قوبل القرار بقانون رقم (23) لسنة 2025 بشأن انتخاب مجالس الهيئات المحلية، بانتقادات من قانونيين وجهات سياسية، أكدوا أنه غير قانوني ويشكل محاولة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتحييد أحزاب سياسية وتجميدها.
وتضمن القرار بقانون رقم (23) لسنة 2025، الذي أصدره الرئيس محمود عباس مؤخرًا، تعديلات جوهرية على النظام الانتخابي وشروط الترشح وتمثيل النساء. وبين التعديلات التي تضمنها بندٌ يلزم مرشحي القوائم الانتخابية بتقديم إقرار يؤكد التزامهم ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتزاماتها الدولية وقرارات الشرعية الدولية. وهو البند الثاني من المادة 16.
تحييد سياسي وقمع
ويؤكد الخبير القانوني رائد بدوية أن الشرط الجديد "غير قانوني، ولا يستند لأي نص في القوانين الفلسطينية أو في القانون الأساسي"، موضحًا أن هناك بندًا واحدًا في القانون الأساسي بأن تلتزم السلطة الفلسطينية بالمواثيق والمعاهدات الدولية صحيح، ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال اشتراط أي برنامج سياسي.
رائد بدوية: الرئيس "يريد تجميد كل الأحزاب السياسية التي لا تتوافق مع برنامجه السياسي، وهذا تحييد سياسي وقمع سياسي أيضًا"
ويرى بدوية، في حديث لـ"الترا فلسطين"، أن التعديل يأتي "استكمالًا للخطوات الأخيرة التي قام بها الرئيس بخصوص منظمة التحرير، ويتناغم مع مطالب أوروبية تتعلق بالإصلاحات السياسية المطلوبة من السلطة الفلسطينية".
ويقول بدوية إن التزام السلطة بالمعاهدات الدولية "لا يجيز اشتراط أي برنامج سياسي معين من أجل خوض انتخابات، سواء المجالس المحلية أو التشريعي أو الرئاسة"، مؤكدًا أن القانون الأساسي جعل "كافة المواطنين سواسيةً من حيث الحق في الترشح والانتخاب".
ويضيف أن القرار "يخالف القوانين الفلسطينية النافذة، كما يخالف بشكل واضح الدستور والقوانين الأخرى"، ويرى أن وراءه بعدًا سياسيًا واضحًا، مؤكدًا أن الرئيس "يريد تجميد كل الأحزاب السياسية التي لا تتوافق مع برنامجه السياسي، وهذا تحييد سياسي وقمع سياسي أيضًا".
ويشير بدوية إلى أن "إصدار المراسيم والقرارات بقانون بهذا العدد الهائل في ظل غياب المجلس التشريعي، يمس نظام الحياة السياسية الفلسطينية، وهو أمر مشكوك في مدى قانونيته ودستوريته".
وقال: "هذا الشرط من الناحية السياسية لا يفيد النظام السياسي الفلسطيني، خصوصًا في ظل ما يجري الحديث عنه في قطاع غزة، واستبعاد الفلسطينيين سواء كفصائل أو السلطة الفلسطينية من الحكم هناك".
وتابع: "هذا الوضع المحرج وتحييد الشرعية الفلسطينية في منطقة مهمة من الوطن، يحتاج إلى إعادة ترتيب النظام السياسي الفلسطيني ووحدة موقف فلسطينية، بحيث يكون صوته موحدًا، إلا أن هذه الخطوات (من الرئيس) تعمل على عكس ذلك، وتعزز وتيرة الانقسام الفلسطيني وإضعاف النظام السياسي الفلسطيني".
تعديل غير قانوني
من جانبه، يؤكد العضو السابق في مجلس نقابة المحامين جهاد الزعبي، أن الشرط الجديد مخالف للقانون، "فالبلديات مؤسسات خدماتية لا علاقة لها بالبرامج السياسية، وفرض برامج سياسية عليها غير منطقي". وقال: "لا علاقة للبلديات بأي وجهة نظر سياسية، بل تعبّر الهيئة المحلية عمّا يحقق مصالح المدينة أو التجمع السكاني".
