بيسان

بطاقة للوجود.. وتصريح للحياة: بيت إكسا أمام مستوى جديد من العزل الإسرائيلي

المصدر تقارير
بطاقة للوجود.. وتصريح للحياة: بيت إكسا أمام مستوى جديد من العزل الإسرائيلي

في بيت إكسا، شمال غرب القدس، لم تكن الحياة اليومية طبيعية منذ نحو عقدين نتيجة سياسة العزل الإسرائيلية. لكن الاحتلال لم يكفِ بذلك، بل طور هذا العام مستوى جديدًا من العزل، بفرض البطاقات الممغنطة والتصاريح على أهلها، في إجراءٍ سيتم تطبيقه بدءًا من الشهر الحالي، لينقل الحياة في القرية إلى مرحلةٍ غير مسبوقةٍ من التضييق والرقابة.

مراد زايد: في الوضع الجديد، لا نعرف إن كنا من القدس أو الضفة. فالاحتلال صنّف القرية على أنها منطقة تماس، ما يعني أنه ضمّ أرض القرية وترك أهلها تابعين للسلطة الفلسطينية

ويصف رئيس بلدية بيت إكسا، مراد زايد، الإجراء الجديد بأنه "خطوةٌ جديدةٌ في مسارٍ طويلٍ من العزل بدأ فعليًا منذ عام 2013، مع تشغيل الحاجز الوحيد للقرية، حيث أصبح الدخول والخروج مشروطًا بتنسيقاتٍ مسبقةٍ عبر الارتباط الفلسطيني والبلدية، وفي بعض الحالات بتصاريح مؤقتةٍ أو خاصة".

وأضاف زايد: "كنا (في البلدية) نكفل الناس الذين سيدخلون إلى القرية، وتبقى هوياتهم محجوزةً حتى يعودوا. وقتها كان الدخول ممكنًا لكنه معقّد".

ضم الأرض دون أهلها

وتبعد بيت إكسا نحو ثمانية كيلومتراتٍ عن القدس، وتبلغ مساحتها الكلية نحو 14,221 دونمًا، منها 650 دونمًا فقط تقع داخل المخطط الهيكلي المعتمد من السلطة الفلسطينية. أما بقية الأراضي فتنقسم إلى قسمين: الأول يزيد عن سبعة آلاف دونمٍ صادرها الاحتلال لصالح المستوطنات، وأبرزها "رموت" و"هار شموئيل"، والثاني يقع ضمن المناطق المصنفة "ج" ويمنع الاحتلال البناء فيها، ويبلغ نحو ستة آلاف دونم. ويتراوح عدد المقيمين في بيت إكسا حاليًا بين ألفين إلى ثلاثة آلاف وفق مركز الإحصاء الفلسطيني.

ويوضح مراد زايد أن الإجراء الذي قرّره الاحتلال منذ شهرين، وسيتم تطبيقه بدءًا من الشهر الحالي، يتلخّص في أن كل مواطنٍ من قرية بيت إكسا سيُفرض عليه أن يحمل بطاقةً ممغنطةً مرفقًا معها تصريحٌ باسم "مقيم جديد". هذا يعني أنه بدءًا من الشهر الحالي، سيتوجب على كل من يدخل إلى بيت إكسا أو يخرج منها ممن يزيد عمره عن 16 عامًا، حتى لو كان من أهلها، أن يُبرز البطاقة الممغنطة والتصريح، وستصبح شرطًا أساسيًا للحركة اليومية، سواء للعمل أو الزيارة أو التبضّع.

وأفاد زايد، في حديثٍ لـ"الترا فلسطين"، بأن هذا الإجراء يقتصر على أهل القرية الذين يحملون الهوية الفلسطينية (الخضراء)، ويُستثنى منه حملة الهوية المقدسية (الزرقاء). علمًا أن أهل قرية بيت إكسا ينقسمون إلى قسمين: الأول يحمل بطاقة هوية إسرائيلية تمنحه الإقامة الدائمة فقط، والثاني يحمل الهوية الفلسطينية.

ويقول زايد: "في الوضع الجديد، لا نعرف إن كنا من القدس أو الضفة. فالاحتلال صنّف القرية على أنها منطقة تماس، ما يعني أنه ضمّ أرض القرية وترك أهلها تابعين للسلطة الفلسطينية. أما الخدمات فنقدمها نحن، لكن السيطرة على الحاجز والأراضي لهم".

ويبين زايد أن المرحلة القادمة تتسم بالغموض، "فنحن لا نعرف ما سيحدث على الأرض بعد تفعيل البطاقات، خاصة من ناحية البناء. وكل ما نعرفه أنه بعد الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، سيكون الدخول والخروج مربوطًا إلكترونيًا بالبطاقات والتصاريح".

ويصف زايد معاناة أهالي بيت إكسا على الحاجز الإسرائيلي قائلاً: "الخروج والدخول صعبٌ جدًا. أحيانًا يدّعي الجندي أن البوابة تعطّلت ويترك الناس واقفين ساعات. أحيانًا يمنعون الدخول والخروج ربع ساعة، وأحيانًا ساعة. الأمر يخضع لمزاج الجنود، ومن يعترض يُخضعونه للتفتيش أو قد يمنعونه من العبور".

