بيسان

آثار بلا اهتمام: سبسطية بين الإهمال الرسمي والتمدد الاستيطاني

المصدر تقارير
آثار بلا اهتمام: سبسطية بين الإهمال الرسمي والتمدد الاستيطاني
أنصار اطميزه

أنصار اطميزه

صحفية من الخليل

يجلس المواطن ناصر هارون أمام منزله المطل على ساحة  البيدر الأثرية في بلدة سبسطية في محافظة نابلس ويفكر في قرار الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة نحو 80 دونمًا من أرضه وأرض أشقائه ويتساءل "ما الذي يمكن أن يحل به"، فلم تكفي مضايقات الاحتلال ومستوطنيه على الآثار في سبسطية وتقييد حرية السكان في تلك المنطقة واتخاذ المنازل ثكنات عسكرية خلال الفترة الأخيرة، حتى تكللت بقرار الاحتلال الاستيلاء على نحو 1800 دونم من أراضي الفلسطينيين في البلدة، ويشير هارون إلى أن اراضيه مزروعة بأشجار الزيتون المعمر منذ نحو 100 عام.

ويقول هارون إن المواطنين بدأوا معركة قانونية من أجل إلغاء هذا القرار الإسرائيلي لكن الأمل بعودة الأراضي لأصحابها يبدو ضعيفًا، بحسب قوله، وعند تواصلهم مع وزارة السياحة "دعتهم للصمود".

في ذات الوقت، تفاجأ المواطن محمد عبد الرؤوف بمصادرة نحو 6 قطع مختلفة ومتفرقة من أراضيه بمساحة لا تقل عن 40 دونمًا،  مشيرًا إلى أن جزءًا من هذه الأراضي ضمن التصنيف "ب"، وفق تقسيمات اتفاقيات أوسلو، ويعد بعيدًا عن  المناطق  الأثرية في سبسطية.

على الرغم من أهمية إدراج سبسطية في قائمة اليونسكو، لكن ذلك لن يحميها من محاولات الاستيلاء الإسرائيلية؛ لأن كل المنطقة الأثرية مصنفة "ج"

منطقة أثرية بلا سياحة 

ويرى عبد الرؤوف أن محاولات الاحتلال الاستيلاء على المنطقة الأثرية في سبسطية لم تأت من فراغ بل هي مخطط استعماري طويل، لكنه في المقابل يرى أن سبسطية لم تحظَ بالاهتمام الفلسطيني الكافي الذي يجعل منها قبلة سياحية مهمة رغم مطالبات المواطنين بضرورة الالتفات الرسمي لسبسطية ودعم المقومات السياحية في المنطقة منذ مجيء السلطة الفلسطينية وحتى اليوم.

ويضيف عبد الرؤوف أن الاهتمام الحكومي بسبسطية ممثلًا بوزارة السياحة الآثار، لم يكن وفقًا للمطلوب وبما يتناسب مع إمكانات وزارة السياحة إذا ما قورن بأهمية سبسطية الأثرية والتاريخية والهجمة الإسرائيلية الشرسة تجاه المنطقة.

في حين يشير محمد العازم رئيس بلدية سبسطية، إلى أن الاحتلال يمنع البلدية من الاهتمام والعناية بالمنطقة الأثرية وترميم أي جزء منها وذلك منذ سنوات طويلة.

ويضيف العازم، أنه خاطب عدة مؤسسات دولية من أجل وقف اعتداءات الاحتلال على سبسطية، لكن لم تقدم أي مؤسسة أي ضمانات لوقف الهجوم الإسرائيلي على الآثار في سبسطية. وأوضح: "كانت الجولات السياحية لسبسطية قبل الحرب خجولة وضعيفة"، ويضيف "عدد قليل من السياح يأتي في جولات محدودة ولفترات قليلة ومن ثم يغادر".

