لليوم الثاني على التوالي، تعيش محافظة طوباس شمال الضفة الغربية على وقع عملية عسكرية إسرائيلية واسعة تُعدّ الأكبر منذ سنوات في المنطقة، وسط حظر تجول غير معلن، وإغلاق شامل للمنافذ والطرقات، وتحليق مكثف للطائرات المسيّرة.
على مدار يومين، أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية المداخل الرئيسية للمحافظة بالسواتر الترابية، كما أغلقت طرقًا فرعية عديدة، ما أعاق حركة المواطنين ومنع وصول طواقم الإسعاف
وطالت العملية التي تحمل اسم "مخمّس القرى" وفق التسمية العسكرية الإسرائيلية، مدينة طوباس وبلدات عقابا وطمون وتياسير والفارعة، وشملت اقتحامات متواصلة للمنازل، واعتقالات جماعية، واحتجاز عشرات الشبان في ظروف قاسية.
وتكشف شهادات الأهالي والمسؤولين المحليين، حجم الانتهاكات والخسائر، فيما يواصل الجيش الإسرائيلي الادعاء بأن العملية "لإحباط بنى تحتية إرهابية"، على حد زعمه.
وعلى مدار يومين، أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية المداخل الرئيسية للمحافظة بالسواتر الترابية، كما أغلقت طرقًا فرعية عديدة، ما أعاق حركة المواطنين ومنع وصول طواقم الإسعاف.
وتقول جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، إنها تعاملت منذ بدء العملية مع 25 إصابة نتيجة اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على المواطنين، بينهم رجل مسن يبلغ من العمر 85 عامًا. وتم نقل خمس إصابات منها إلى المستشفى، بينما عولجت الحالات الأخرى ميدانيًا، وسط صعوبات كبيرة في الوصول لبعض المناطق.
وفي بلدة عقابا شمال طوباس، يروي الشيخ محمد أبو عرة تفاصيل اقتحام منزله مرتين خلال أقل من 24 ساعة. ويقول في تعقيب خاص لموقع "الترا فلسطين": "عند الساعة الخامسة فجر أمس، اقتحموا منزلنا في حي الزرعيني وشرعوا بتفتيش واسع، وعبثوا بالأثاث والمحتويات، ثم فتشوا بركسًا قرب المنزل وسيارتين أمامه، قبل أن ينسحبوا".
وأضاف أبو عرة: "عادوا عند أذان المغرب يوم الأربعاء، وطلبوا مني إحضار ولديَّ التوأم عبد الرحمن وعبد الله (17 عامًا)، ثم اعتقلوهما. وبعد منتصف الليل أخلوا سبيل عبد الرحمن، لكن عبد الله لا يزال معتقلًا ولا نعرف عنه شيئًا".
قصة أبو عرة تعكس نمطًا متكررًا في الاقتحامات الليلية التي وصفها الأهالي بأنها "عشوائية وغير مسبوقة من حيث العنف والتخريب".
بدوره، يروي الدكتور محمود أحمد من بلدة عقابا، حادثة اقتحام عيادته عند الساعة الرابعة عصر الأربعاء، واحتجازه لساعات طويلة. ويقول أحمد في تعقيب لموقع "الترا فلسطين"، إن "الجنود اقتحموا عيادتي ثم اقتادوني إلى أحد المنازل التي سيطروا عليها بعد إخلاء سكانه. قيدوني وعصبوا عيني وبقيت محتجزًا حتى الثانية فجرًا، ثم أدخلوني إلى غرفة فيها ضابط مخابرات إسرائيلي".
ويتابع الطبيب محمود: "قال لي الضابط: اللي بطب في دولة إسرائيل سيُحاسَب، ولا فرق بين دكتور وغيره. حاولت أن أشرح له أنني كنت في الأردن قبل أيام في رحلة ترفيهية، لكنه قال: دير بالك على حالك، وأوعى تجيب مصاري من الخارج".
