بيسان

في شتاء غزَّة.. تتراجع الشمس وتتوقف ألواح الطاقة عن الشحن

المصدر تقارير
في شتاء غزَّة.. تتراجع الشمس وتتوقف ألواح الطاقة عن الشحن
أميرة نصَّار

أميرة نصَّار

صحافيّة وكاتبة من غزَّة

في جو ممطر ملبّد بالغيوم تنعدم فيه أشعة الشمس الدافئة، تحمل أسماء عزّام حقيبةَ ظهرِها وبداخلِها حاسوبها الشخصيّ، الناجي الوحيدُ من أسفل ركام بيتِها، فيما تتشبّثُ أناملُها بمظلّةٍ سوداء تحجبُ عنها قطرات الشتاء وتدفعُها أقدامُها بسرعةٍ للذهاب إلى مساحة العملِ التي تُنجز فيها أعمالها في التصميمِ قبل انقضاء مدة التسليم.

للعام الثالث على التوالي يطلُّ فصلُ الشتاء على سكّان قطاع غزّة، وسط انعدام وتدمير من الاحتلال الإسرائيلي لخطوط الكهرباء رغم احتياجات القطاع لأكثر من 600 ميغاوات.

تتنهد الشابّة الثلاثينيّة وتحادثنا بحرقةٍ بعدما كتمت غيظها: "قبل حرب الإبادة، كان الشتاء فصلي المفضّل للاستمتاع بطقوسِه وإنجاز أعمالي في التصميم والترجمة، داخل غرفتي وعلى سريري برفقة حاسوبي حيث تتوفّر الكهرباء والإنترنت، دون الحاجة الماسة للذهاب إلى مساحات العمل التي تعمل بألواح الطاقة الشمسية والمولدات الكهربائية، ودفعِ تكاليفٍ مضاعفةٍ يُقتطعُ الجزءُ الأكبرُ من الراتب على كليهما".

يعتمد الشباب الغزّيون المستقلّون (العامِلون بشكلٍ حرٍّ عبرَ منصّات العمل عن بُعد) على ألواح الطاقة الشمسية لتجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي وحاجتِهم للكهرباء والإنترنت المتواصِلَين على مدار الساعة.

توضّح المترجمة والمصمّمة وهي تشير إلى حاسوبِها: "في فصل الشتاء والجوّ الماطر والغائم، تنخفض منظومة ألواح الطاقة الشمسية لارتباطها بالشمس، ممّا ينعكس بالسلب على العمل والإنجاز والتأخّر في تسليم المهمّات في نهار شتوي قصير".

للعام الثالث على التوالي يطلُّ فصلُ الشتاء على سكّان قطاع غزّة، وسط انعدام وتدمير من الاحتلال الإسرائيلي لخطوط الكهرباء رغم احتياجات القطاع لأكثر من 600 ميغاوات.

تحدّثتنا عزّام بقسمات وجه بائسة: "في الصيف، كنت أعمل لأكثر من 10 ساعاتٍ يوميًّا بفضل الطاقة الشمسية، أمّا الآن فأخسر نصف الوقت بسبب ضعف الشحن وانعدام الشمس في بعض الأيام، بالإضافة إلى رفع تكاليف الدفع في مساحات العمل من 70 دولارًا إلى 150 دولارًا شهريًّا".

تعلو ألواح الطاقة الشمسية أسطح البنايات المرتفعة، وتتربّع أيضًا على أرصفة الشوارع المجرّفة من الاحتلال الإسرائيلي داخل مدينة غزّة، وعلى الأكشاك الصغيرة المصنوعة من شوادر الخيام البيضاء وألواح الزينكو المتهالكة، التي تعلوها الألواح التي أصابتها شظايا الاحتلال الإسرائيلي مُتسبِّبةً في إعاقة فعاليّتِها وقدرتِها الإنتاجيّة للطاقة الكهربائية.

داخل كشك الشحن الصغير، الذي يعلوه يافطةٌ ورقيّةٌ بيضاء، يقفُ صاحبهُ الأبُّ الثلاثينيّ أبو محمد خميس ويحدّثنا: "مصروفي أسرتي اليوميّ أجيبهُ من شحن الجوالات عبر ألواح الطاقة الشمسية، رغم تضرّرِها في الحرب من قنابلٍ وشظايا الاحتلال الإسرائيلي، لكن في اليوم الماطر والغائم لا يسعِفُني أن أجني شيكلًا واحدًا".