ويؤكد العازم أن سبسطية تحتاج للبنية التحتية السياحية بما يناسب مع ما  لديها من تاريخ أثري طويل، فتحتوي سبسطية على ثلاث نزل لاستقبال السائحين، لكن ذلك ليس كافيًا، ويقول: "حاولنا تطوير قطاع السياحة في البلدة؛ لأن الإمكانيات المادية للبلدية والسكان غير كافية، إذ لابد من جهود حكومية لدعم السياحة في سبسطية واستقطاب المستثمرين للبلدة". ويضيف "طلبنا دعمًا من وزارة السياحة"، وتساءل: "لماذا لم يتم إدراج آثار سبسطية على لائحة التراث العالمي لليونسكو حتى اليوم".

أوسلو مهد الطريق.. نحو التهويد 

تشير ورقة بحثية للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) بعنوان: "سبسطية الفلسطينية: من مهد الاستيطان (1974) إلى مصادرة أراضي القرية (2025)"، إلى أن المطامع الاستيطانية في سبسطية قد بدأت منذ العام 1974 وجاء  اتفاق أوسلو ليشرعن هذه المطامع إذ قسمت فيه سبسطية إلى قسمين، المنطقة الأثرية المصنفة "ج"، والمنطقة السكنية المصنفة "ب"، تمهيدًا للسيطرة على المنطقة وتهويدها، حينما تسنح الفرصة، لذلك تعد الخطوة الإسرائيلية الأخيرة المتمثلة بمصادرة 1800 دونم من سبسطية هي بمثابة المصادرة الأثرية الأكبر منذ العام 1967.

ووفق الورقة، فإنه في 25 تموز/يوليو 1974 وصل نحو 150 مستوطنًا، يرافقهم ما يقارب 2,000 إسرائيلي من داعمي توسيع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، إلى محطة القطار المهجورة بالقرب من قرية سبسطية في محافظة نابلس. وكان بين المرافقين 18 عضوًا في الكنيست من حزبي الليكود والمفدال، من بينهم مناحيم بيغن، أريئيل شارون، وإيهود أولمرت، وهم جميعًا أصبحوا لاحقاً رؤساء وزراء لإسرائيل.

ويقول الباحث وليد حباس، إن "الاستيطان في الضفة الغربية بدأ فعليًا كمشروع توسّع سياسي منظّم مع هذا الحدث في سبسطية، رغم قيام عدد قليل من المستوطنات قبله لأغراض أمنية واستراتيجية (مثل غوش عتصيون وكريات أربع وبعض مواقع الجيش في الأغوار). لكن سبسطية شكّلت نقطة تحوّل حاسمة؛ فقد جاءت بدفع حركة أيديولوجية منظَّمة قادتها حركة "غوش إيمونيم" التي سعت إلى إعادة رسم حدود إسرائيل وفرض وقائع ثابتة على الأرض. ولهذا اكتسبت الحادثة في الخطاب الإسرائيلي اسم ’قضية سبسطية’".

سبسطية ضمن اللائحة التمهيدية لليونسكو منذ 13 عامًا 

بينما تتسارع الخطوات الإسرائيلية نحو تهويد سبسطية تبدو خطوات وزارة السياحة والآثار، لا تزال تسير ببطء نحو سبسطية، فعلى الرغم من محاولات الاحتلال الاستيلاء بوضع اليد على سبسطية وأراضيها وآثارها، وكذلك على الرغم من  أن سبسطية مدرجة على اللائحة التمهيدية لليونسكو منذ العام 2012، إلا إنّ الوزارة بدأت مؤخرًا، بإعداد ملف إدراج سبسطية على لائحة التراث العالمي بشكل فعلي بحسب  وكيل  وزارة السياحة صالح طوافشة، مشيرًا إلى أن لدى وزارة السياحة أولويات حسب أهمية الموقع، فيما يتعلق بالعمل على إدراج المواقع الفلسطينية على لائحة التراث العالمي.