ويضيف أن بيت إكسا تعيش مرحلةً انتقاليةً من العزل العسكري إلى العزل الرقمي، "وكل خطوةٍ جديدةٍ تزيد العزلة، وتحوّل القرية إلى جزيرةٍ مغلقة".

خوف وترقب في بيت إكسا

ويعيش أهالي بيت إكسا حالةً من الخوف والترقّب تجاه المرحلة القادمة المجهولة لهم، فهم يدركون جيدًا أطماع الاحتلال في ما بقي من أراضيهم البالغة مساحتها نحو تسعة آلاف دونم، إذ إن هذه الأراضي تقف في وجه مشروعٍ استيطانيٍّ كبيرٍ يحيط بغرب القدس من جميع الجهات.

يدرك أهالي بيت إكسا جيدًا أطماع الاحتلال في ما بقي من أراضيهم البالغة مساحتها نحو تسعة آلاف دونم، إذ إن هذه الأراضي تقف في وجه مشروعٍ استيطانيٍّ كبيرٍ يحيط بغرب القدس من جميع الجهات

يقول بلال غيث، وهو صحفيٌّ من بيت إكسا يحمل هوية الضفة، إن الدخول إلى بيت إكسا والخروج منها قبل البطاقات الممغنطة كان من خلال حاجز "رأس بدو" كما يطلق عليه الاحتلال، ويُعرف فلسطينيًا باسم حاجز بيت إكسا، مبينًا أن كل من يدخل يخضع لتفتيشٍ للمركبة وفحصٍ للهوية، وأحيانًا لتفتيشٍ جسديٍّ إذا كان هناك اشتباه، ولا يُسمح لأي فلسطينيٍّ من خارج القرية بالدخول إلا بتنسيق.

ومنذ منتصف العام الحالي، طرأ متغيرٌ جديدٌ على بيت إكسا يتلخّص في ثلاثة قرارات: مصادرة جميع أراضي القرية المتبقية لأهلها، وتحويل تصنيف الأراضي من مناطق "ب" و"ج" إلى "منطقة خط التماس"، وفرض نظامٍ جديدٍ للدخول والخروج يعتمد على بطاقاتٍ ممغنطةٍ إلكترونية، تتضمن صورة صاحب البطاقة وبصمة يده، ويجب تمريرها على أجهزة القراءة عند المعبر.

ويقول غيث: "القرار أثّر بشكلٍ كبيرٍ على حياتنا اليومية. فلم يعد الاحتلال يسمح بدخول الخدمات الأساسية، والمعلمون من خارج القرية يواجهون صعوباتٍ كبيرة، وكذلك سائقي الحافلات"، مبينًا أن القرار يؤثر بشكلٍ أساسي على طلاب الجامعات والموظفين المتجهين إلى الضفة الغربية، إذ إن القرية مفتوحة على القدس، لكنها مغلقة على الضفة.

وأضاف: "البطاقات تحدّد من يمكنه الدخول إلى منزله، وتُمنح لمدة عامٍ قابلٍ للتجديد، مما يجعل حياتنا اليومية مرهونةً بإذن الاحتلال".

وبدأ الاحتلال عزله لقرية بيت إكسا منذ عام 2008، من خلال نصب حواجز مؤقتةٍ على مشارف القرية، ثم في 2010 بدأ حديثه عن نصبِ حاجزٍ دائمٍ على بعد أربعة كيلومتراتٍ شمال غرب مركزها، وصولًا إلى عام 2013، حيث نُصب الحاجز بشكلٍ دائم، ما جعل حركة السكان رهينة التنسيقات المستمرة والمعقدة.

تفريغ محيط القدس وضواحيها من أهلها 

ولا يقتصر قرار فرض البطاقات الممغنطة على بلدة بيت إكسا، إذ أعلنت محافظة القدس أن الاحتلال بدأ منذ مطلع أيلول/ سبتمبر بإصدار "تصاريح مناطق التماس" لأهالي النبي صموئيل وحي الخلايلة وبيت إكسا، بحيث لن يُسمح لأي شخصٍ لا يحمل هذا التصريح بعبور الحاجز العسكري.

ويُلزم القرار الإسرائيلي أهالي بيت إكسا والنبي صموئيل وحي الخلايلة باستخراج بطاقاتٍ ممغنطةٍ تُجدّد كل أربع سنوات، بينما يمنحون تصاريح دخولٍ لمدة عامٍ واحدٍ فقط، مخصصةً للوصول إلى هذه القرى دون السماح لهم بالتنقل داخل مدينة القدس المحتلة.

ويرى الباحث المتخصص في شؤون القدس، راسم عبيدات، أن القرار الإسرائيلي الأخير يتجاوز تشديد العزلة وتقييد الحركة وإحكام السيطرة على الأرض، ليؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ من الاقتلاع والتهجير التدريجي للقرى المستهدفة، عبر تحويل أهلها إلى "مقيمين مؤقتين" في أرضهم.