خدمةُ الشحنِ المدفوعَةِ مهنةٌ منتشرةٌ في أحياءِ مدينةِ غزّة، بعدَ تدميرِ الاحتلالِ الإسرائيلي لإمداداتِ الكهرباءِ خلال حربِ الإبادةِ الإسرائيلية، حيثُ تعجّ الرفوفُ الخشبيّةُ بالهواتفِ والحواسيبِ المحمولةِ والبطّارياتِ الصغيرة.

على عجلٍ، يأتي طفلٌ في السادسةِ من عمرهِ حاملًا هاتفَ والدهِ لشحنِه بالكامل، يعتذرُ صاحبُ محلِّ الشحنِ قائلًا: "الجوّ ممطرٌ والشحنُ لن يكونَ سوى 50% هذا لو أسعفتني الطاقةُ لشحنِها."

يعتمدُ سكّانُ قطاعِ غزّة المحرومونَ من الكهرباءِ في إنارةِ منازلِهم ليلًا على هواتفِهم المحمولةِ، التي تُشحنُ في أكشاكِ الشحنِ مقابلَ أجرةٍ ماليةٍ زهيدة.

يستكملُ حديثَهُ مع "الترا فلسطين": "أضطرُّ لإلغاءِ الطلبيّاتِ أو تقليلِ حجمِ العملِ بسببِ نقصِ الطاقةِ التي تُنتِجُها الألواحُ المتهالكةُ وقدرتي الماليّةُ لا تُسعفُني لشراءِ ألواحَ جديدة".

على أعلى العماراتِ المرتفعةِ في مدينةِ غزّة، يقفُ مهندسُ الطاقةِ الشمسيةِ فراس أرحيم (27 عامًا) للقيامِ بمهمّتهِ اليوميةِ بتركيبِ ألواحِ الطاقةِ الشمسيةِ، وسطَ تحليقٍ مكثّفٍ من طائراتِ الاستطلاعِ الإسرائيلية من أجلِ تمديدِ منظومةِ الطاقةِ الشمسيةِ على أسطحِ العمارات.

ويقول أرحيم: "يؤثّر فصل الشتاء على عمل ألواح الطاقة الشمسية مُتسبّبًا في انخفاضٍ في فولت الألواحِ وعدم قدرة البطّارية على الشحنِ، بالإضافة لتعطّل جهازِ الإنفيرتر (جهازٍ كهربائيٍّ يحوِّلُ التيّار القادم من الألواح الشمسية إلى تيّارٍ كهربائيٍّ يمكنُ استخدامُه لتشغيل الأجهزة المنزلية أو تغذية الشبكة)".

وعن المحاولات التي يفتعلُها المهندس أرحيم لتلافي الأضرار في فصل الشتاء وقدرةِ الألواح الشمسية على الإنتاج يُخبِر "الترا فلسطين": "نعملُ على تثبيت الألواح بشكلٍ قويٍّ وثابتٍ خلال الجوّ الماطر والعاصف، مع وضع أجهزةٍ تُسمّى مانعةَ الصواعق للحماية من خطر الصواعق، بالإضافة إلى تركيب عُلبٍ مقاومةٍ للماءِ تحت ألواحِ التجميعِ ووصَلاتٍ مضادّةٍ للرطوبة".

في المنظوماتِ الشمسيةِ في اليوم المشمس، تكونُ القدرةُ الإنتاجيّةُ للوح الطاقة من 90–95% للجهاز، بينما في اليوم الغائم تكونُ القدرةُ الإنتاجيّةُ من 45–50% وأقل.

يختتمُ مهندس الطاقة الشمسية: "الطاقةُ الشمسيةُ لها انعكاسٌ إيجابيٌّ من قدرَتِها على توفير مصدر رزقٍ لأصحاب المشاريع الصغيرة والكبيرة، لِكونِها أقلَّ تكلفةً من المولدات الكهربائية، بالإضافة إلى دورِها في المحافظة على البيئة الخالية من الملوّثات".

رغم ما يكابدهُ الغزّيون في مدينة غزّة في شتاء قاسٍ وظروفٍ استثنائيّةٍ، يبقى غيابُ الشمس أكثر من فصلٍ سنويٍّ عابرٍ؛ إنّما عائقٌ أمام استمرار الحياة اليوميّة لأرزاق آلاف العاملين الذين يعتمدون على الطاقة الشمسية.