لكن ملف اليونسكو سيستغرق نحو  أربع سنوات على الأقل حتى يتم إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي، وفقًا لما أكدته الأستاذة في جامعة النجاح والمهندسة المعمارية والحضرية زهراء الزواوي، التي أكدت أن إجراءات اليونسكو زادت تعقيدًا وتفصيلًا في الملف المقدم، لذلك فإن هذه الإجراءات تزيد من المدة التي يمكن من خلالها إدراج سبسطية على لائحة التراث العالمي. 

وأشارت الزواوي إلى أنه على الرغم من أهمية إدراج سبسطية في قائمة اليونسكو، لكن ذلك لن يحميها من محاولات الاستيلاء الإسرائيلية؛ لأن كل المنطقة الأثرية مصنفة "ج"، بمعنى أنها بالأساس تحت السيطرة الإسرائيلية، وتتابع: "لكن أي محاولة لحماية الموقع مهمة ويجب القيام بها وعدم التقليل من أي جهد يمكن من خلاله حماية الآثار الفلسطينية من التهويد".

على الرغم من أهمية إدراج سبسطية في قائمة اليونسكو، لكن ذلك لن يحميها من محاولات الاستيلاء الإسرائيلية؛ لأن كل المنطقة الأثرية مصنفة "ج"

وفود سياحية في مسار إسرائيلي 

وتحدثت الزواوي عن قضية خطيرة هي أن الوفود السياحية الأجنبية التي تتوافد إلى سبسطية هي من تنظيم إسرائيلي تحت عنوان زيارة الحدائق الوطنية، وهو ما تحاول فرضه بما يتعلق في آثار سبسطية، إذ أنها تسعى لتحويلها لحديقة وطنية، بمعنى أن زيارة السياح الأجانب لها ضمن السياق والأهداف الإسرائيلية، وليست كوجهة سياحية فلسطينية، مشيرة إلى أن وزارة السياحة لا تنظم أي جولات سياحية نحو سبسطية وإن غالبية السياحة التي تتوافد فلسطينيًا هي سياحة داخلية.

وفي وقت سابق، أفادت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن الجيش الإسرائيلي أطلق حملة واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي تحمل اسم "بِشفيل يهودا (في طريق يهودا)"، تدعو الجنود والجمهور الإسرائيلي، لزيارة مواقع أثرية وبؤر استيطانية في الضفة الغربية، بما في ذلك مناطق A وB الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية. 

رواية الاحتلال.. مقابل الرواية الفلسطينية 

ويستند الاحتلال في روايته لتهويد سبسطية إلى اعتبار المنطقة "عاصمة مملكة الشمال" التوراتية، ويطلق عليها اسم "السامرة". في المقابل فإن الرواية الفلسطينية الحاضرة تقول إن هذه المنطقة كانت موطنًا للعديد من الحضارات البيزنطية والرومانية والإسلامية، وفقًا لما يقول يوسف طه مدير قسم الترميم في مؤسسة رواق، التي رممت عددًا من المنازل الأثرية في البلدة، ويضيف أن ادعاءات الاحتلال حول كون سبسطية جزءًا من التراث اليهودي هي ادعاءات عارية عن الصحة، حتى إن الاحتلال يحاول محو كل الأبنية التي تدل على فلسطينية المكان خاصة المنازل القديمة، وبناء على ذلك دعا طه إلى ضرورة دعم وتوثيق الرواية الفلسطينية وتعميمها وتنظيم المسارات التي تسلط الضوء على سبسطية وتركز على آثارها.

وأشار طه إلى أنه على الرغم من محاولات الاحتلال "فرض قانون الغاب وقوته الاستعمارية"، إلا أن أي تحرك فلسطيني بما يتعلق في سبسطية مهم سواء بالأبحاث وبدعم الرواية الفلسطينية بالتواجد والوقفات في سبسطية، وكلها مهمة لـ"تذكير العالم بأن سبسطية منطقة فلسطينية مرت بالعديد من الحضارات والشعوب".