بيسان

اغتصاب وتعذيب جنسي.. محرّرو غزة يروون لـ"الترا فلسطين" فظائع السجون

المصدر تقارير
اغتصاب وتعذيب جنسي.. محرّرو غزة يروون لـ"الترا فلسطين" فظائع السجون
الترا فلسطين

الترا فلسطين

فريق التحرير

على مرأى من جنودٍ ومجنداتٍ في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبين تعالي الضحكات والسخرية منه، كان رياض* ضحية جريمة اغتصاب داخل معتقل "سديه تيمان" سيّئ السمعة.

تعذيب جنسي ممهنج.. "الترا فلسطين" يرصد شهاداتٍ مروعةً لأسرى فلسطينيين تحرروا من سجون الاحتلال في الصفقة الأخيرة.

هذه الجريمة الجنسية بحق رياض (43 عامًا) ليست استثناءً؛ إذ طالت جرائم مشابهة أسرى فلسطينيين اعتقلتهم قوات الاحتلال من قطاع غزة خلال عملياتها البرية في إطار حرب الإبادة الجماعية التي استمرت عامين، ولم تنتهِ حتى مع إعلان وقف إطلاق النار. 

وكانت القناة الـ12 الإسرائيلية قد نشرت، الصيف الماضي، مقطعًا مصورًا يُوثّق اعتداء جنودٍ إسرائيليين جنسيًا على أسيرٍ فلسطيني في معتقل "سديه تيمان"، الذي استحدثه جيش الاحتلال في صحراء النقب عقب اندلاع الحرب على غزة. 

وأصيب الأسير المذكور حينذاك بتمزقٍ في الأمعاء، وإصاباتٍ بالغة في فتحة الشرج والرئتين، وكسورٍ في الأضلاع، وفقًا لما نشرته الصحافة الإسرائيلية.

تحولت هذه القضية، إلى الأبرز في إسرائيل، ليس بسبب الاعتداء على الأسير، ولكن نتيجة تسريب المقطع من قبل المدعية العسكرية المستقيلة، التي نشرت الفيديو، من أجل تبرير موقفها في التحقيق بهذه القضية، رغم تجاهلها مئات الانتهاكات الأخرى.

يرصد موقع "الترا فلسطين" في هذا التقرير شهاداتٍ لأسرى فلسطينيين تحرروا من سجون الاحتلال في سياق صفقة تبادل الأسرى ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من الشهر الماضي. وقد فضّل هؤلاء الأسرى عدم الكشف عن أسمائهم الكاملة لحساسية ما تعرضوا له من جرائم اغتصابٍ وتحرشٍ واعتداءاتٍ جنسيةٍ.

اقرأ/ي: الاعتداءات الجنسية في معتقل سديه تيمان.. ماذا روى الضحايا عن العنف الجنسي؟

شهادات إسرائيلية: عشرات الاعتداءات الجنسية المفزعة على أسرى فلسطينيين

هآرتس: سديه تيمان معسكر تعذيب سادي ودخله العشرات أحياء وخرجوا منه في أكياس

تعذيب جنسي

في شهادته يقول رياض لـ"الترا فلسطين": "في أحد الأيام الأولى لاعتقالي حاولت التحدث مع معتقلٍ يجلس بقربي، فقام الجنود المكلفون بالحراسة بالاعتداء عليّ بالضرب المبرح، وشتمي بألفاظٍ نابية، وتهديدي باغتصاب زوجتي".

ويضيف: "وفي يومٍ آخر تم الاعتداء عليّ بالضرب الشديد واقتيادي إلى التحقيق. وفي غرفة التحقيق جردوني من كافة ملابسي، وقام جنديان بضربي على منطقة الأفخاذ بعنفٍ شديد حتى سقطت أرضًا، ثم قام أحد الجنود بإدخال عصا كهربائية في مؤخرتي بقوة، وكان يخرجها ويضعها في فمي، واستمر على هذا الحال سبع مرات متتالية حتى فقدت الوعي. وعندما استيقظت كان الطبيب بقربي يحاول إفاقتي، والدماء تسيل من مؤخرتي. ولم يكتفوا بذلك، إذ واصل الجنود ضربي على خصيتي بقوةٍ شديدة حتى تورمت، وعانيت من آلامٍ استمرت أربعة أشهر".

اعتُقل رياض في آذار/ مارس من العام الماضي أثناء اجتياح مستشفى الشفاء بمدينة غزة، حيث كان ينزح مع أسرته. ويقول: "كنا في شهر رمضان، واعتقلوني مع عددٍ كبير من النازحين والمرضى والأطباء والممرضين والعاملين داخل المستشفى".