راسم عبيدات: إجراءات التصاريح ستخضع لما يسميه الاحتلال "المنع الأمني"، ما يمنح ضباط الإدارة المدنية سلطةً مطلقةً في تحديد من يُسمح له بالعبور ومن يُمنع

ويوضح عبيدات، في حديثٍ لـ"الترا فلسطين"، أن القرار الإسرائيلي سيلزم الأهالي باستخراج بطاقاتٍ ممغنطةٍ وتصاريحَ خاصة، ما يعني خضوع حياتهم اليومية بالكامل للرقابة الإسرائيلية، من الحركة والتنقل إلى العمل والتعليم والخدمات الصحية وسائر مناحي الحياة.

ويبيّن عبيدات أن إجراءات التصاريح ستخضع لما يسميه الاحتلال "المنع الأمني"، ما يمنح ضباط الإدارة المدنية سلطةً مطلقةً في تحديد من يُسمح له بالعبور ومن يُمنع، مؤكدًا أن الهدف الأعمق هو تفريغ محيط القدس وضواحيها من أهلها العرب لصالح المستوطنين والمشاريع الاستيطانية التي تعمل على تشكيل حزامٍ استيطانيٍّ متصلٍ يمتد من مستوطنة "معاليه أدوميم" شرقًا إلى المستوطنات المقامة شمال غرب القدس.

مشروع القدس الكبرى

أما الباحث عماد منى، فيؤكد أنه لا يمكن فهم القرار باعتباره إجراءً إداريًا محضًا، "فالقرار في جوهره خطوةٌ ضمن سياسةٍ إسرائيليةٍ أوسع تهدف إلى إحكام السيطرة على القرى الواقعة في منطقة العزل خلف الجدار، خصوصًا تلك التي لا تزال ترتبط إداريًا أو اجتماعيًا بالقدس".

ويوضح منى، في حديثٍ لـ"الترا فلسطين"، أن الهدف من البطاقات الممغنطة هو تقييد حركة الأهالي وضبط الدخول إلى القدس والخروج منها عبر نظامٍ أمنيٍّ رقابيٍّ دقيق، وتهيئة الأرضية الإدارية والقانونية لإعادة تعريف هوية الأهالي: هل هم من القدس أم من الضفة؟ "ما يُعدّ مدخلًا لإعادة هندسة الواقع الديموغرافي والجغرافي للمنطقة"، وفق رأيه.

ويؤكد منى أن القرار جزءٌ من مشروع "القدس الكبرى"، الذي يعمل على فصل التجمعات الفلسطينية تدريجيًا عن النسيج الحضري للمدينة مع الإبقاء على سيطرةٍ إسرائيليةٍ أمنيةٍ كاملةٍ عليها.

عماد منى: إسرائيل تستخدم مصطلح "مناطق التماس" لتُضفي غطاءً قانونيًا وسياسيًا على واقع الاحتلال والعزل، وتحوّل هذه القرى من مناطق سكنيةٍ فلسطينيةٍ إلى مناطق أمنيةٍ محاصرة

ويضيف: "بيت إكسا تقع بين القدس الغربية ورام الله، وتطل على الطريق المؤدي إلى مستوطنة راموت والعديد من المواقع العسكرية الإسرائيلية. ورغم أنها خلف الجدار الفاصل، إلا أنها ضمن حدود بلدية القدس المعلنة إسرائيليًا بعد 1967، ما يجعلها قانونيًا منطقةً رمادية في المنظور الإسرائيلي".

ويبيّن أن هذا الموقع بالنسبة لإسرائيل يُعدّ جزءًا من "الحزام الأمني" للقدس، وبالتالي فإن فرض البطاقات الممغنطة هو أداةٌ لترسيم حدود السيطرة الفعلية دون إعلانٍ رسمي، بحيث تبقى بيت إكسا خارج الحياة المدنية للقدس ولكن داخل المجال الأمني الإسرائيلي.

"وبمعنى آخر، إسرائيل تسعى من خلال مثل هذه الخطوات إلى إعادة ترسيم الحدود الميدانية للقدس الكبرى بما يخدم رؤيتها الجغرافية والأمنية: فصل الفلسطينيين عن المدينة مع الحفاظ على السيطرة على الأرض والموقع، وإفراغ محيط القدس من التواصل الفلسطيني الداخلي بين رام الله والقدس، عبر شبكةٍ من الجدران والتصاريح والبطاقات الخاصة"، أضاف منى.

وأشار إلى أن إسرائيل تستخدم مصطلح "مناطق التماس" لتُضفي غطاءً قانونيًا وسياسيًا على واقع الاحتلال والعزل، وتحوّل هذه القرى من مناطق سكنيةٍ فلسطينيةٍ إلى مناطق أمنيةٍ محاصرة، تمهيدًا لعزلها التام أو لإخراجها فعليًا من النسيج الفلسطيني للقدس والضفة.