات الأساسية.