وبعد ساعاتٍ من الاحتجاز داخل المستشفى، نقلت شاحناتٌ عسكرية تابعة لجيش الاحتلال رياض وباقي المعتقلين، وهم مقيدو الأيدي ومعصوبو الأعين، إلى منطقة غلاف غزة. وهناك أُجبروا على النزول والتعري من ملابسهم والجلوس بوضعية "القرفصاء" على أرضٍ مليئةٍ بحصى البناء، واعتدى عليهم الجنود بالضرب المبرح، قبل نقلهم إلى معتقل "سديه تيمان"، حيث شاهد رياض ويلات التعذيب والضرب والشبح والركل بالأحذية العسكرية والصعق بالكهرباء، إضافةً إلى التحرش والتعذيب الجنسي بكل صنوف العنف الجسدي.

View this post on Instagram

A post shared by Ultra Palestine - الترا فلسطين (@ultrapalestine)

تهديد بالاغتصاب

وفي اليوم ذاته، كان عبد الرحمن* ضمن المعتقلين برفقة رياض، ويقول في شهادته لـ"الترا فلسطين": "منذ اللحظة الأولى لاعتقالي، هددني جنود الاحتلال بالاغتصاب عندما أنكرت أي صلةٍ لي بحركتي حماس والجهاد الإسلامي".

عبد الرحمن (21 عامًا) كان نازحًا في مستشفى الشفاء بعد اضطراره للنزوح من منزله في منطقةٍ خطرة داخل مدينة غزة. ويتابع: "أجبرني الجنود على خلع ملابسي والوقوف عاريًا قرب مبنى ثلاجات الموتى في المستشفى رغم الطقس شديد البرودة. وبعد نحو خمس ساعاتٍ نقلوني إلى قسم العيادات الخارجية، واعتدوا عليّ بالضرب المركز على مناطق الظهر والرأس والصدر".

ويكمل عبد الرحمن روايته التي تقطر ألمًا وأسًى: "لم يتوقف الضرب طوال الطريق ونحن في الشاحنات العسكرية نحو منطقة غلاف غزة، وسط ألفاظٍ نابيةٍ بحقنا وحق أسرنا، وهددوني مرارًا باغتصابي واغتصاب أمي وشقيقاتي".

ويضيف: "عندما وصلنا إلى معتقل سديه تيمان، أجبرنا جنود الاحتلال على الجلوس أرضًا، وجعلوا مستوطنين من الرجال والأطفال يتبولون علينا. وفي اليوم التالي تعرضتُ للضرب الوحشي. وخلال جلسات التحقيق تعرضتُ للتحرش الجنسي لفظيًا وجسديًا، وتم تجريدي تمامًا من ملابسي وضربي بشكلٍ جنوني على خصيتي ومؤخرتي. كما حاول أحد الجنود إدخال يده في مؤخرتي، وعندما كنت أقاوم كان يشد خصيتي بعنف، وكنت أصرخ من شدة الألم".

جرائم اغتصاب وتحرش جنسي

وفي معتقل "سديه تيمان" أيضًا، عانى يوسف* من آلامٍ شديدةٍ لعدة أيام إثر محاولة أحد الجنود إدخال يده وقضيبٍ حديديٍّ في مؤخرته. ويقول، لـ"الترا فلسطين"، إن التعذيب والتحرش الجنسي لم يتوقفا معه طوال فترة اعتقاله التي امتدت نحو 19 شهرًا حتى تحرره قبل شهر.

يوسف (28 عامًا) متزوجٌ وأبٌ لطفل، يروي بألمٍ كيف كان جنود الاحتلال يتعمدون شتم زوجته بألفاظٍ نابيةٍ وقاسية للغاية، وتهديده باغتصابها في غزة، فضلًا عن تهديده شخصيًا بالإخصاء.

ويقول: "بعد جلسة تحقيقٍ عنيفةٍ تعرضت خلالها لتعذيبٍ وحشي، وضع أحد الجنود أصبعه بعنفٍ في مؤخرتي، وشعرتُ بألمٍ شديدٍ استمر لأيامٍ عدة".

وفي روايةٍ مشابهة، يقول عبد العزيز*، وهو أسيرٌ محررٌ في الصفقة الأخيرة بعد تجربة اعتقالٍ قاسيةٍ لنحو 19 شهرًا، وكان نازحًا في مستشفى الشفاء برفقة والدته مريضة السرطان، إن جنود الاحتلال اعتقلوه أمام والدته، واعتدوا عليه وعليها بالضرب، وهددوها بقتله أمامها إن لم تتوقف عن الصراخ.