وشدد الزعبي، في حديثه لـ"الترا فلسطين"، على أن القانون الأساسي كفل الحرية السياسية وحرية الترشح والانتخاب طالما يتمتع المواطن بحقوقه المدنية وليس محكومًا بجنحة مخلة بالشرف أو فاقدًا للأهلية.
وأضاف أن بعض المرشحين قد لا يكونون مؤمنين بأي برنامج سياسي، وهم مستقلون استقلالًا تامًا من الناحية السياسية، وهذا الشرط يعني إجبار هؤلاء على الذهاب في اتجاه غير مقتنعين به.
وتابع: "يمكن مناقشة وضع هذا الشرط في انتخابات الرئاسة أو البرلمان، أما في الانتخابات المحلية فهو غير مبرر"، محذرًا من أنه قد يمتد ليدخل في انتخابات النقابات أو الجامعات أيضًا. وأكد الزعبي: "الشرط غير قانوني بتاتًا ويتعارض مع الدستور وطبيعة البلديات ويقيّد المرشحين المستقلين".
وأصدر الرئيس الفلسطيني القرار بقانون بناءً على مشروع قرار مقدَّم من مجلس الوزراء، ودون أي حوار "مجتمعي أو نسوي"، وفقًا للكاتبة ريما نزال، التي وصفت القرار بأنه "اختراقٌ للأعراف التشريعية الفلسطينية والمقارنة"، لأن القوانين الانتخابية، وفقًا لها، "لا تشترط على المرشح اعتناق موقف سياسي محدد".
وأكد نزال أن إقحام هذا الشرط في قانون خاص بالهيئات المحلية ذات الطبيعة الخدماتية، يسهم في "تسييس المجالس البلدية بطريقة غير مبررة وغير ديمقراطية".
جهاد الزعبي: "الشرط غير قانوني بتاتًا ويتعارض مع الدستور وطبيعة البلديات ويقيّد المرشحين المستقلين"
وأشارت إلى أن النظام الانتخابي الخاص بالبلديات تغيّر مرتين منذ عام 2004، "ما يطرح أسئلة حول دوافع التعديل وارتباطه بالمصالح السياسية للحزب الحاكم".
حماس: رضوخ للضغط الإسرائيلي
من جانبها، قالت حركة حماس إن القرار بقانون "يعني عمليًا اشتراط الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي كمدخل للترشح، ما يشكل تعديًا خطيرًا على حق المواطنين في اختيار ممثليهم بحرية، ومحاولة واضحة لإقصاء القوى الوطنية والإسلامية والمستقلين".
وأضافت حماس أن هذا التشريع "يسعى إلى تغيير الخريطة البلدية بما يخدم مصالح فئة محددة داخل السلطة وحركة فتح ويتماشى مع الضغوط الإسرائيلية والأميركية. كما أنه يتماهى مع رؤية الاحتلال الرامية إلى مزيد من الرضوخ والتبعية وتجزئة الضفة وتحويلها إلى مجالس محلية".
الحكم المحلي: إنجاز إصلاحي هام
في المقابل، رحبت وزارة الحكم المحلي بالقرار بقانون، وعدَّته "إنجازًا وطنيًا وإصلاحيًا هامًا على طريق تطوير منظومة الحكم المحلي وترسيخ مبادئ الشفافية والحكم الرشيد".
وقالت الوزارة إنها عملت على إعداد مقترح القانون بالشراكة مع لجنة الانتخابات المركزية، "وبالتشاور مع فصائل العمل الوطني ومؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى طرح مسودته للنقاش عبر منصة وزارة العدل" على حد قولها.
وخلافًا لما يؤكده القانونيون، فإن وزارة الحكم المحلي ترى أن الهيئات المحلية "ليست فقط جهات خدماتية، بل تضطلع بأدوار وطنية" وتشكل صمام أمان للمشروع الوطني"، مدعية أن القانون الجديد "يعزز الثقة بين المواطن وهيئته المحلية ويحد من النزاعات العائلية".