بيسان

الحرب على التراث الفلسطيني: الاحتلال يصادر أعمدة أثرية من المزرعة الشرقية

المصدر تقارير
الحرب على التراث الفلسطيني: الاحتلال يصادر أعمدة أثرية من المزرعة الشرقية
محمد غفري

محمد غفري

صحافي من رام الله

شهدت بلدة المزرعة الشرقية شرق رام الله، يوم الخميس الماضي، جريمة استيلاء جديدة على الموروث الثقافي الفلسطيني، بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي ترافقها طواقم الإدارة المدنية موقع "خربة البرج" الأثري وصادرت عددًا من الأعمدة والحجارة القديمة، بزعم أنها "مقتنيات مسروقة" نقلها أهالي المنطقة من مواقع أخرى.

زعم جيش الاحتلال أن الأعمدة الستة التي استولى عليها نُقلت من مواقع أثرية أخرى مثل سبسطية، إلا أن عبد الحميد ينفي هذه المزاعم، ويؤكد أن جميع الأعمدة كانت في موقع "البرج" ولم تخرج منه، بل نقلت منه إلى منازل مقامة فيه

وبينما تزعم سلطات الاحتلال أنها "استعادت آثارًا مسروقة"، تتهم وزارة السياحة جيش الاحتلال بنهب الموقع في إطار "الهجمة الممنهجة على التراث الوطني الفلسطيني"، بينما تحمل بلدية المزرعة الشرقية أطرافًا محلية مسؤولية عدم حماية الموقع وترميمه، ما فتح الباب أمام ذرائع الاحتلال.

ويصف عبد الصمد عبد الحميد، نائب رئيس بلدية المزرعة الشرقية، موقع "البرج" بأنه منطقة أثرية خالصة تقع ضمن المنطقة المصنفة "ب"، وقد أقيم خلال السنوات الأخيرة عددٌ من المنازل في محيطه، أو داخله.

ويقول عبد الحميد، في حديث لـ"الترا فلسطين"، إن بعض سكان المنطقة قاموا بدافع الزينة بنقل أعمدة وحجارة أثرية من الموقع إلى منازلهم، وهي "غلطة نتحمل مسؤوليتها" حسب قوله، مضيفًا: "الأصل أن لا يتم تحريك أي عمود أثري أو حجر من موقعه الأصلي".

وزعم جيش الاحتلال أن الأعمدة الستة التي استولى عليها نُقلت من مواقع أثرية أخرى مثل سبسطية، إلا أن عبد الحميد ينفي هذه المزاعم، ويؤكد أن جميع الأعمدة كانت في موقع "البرج" ولم تخرج منه، بل نقلت منه إلى منازل مقامة فيه.

ويرى عبد الحميد أن جوهر المشكلة يكمن في عدم القيام بأعمال تنقيب وترميم رسمية للموقع من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية، "فقد كان الأصل أن تُنفّذ حفرياتٌ أثرية رسمية في المنطقة لاكتشاف ما فيها من كنائس وآبار وأعمدة وترميمها، بدلاً من البناء فوق الموقع الأثري ونقل المقتنيات منه". ويؤكد: "لو تم ترميمه لأُغلق الباب أمام ذرائع الاحتلال".

ويضيف أن قوات الاحتلال حاولت تبرير اقتحامها برسالة بثها ضابط الاحتلال عبر سماعة آلية على مركبة عسكرية قال فيها، خلال خروجهم من البلدة: "بدنا نربي كل واحد بسرق آثار"، وذلك في محاولة "لإظهار أنفسهم كحماة للتراث بينما الحقيقة أننا نحن من ينبغي أن نحافظ على آثارنا ونرممها ونمنع نقلها" وفق قوله.

من جانبه، وصف وكيل وزارة السياحة والآثار صالح طوافشة، في حديث لـ"الترا فلسطين"، الاستيلاء على الأعمدة من موقع "البرج" بأنها "قرصنة وسرقة لتراث الشعب الفلسطيني"، قائلاً: "هذا العمل يأتي في إطار الهجمة المتواصلة على التراث الوطني، ويهدف إلى سرقة آثار تُعد شاهدًا على حقنا التاريخي في هذه الأرض".

ويرد طوافشة على مزاعم الاحتلال حول نقل الأعمدة قائلاً: "جيش الاحتلال توجه مباشرة إلى الموقع الأثري، وهناك صور تظهر الجرافة وهي تنهب الحجارة من داخل الموقع. أما الحجارة الموجودة قرب منازل فهي أصلًا من نفس الموقع الأثري الموجود في المنطقة، ولا يحق للاحتلال سرقتها".

ويؤكد أن هناك قرارًا لدى حكومة الاحتلال بالسيطرة على المواقع الأثرية في المناطق المصنفة "ب" و"ج"، مضيفًا أن عملية الاستهداف لم تعد تقتصر على المناطق "ج"، بل انتقلت إلى المناطق "ب"، في حين مُنعت طواقم الوزارة من العمل في أكثر من موقع أثري في هذه المناطق المصنفة "ب".

ويقول إن الحديث عن "ذرائع" الاحتلال "ليس له معنى"، لأن الاحتلال لا يحتاج إلى ذرائع، "وسبسطية مثال واضح، فقد تم ترميمها ومراقبتها، ورغم ذلك يقتحمها الاحتلال باستمرار ويسرق آثارها ويمنع طواقم الوزارة من العمل فيها".

وتحدث طوافشة عن أكثر من 7 آلاف موقع أثري في الأراضي المحتلة منذ 1967، مبينًا أن وزارة السياحة تعمل وفق أجندة لترميم وتأهيل هذه المواقع، لكن أعدادها الكبيرة تتطلب وقتًا وإمكانيات أكبر.

وفي بيان صدر عن وزارة السياحة والآثار، وصفت الوزارة ما جرى بأنه "اعتداء يمثل خرقًا للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية"، بما في ذلك اتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكولاها، واتفاقيات اليونسكو لعامي 1970 و1972.

وأكد البيان أن الوزارة ستتابع القضية مع الهيئات الدولية، وعلى رأسها منظمة اليونسكو، وستطالب بإعادة المواد الأثرية المصادرة.

رد طوافشة على مزاعم الاحتلال قائلاً: جيش الاحتلال توجه مباشرة إلى الموقع الأثري، وهناك صور تظهر الجرافة وهي تنهب الحجارة من داخل الموقع. أما الحجارة الموجودة قرب منازل فهي أصلًا من نفس الموقع الأثري الموجود في المنطقة

في المقابل، قال الاحتلال إنه "استردَّ عشرات القطع الأثرية" من موقع أُقيم مبنى فلسطيني في قلبه، مما تسبب، بحسب المزاعم الإسرائيلية، في "إلحاق أضرار بالبقايا الأثرية". ونقل موقع "i24" الإسرائيلي أن العملية تمت تحت إشراف "وحدة الآثار التابعة للإدارة المدنية" في موقع يُطلق عليه "برج لاسانا" في المنطقة المصنفة "ب".

وتأتي هذه الحادثة في سياق أوسع من محاولات إسرائيل إحكام سيطرتها على المواقع الأثرية في الضفة الغربية. فقد أظهر تقرير سابق لمركز "مدار" للدراسات أن إسرائيل تدعي وجود 3,064 موقعًا للتراث اليهودي في الضفة، منها 2,452 موقعًا في المنطقة "ج".

وكان الكنيست صادق، في تموز/ يوليو 2024، على قانون يفرض صلاحيات "سلطة الآثار الإسرائيلية" على كامل الضفة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها جزءٌ من سياسة الضم الزاحف.