ويقول عبد العزيز (25 عامًا): "خلال جلسات التحقيق كان الجنود يركّزون الضرب على المؤخرة والمناطق الحساسة. وأدخلوني في ما يسمى التابوت، وهو صندوقٌ للموتى به مروحتان تُدخلان هواءً شديد البرودة، وبقيت داخله ثلاثة أيامٍ مرعبة. وبعدها أدخلوني إلى ما يسمى الديسكو، حيث تُشغّل أغنيات عبرية بصوتٍ مرتفعٍ جدًا، ومكثت فيه خمسة أيام. ثم نقلوني إلى غرفة تحقيقٍ وكان أحد الجنود يحمل عصا كهربائية، وأجبرني على الانحناء، وكنت عاريًا تمامًا، ثم أدخل العصا في مؤخرتي. وعندما حاولت منعه ضربني بقسوةٍ على خصيتي، ثم كرر الفعل مراتٍ عدة بشكلٍ وحشي، ما تسبب لي بنزيفٍ حادٍ في فتحة الشرج".

حدث كل ذلك مع عبد العزيز أمام مرأى من جنودٍ ومجنداتٍ كانوا يتضاحكون ويسخرون منه دون اكتراثٍ لصراخه من شدة الألم والدماء تنزف منه. وحتى عندما اصطحبه جندي لإعادته إلى القسم هدده صراحةً بالاغتصاب.

أما أحمد* (31 عامًا)، فكانت تجربته واحدة من أكثر التجارب قسوةً في سجون الاحتلال. فقد اعتُقل على حاجز "نتساريم" الفاصل بين جنوب القطاع وشماله أثناء نزوحه برفقة أسرته. 

ويقول أحمد، لـ"الترا فلسطين"، إنه يعمل في مؤسسة إغاثية دولية، واعتُقل مع عددٍ من زملائه في العمل، وأُجبروا على التفتيش العاري، وتعرضوا للضرب المبرح. 

ويضيف: "وضع أحد الجنود مقدمة بندقيته في مؤخرتي". ولم يستطع أحمد إكمال روايته عن تجربة السجن، واكتفى بوصفها بأنها "أصعب التجارب التي مررت بها في حياتي، ولا أعتقد أنني سأعيش تجربةً أسوأ منها".

التعذيب الجنسي.. أداة ممنهجة ضد الأسرى

يؤكد مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان علاء السكافي أن "الاغتصاب والاعتداءات الجنسية أصبحت أداةً من أدوات التعذيب الممنهج في سجون الاحتلال". 

ويقول السكافي، لـ"الترا فلسطين"، إن مؤسسة الضمير حصلت على إفاداتٍ وشهاداتٍ مشفوعةٍ بالقسم من معتقلين محررين، وكذلك من معتقلين داخل السجون أثناء زيارة المحامين لهم، تفيد بأن الاحتلال يمارس الاعتداءات الجنسية والاغتصاب بطريقةٍ ممنهجةٍ كنمطٍ سائدٍ في معظم سجون الاحتلال.

ووفقًا للشهادات التي حصلت عليها "الضمير"، فقد تعرّض عددٌ من المعتقلين في سجن عوفر للاغتصاب والاعتداءات الجنسية؛ إذ أفاد أحدهم: "في إحدى الليالي حضر جنود وحدة القمع وأخذوني وعددًا من المعتقلين إلى بركس (صندوقٍ حديدي)، ونحن مكبلو الأيدي ومعصوبو الأعين، وأمرونا بالنوم على بطوننا. ثم أخذني أحد الجنود إلى زاويةٍ في البركس، وأمرني برفع يديَّ المكبلتين وفتح ساقيَّ، وبدأ يضربني بعصا على ظهري وسائر أنحاء جسدي، ثم أنزل بنطالي وأدخل في مؤخرتي جسمًا غريبًا. بقيت أعاني من الألم لأكثر من شهرين، ولم أستطع الجلوس، وكان الدم ينزف من مؤخرتي ومع البول".

ويشير السكافي إلى أن الاعتداءات الجنسية التي يرتكبها جنود الاحتلال تشكّل مخالفةً صارخةً للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، باعتبارها من جرائم التعذيب التي توجب محاسبة مرتكبيها.

وطالب مدير مؤسسة الضمير الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المعنية بفتح تحقيقٍ جدي وفعّال في قيام الاحتلال بممارسة الاعتداءات الجنسية على المعتقلين، وتقديم مرتكبي هذه الجرائم للمساءلة والمحاسبة الدولية. 

كما دعا اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى القيام بمسؤولياتها في زيارة السجون ومراقبة أوضاع المعتقلين وفضح الانتهاكات التي يتعرضون لها.

وختم السكافي مطالبًا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالإسراع في إصدار مذكرات قبضٍ بحق قادة الاحتلال على ما يرتكبونه من جرائم، خاصةً بحق المعتقلين الفلسطينيين.

*كل الأسماء في التقرير مستعارة، حفاظًا على خصوصية الأشخاص.