لليوم الثاني على التوالي، تشهد بلدة قباطية جنوب جنين واحدة من أوسع العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية، على نحو يعيد إلى الأذهان مشاهد الاقتحام العنيف في طوباس وبلدتي عقابا وطمون في الفترة الأخيرة.
بين طوباس وقباطية وطمون، تتكرر ذات المشاهد: منازل محتلة، حواجز مكثفة، اعتقالات وتحقيقات ميدانية، وتحويل البلدات إلى مناطق عسكرية مغلقة
وبعد أيام من الحصار المحدود لجيش الاحتلال والعمليات العسكرية المتقطعة، سرعان ما صعدها إلى اجتياح شامل رافقه منع للتجول واعتقالات واسعة، والسيطرة على منازل وتحويلها إلى ثكنات عسكرية.
وأفاد شهود عيان ومصادر محلية، بأن الجيش الإسرائيلي دفع بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى داخل البلدة بعد ظهر يوم أمس الثلاثاء، وأعلن منعًا شاملًا للتجول بعد إبلاغ البلدية رسميًا بذلك عند الساعة (13:00). فيما أُغلقت جميع المحال التجارية، وانتشرت الحواجز العسكرية على مداخل البلدة والطرق المؤدية إليها، وتكرر مشهد إطلاق النار من الطائرات المروحية باتجاه المناطق المفتوحة والجبال المحيطة.
وفي الوقت ذاته، سمحت قوات الاحتلال بشكل محدود لسيارات الإسعاف بالدخول لإخلاء مرضى غسيل الكلى والحالات المزمنة، دون تسجيل إصابات بالرصاص حتى اللحظة.
في السياق، قال الكاتب ثامر سباعنة، وهو أحد أبناء بلدة قباطية وشاهد عيان على ما يجري، لـ "الترا فلسطين"، إن العملية بدأت قبل ثلاثة أيام بشكل تدريجي، حيث سيطرت القوات في البداية على أربعة منازل، ثم توسّعت العملية ظهر أمس بشكل مفاجئ.
وأشار سباعنة إلى أن الاحتلال اعتقل عشرات الشبان، معظمهم من الأسرى المحررين وأقارب الأسرى والشهداء والجرحى. مؤكدًا أن بعضهم نُقل إلى "مراكز تحقيق ميدانية" داخل المنازل التي تم تحويلها إلى نقاط عسكرية.
وأضاف أن "هناك 11 منزلًا تمت السيطرة عليها بالكامل، وطُرد سكانها منها. وفي منطقة أم القصب غربي البلدة تم تحويل أحد المنازل إلى مقر رئيس للتحقيق، وتعرض بعض المعتقلين للضرب والتنكيل قبل الإفراج عنهم واستبدالهم بمجموعات جديدة".
كما وثّق سباعنة عمليات تكسير وتخريب لمحتويات المنازل وسرقة مبالغ مالية ومصاغات ذهبية، إضافةً إلى إطلاق نيران من الطائرات المروحية بشكل متقطع، واقتحام قرية مسلية المجاورة وإعلان منع التجول فيها أيضًا.
من جانبها، أكدت المحللة السياسية والأكاديمية سناء زكارنة لـ "الترا فلسطين"، أن قباطية كانت تتعرض لاقتحامات يومية قبل هذه العملية واسعة النطاق، وأن الاحتلال عمل على تحويل عمارات ومنازل كبيرة إلى ثكنات عسكرية، مع استخدام كلاب بوليسية خلال المداهمات.
وعن أسباب التصعيد وهذه العملية العسكرية المتكررة في مدن وبلدات شمال الضفة الغربية، أوضحت زكارنة أن الاحتلال يسعى إلى بث الرعب وإذلال السكان وكسر إرادتهم، معتبرة أن ما يجري جزءًا من خطة أوسع تستهدف شمال الضفة الغربية، الذي يتمتع ببنية اقتصادية واجتماعية أكثر قوة مقارنة بمناطق أخرى، حيث تعتمد على المشاريع الزراعية والمنشآت الصناعية والمشاريع الصغيرة، دون الاعتماد على الرواتب بشكل أساسي مقارنة بغيرها من المناطق.
وأضافت أن "إغلاق المحال التجارية، وتحطيم المنازل، وإلحاق الخسائر الاقتصادية، كلها خطوات تهدف إلى إفقار المنطقة وإضعاف قدرتها على الصمود. الاحتلال يريد إنهاك المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا".
وربطت زكارنة بين هذه الحملة وقرار الكابينت الإسرائيلي الأخير بالمصادقة على إقامة أربع مستوطنات جديدة في محافظة جنين، مشيرةً إلى أن إعادة المستوطنين إلى المنطقة لن تتم — حسب الرؤية الإسرائيلية — إلا بعد تدمير البنية التحتية للمقاومة بشكل كامل.
وتابعت أن العمليات تهدف كذلك إلى إفشال أي محاولات تنظيم أو تجنيد داخل فصائل المقاومة، عبر الضربات اليومية والاعتقالات والتحقيقات الميدانية، لخلق بيئة "مشلولة وخائفة".
وبين طوباس وقباطية وطمون، تتكرر ذات المشاهد: منازل محتلة، حواجز مكثفة، اعتقالات وتحقيقات ميدانية، وتحويل البلدات إلى مناطق عسكرية مغلقة.
ومع توسيع العمليات لتطال قرى مجاورة، يرسل الاحتلال رسالة مفادها أن لا منطقة محصنة في شمال الضفة الغربية، وأن خريطة السيطرة الأمنية قيد إعادة رسمٍ شامل، بحسب زكارنة. مشيرةً إلى أنه وفي ظل غياب أي أفق سياسي، واستعدادات إسرائيلية لتوسيع المشروع الاستيطاني في جنين، يبدو أن الحملات العسكرية المتتالية ليست مجرد "اجتياح مؤقت"، بل جزء من استراتيجية أمنية واقتصادية ممتدة تستهدف المشهد الفلسطيني بكافة مكوناته.