"ناجيةٌ من الإبادة الجماعية بشهادة ثانوية عامة، وأختٌ للشهيد مهند حميد والأسيرين وليد ومحمد". هكذا تقدم الطالبة الجامعية آية حميد (18 عامًا) نفسها في أول يوم لها في الجامعة الإسلامية بعد استئناف التعليم الوجاهي، الذي توقف على مدار عامين من الحرب، كانت مباني الجامعة وبنيتها التحتية خلالهما هدفًا مباشرًا لقذائف الاحتلال وعملياته الانتقامية.
استئناف التعليم الوجاهي بدأ بالطلاب الجدد والتخصصات العلمية في كليات الطب والهندسة والعلوم والتمريض وتكنولوجيا المعلومات والشريعة والقانون وبعض تخصصات التربية العلمية
وفي يومها الدراسي الأول، حضر طيف أشقاء آية وذكرياتها الجميلة معهم، بما فيها صورها إلى جانبهم في حفلات تخرجهم، ونصيحة شقيقها الشهيد مهند: "يا آية اختاري تخصص تكنولوجيا المعلومات، وستبدعين كما عهدتك".
سجلت آية للتعليم الوجاهي بطلب من عائلتها، بالرغم مما ستتكبده من تكاليف تشمل المواصلات وكرَّاسات تعليمية، إضافة إلى مشقة التنقل، خصوصًا بعد سلسلة من الخسائر التي تكبدتها مع عائلتها في الأرواح والبيت وحتى العمل خلال عامين من الإبادة.
تقول آية: "لم تسعني الفرحة حين جلست داخل القاعة الدراسية التي تم ترميمها وبداخلها كراسي وطاولات وأمامي سبورة والمحاضرات على جهاز عرض (أل سي دي)، بعدما حرمنا الاحتلال من حقنا في التعليم الوجاهي في مرحلة الثانوية العامة".
وتضيف: "للتعليم الوجاهي دوره الفاعل في التواصل بيننا كطلاب ومدرسين، وبالتحديد في تخصصي العملي، مما يتيح لنا المشاركة والتفاعل في المهام والأنشطة العملية والتطبيقية ويعزز المهارات الشخصية ويصقلها".
واستأنفت الجامعة الإسلامية الدراسة الوجاهية في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، ليعود الطلاب إلى ما كان يومًا حرمًا جامعيًا، ليجدوا قاعات بلا جدران، وممرات ترابية مجرفة، يسيرون فيها مستذكرين مشاهد التفجير والغارات الإسرائيلية التي ضربت مباني الجامعة.

وطالت عملياتُ التدمير الإسرائيلية 80% من مباني ومقدّرات الجامعة الإسلامية، فيما ألحقت دمارًا كليًا شاملًا في بنيتها التحتية.
ويوضح رئيس الجامعة الإسلامية للشؤون الأكاديمية، بسام السقا، أن الحرب الإسرائيلية حولت مباني الجامعة الثمانية إلى أنقاض، بما في ذلك قاعاتٌ للدراسة ومختبرات علمية مجهزة بأحدث الأدوات والمعدات، ثم مع إعلان وقف إطلاق النار قررت الجامعة استئناف التعليم الوجاهي، ونجحت في ترميم مبنى "إرادة" و"فلسطين".
ويقول السقا، في حديث لـ الترا فلسطين: "خلال فترة وجيزة نجحنا في ترميم المباني المدمرة جزئيًا، بتكاليف باهظة رغم شح مواد البناء، وقمنا باستصلاح المقاعد والطاولات الدراسية وشراء السبورات والقرطاسية، وتوفير خطوط الانترنت والكهرباء".

ويضيف: "لا نستطيع الرجوع إلى التعليم البدائي القديم، بل نريد أن نبدأ من حيث توقفنا لمواكبة استمرار العملية التعليمية الحديثة".
ويبين السقا أن استئناف التعليم الوجاهي بدأ بالطلاب الجدد والتخصصات العلمية في كليات الطب والهندسة والعلوم والتمريض وتكنولوجيا المعلومات والشريعة والقانون وبعض تخصصات التربية العلمية.
والتحق بالجامعة الإسلامية ما يفوق ستة آلاف طالب وطالبة، يتلقون تعليمهم في أربع قاعات دراسية، فيما تتواصل الجهود لتجهيز مزيد من القاعات بهدف استكمال العودة إلى التعليم الوجاهي في مزيد من التخصصات.

وأنشئت الجامعة الإسلامية في عام 1978، وهي من أولى الجامعات في قطاع غزَّة، بها إحدى عشرة كلية موزعة في ثلاث مناطق في قطاع غزَّة: الحرم الرئيسي في مدينة غزَّة، والحرم الثاني في المنطقة الوسطى، ويضم كلية الطب والتخصصات الصحية، والحرم الثالث في خان يونس، ويقع حاليًا في المنطقة الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي داخل الخط الأصفر.
وتحدث السقا عن تسهيلات منحت للطلبة مع استئناف الدوام، وهي الإعفاء من رسوم طلب الالتحاق لجميع الطلبة الجدد، وإعفاءٌ كاملٌ من الرسوم الدراسية للفصل الأول لجميع الكليات باستثناء كلية الطب، التي منحت تقسيط الرسوم وتمكين التعليم الإلكتروني بجانب الوجاهي.
التحق بالجامعة الإسلامية ما يفوق ستة آلاف طالب وطالبة، يتلقون تعليمهم في أربع قاعات دراسية، فيما تتواصل الجهود لتجهيز مزيد من القاعات
ولم يكن الطلاب العائدون للتعليم الوجاهي وحدهم المستفيدين من عمليات الترميم الجارية في الجامعة الإسلامية، بل المحاضرون في تخصصات غير مدرجة في التعليم الوجاهي كانوا من المستفيدين أيضًا. فالمحاضر في قسم الصحافة والإعلام منير أبو راس يرتاد الجامعة باستمرار لتجهيز وتحميل مقاطع الفيديو التي يسجلها لطلابه.
يقول أبو راس: "لا محاضرات وجاهية لتخصص الصحافة والإعلام خلال الفصل الدراسي الأول، لكننا نأتي كمحاضرين للاستفادة من مقر الجامعة بتسجيل المحاضرات وإرفاقها ورفعها على برنامج مودل الذي تعتمده الجامعة في التعليم الإلكتروني".
ويضيف: "مع وقف إطلاق النار تم توجيهنا كمحاضرين للموازنة بين التعليم الوجاهي والإلكتروني"، مؤكدًا أن عودة التعليم الوجاهي "تحمل رسالة بأننا كفلسطينيين نملك إرادة صلبة لا تُكسر، وأننا مقبلون على التعليم رغم الإبادة، والاحتلال الإسرائيلي لن يعيق مسيرتنا، وكل ما فعله من تدمير إنما يشحذ عزيمتنا للمواصلة وتخطي المعيقات".
يذكر أن حملة التدمير الإسرائيلية لقطاع التعليم في قطاع غزة خلفت خسائر قدرت بأكثر من أربعة مليارات دولار، وأهم من ذلك استشهاد 193 عالمًا وأكاديميًا وباحثًا، وحرمان نحو 785 ألف طالب من تعليمهم الجامعي والمدرسي.