بيسان

اعتداءات وإغلاقات ممنهجة: موسم الزيتون في الضفة يتحوّل إلى ساحة مواجهة

المصدر تقارير
اعتداءات وإغلاقات ممنهجة: موسم الزيتون في الضفة يتحوّل إلى ساحة مواجهة
محمد غفري

محمد غفري

صحافي من رام الله

يتواصل موسم قطف الزيتون في مختلف مناطق الضفة الغربية وسط تصاعد غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، لتتحول أيام الحصاد، التي ينتظرها الفلسطينيون عامًا بعد عام كموسم خير وعطاء، إلى مشهدٍ من العنف المنظّم والترهيب الممنهج ضد المزارعين وأراضيهم.

 جيش الاحتلال والمستوطنون قطعوا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر نحو 50 ألف شجرة، بينها 38 ألف شجرة زيتون.

ومع كل يوم جديد من الموسم، تُسجَّل هجمات جديدة تستهدف المزارعين الفلسطينيين وممتلكاتهم، في محاولة لفرض واقع استيطاني يمنعهم من الوصول إلى أراضيهم، خصوصًا في المناطق المصنفة "ج".

إصابة سيدة وحرق مركبات في ترمسعيا

صباح اليوم الأحد، وبينما توجه الأهالي بشكل جماعي إلى منطقة "الخلة" شرق بلدة ترمسعيا شمال رام الله لقطف ثمار الزيتون، فوجئوا بهجوم عنيف نفذه عشرات المستوطنين، ما أدى إلى إصابة سيدة مسنّة نُقلت إلى المستشفى لتلقي العلاج، إضافة إلى حرق 7مركبات، بعضها قانوني وأخرى غير قانونية.

ويقول الناشط عوض أبو سمرة من البلدة، لـ"الترا فلسطين"، إن العديد من أراضي ترمسعيا تقع ضمن المناطق المصنفة "ج"، المحاذية للمستوطنات والبؤر الاستيطانية، ما دفع الأهالي إلى إعداد برنامج موحّد للتوجه الجماعي إلى تلك الأراضي تفاديًا للاعتداءات. وأضاف أن أكثر من خمسين مستوطنًا هاجموا المزارعين بعد نحو ساعة من وصولهم، واعتدوا عليهم بالضرب، ورشّوا غاز الفلفل، وأطلقوا النار باتجاههم، وأحرقوا المركبات.

الهجوم هو الثاني خلال 24 ساعة في البلدة نفسها، ويأتي ضمن سلسلة اعتداءات متكررة شهدتها قرى وبلدات روجيب، والساوية، ويانون، وترمسعيا اليوم الأحد، إضافة إلى اعتداءات وقعت أمس السبت في بيتا وكوبر وسلواد، وهو ما تكرر في عشرات المناطق منذ بدء الموسم منتصف أكتوبر الجاري.

تخوفات في سلواد من حرمان المزارعين من آلاف الدونمات

رئيس بلدية سلواد شرق رام الله، رائد حامد، قال لـ"الترا فلسطين"، إن المستوطنين هاجموا المزارعين والمتطوعين الأجانب المرافقين لهم أثناء قطف الزيتون، واعتدوا عليهم بالضرب، وسرقوا ثمار الزيتون والمعدات الزراعية والهواتف، وحاولوا الاستيلاء على جرار زراعي، كما هاجموا سيارة إسعاف البلدية.

وأوضح أن هذه الاعتداءات وقعت في مناطق "نُصبية" و"باب الغرس" غرب الشارع رقم (60)، مشيرًا إلى أنها المرة الأولى التي تحدث فيها اعتداءات بهذا الحجم بعد إقامة بؤرة استيطانية رعوية في المنطقة نهاية العام الماضي. وأضاف أن جيش الاحتلال أغلق الطرق الترابية المؤدية إلى الأراضي الزراعية، ما يثير مخاوف حقيقية من منع الأهالي من الوصول إلى آلاف الدونمات خلال الموسم الجاري.