ورغم محاولة الضابط الإيحاء بأن اعتقاله كان "خطأً"، إلا أن الطبيب يرى أن حضور الجنود إلى عيادته وطلبه بالاسم "يحمل رسالة واضحة وتهديدًا مبطنًا".
طمون.. شلل كامل للحياة واقتحامات متواصلة
وفي بلدة طمون، يقول رئيس بلديتها سمير بشارات، إن الوضع "سيء إلى حد غير مسبوق". ويشير إلى أن المواطنين باتوا عاجزين عن شراء احتياجاتهم الأساسية بعدما أغلقت المخابز والصيدليات، ومنع الاحتلال حركة سيارات الإسعاف دون تنسيق مسبق.
ويردف بشارات في حوار خاص مع "الترا فلسطين": "قوة كبيرة اقتحمت البلدة صباح الخميس وانتشرت في كل الحارات والشوارع. يجري اقتحام المنازل واحدًا تلو الآخر، بخلاف ما جرى بالأمس حين كانت الاقتحامات انتقائية".
ويضيف: " تعرض منزلي للاقتحام، وكُسر بابه وجرت عملية اعتقالي واحتجازي سبع ساعات بلا سبب. ومن يتم احتجازهم يُتركون في العراء فوق الجبل وعلى الصخور في البرد القارس، في شكل من أشكال التعذيب، حتى دون ضرب مباشر".
ويوضح رئيس البلدية، أن قوات الاحتلال سيطرت على 20 منزلًا في البلدة وحولتها إلى ثكنات عسكرية، حيث يتم اقتياد الشبان إليها للتحقيق معهم وتهديدهم.
كما أقدمت القوات الإسرائيلية، بحسب بشارات، على تجريف الشارع الرابط بين طمون وعاطوف بطول كيلومترين، وقطع خطوط المياه والكهرباء، كما منعت طواقم البلدية من إصلاح الأعطال.
في السياق، يؤكد رئيس نادي الأسير في طوباس كمال بني عودة، أن غالبية الاعتقالات تتركز في بلدات طمون، وتياسير، وطوباس، وعقابا. ويقدّر عدد المعتقلين والمحتجزين منذ بدء العدوان بأكثر من 100 شاب، معظمهم من الأسرى المحررين وأهالي الشهداء.
ويقول بني عودة لـ "الترا فلسطين": "سيطر الجيش على منازل عديدة وأخلى سكانها، وحولها لمراكز تحقيق وتوقيف. الليلة الماضية أُخلي سبيل جزء من المحتجزين، لكن من دون فك قيودهم أو إزالة عصبة العين، واضطروا للسير لمسافات تصل إلى كيلومتر ونصف من فوق الجبل في طمون والوصول إلى منازلهم بصعوبة، فيما اضطر آخرون للمبيت في بيوت الأهالي".
ويكشف بني عودة عن حجم التخريب الذي وصفه بأنه "غير طبيعي وغير مسبوق". ويضيف: "يجري تقسيم المناطق السكنية إلى مربعات ومداهمة المنازل بطريقة تدميرية، أقل منزل يحتاج إلى ما لا يقل عن 20 ألف شيقل لإصلاح أبوابه وأثاثه المحطم". ويشير بني عودة إلى أن الشبان يتعرضون للتهديد أثناء الاحتجاز، وبعضهم تعرض للضرب المباشر.
وفي بيانه العسكري، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، إن العملية تستهدف "إحباط الإرهاب في مخمّس القرى"، ويشارك فيها ألوية كوماندوز ومنشيه والسامرة، إلى جانب الشاباك وحرس الحدود.
ويزعم الجيش أن العملية بدأت بعد "رصد استخباراتي لبنى تحتية إرهابية" في المنطقة، وأنه عثر خلال عمليات المسح على "غرفة عمليات وكاميرات وصادر مبالغ مالية". لكن البيان لم يحدد حجم الأموال المصادرة ولا الأشخاص الذين كانت بحوزتهم. فيما يؤكد الأهالي أن القوات الإسرائيلية دأبت في الفترة الأخيرة على الاستيلاء على أموالهم خلال اقتحامات المنازل.