استهداف ممنهج لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم

بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان؛ فقد أعدم جيش الاحتلال والمستوطنون منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر نحو 50 ألف شجرة، بينها 38 ألف شجرة زيتون. ويقول مدير النشر والتوثيق في الهيئة، أمير داوود، إن "الاعتداءات هذا العام تتسم بالكثافة والقصدية، وهناك استهداف ممنهج لمنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم، سواء عبر العنف المباشر أو قرارات الإغلاق العسكرية".

ويضيف داوود أن ما يجري "يتجاوز مجرد مضايقات موسمية إلى هجمة منظمة تهدف إلى تفريغ الأرض من أصحابها وتوسيع السيطرة الاستيطانية".

إغلاق حقول الزيتون وفق خرائط افتراضية

من جهته، قال مدير دائرة الحشد والمناصرة في مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، عبد الله حماد، إن "موسم هذا العام مختلف تمامًا عن سابقاته، فإلى جانب العنف المتصاعد، هناك إغلاق ممنهج لمناطق كاملة وفق خرائط افتراضية يضعها المستوطنون، الذين يعتبرون وجود الفلسطينيين في مناطق (ج) اعتداءً عليهم".

وأكد حماد أن هذه الاعتداءات "ما كانت لتحدث بهذا الحجم لولا وجود قرار سياسي”، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال “يتدخل فقط عندما يفشل المستوطنون في طرد المزارعين، ليكمل عنفهم عبر إعلان المناطق عسكرية مغلقة، وبذلك يُمنع الفلسطينيون من الوصول إلى أراضيهم بحجة الأمن".

البؤر الرعوية: نقاط انطلاق للاعتداءات

ونوّه حماد إلى خطورة انتشار البؤر الاستيطانية الرعوية التي بدأت مع الائتلاف الحكومي الحالي، مؤكدًا أنها تقوم بدورٍ لم تستطع الإدارة المدنية القيام به، وهو ترحيل المواطنين ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم في مناطق (ج). وأوضح أن هدف هذه البؤر ليس الرعي، وإنما منع المزارعين من الدخول إلى تلك المناطق.

وأشار حماد إلى أن هذه البؤر مقامة على ما يعتبره الاحتلال "أملاك دولة"، ووفق الخرائط المتاحة فإنها تقع في مناطق يسمح بها القانون الإسرائيلي، بينما يمتد نشاطها فعليًا إلى أراضٍ فلسطينية واسعة.

أما حول إطلاق المناشدة، فقال حماد إنهم توقعوا أن يكون موسم الزيتون هذا العام "موسمًا ساخنًا" نظرًا للتطورات السياسية وملف الضم والتهجير، ولذلك أطلقوا النداء بناءً على رصد اعتداءات أولية في بداية الموسم. "ورغم ذلك، حتى هذه المحاولات قوبلت بالقمع الشديد كرسالة للمزارعين"، كما قال.

"الأمور خارج السيطرة"

وبيّن حماد أن المستوطنين استغلوا ضعف إنتاج الزيتون هذا الموسم، بخلاف السنوات الماضية، وعدم توجه العديد من المزارعين إلى أراضيهم، ما شجعهم ومنحهم حافزًا أكبر للتواجد ومحاولة فرض أمر واقع جديد في هذه الأراضي للسنوات القادمة.

وأردف: "أطلقنا نداءً استباقيًا، لكن الأمور خرجت عن السيطرة، ولا قدرة لنا على متابعة التوثيق، لأن في كل لحظة هناك هجوم شرس واعتداءات، وواضح أننا بحاجة إلى تحرك أكبر من ترك المزارعين لوحدهم".

وختم حماد بالقول: "هذا العدوان له بعد سياسي خطير جدًا، والمطلوب من المؤسسات الرسمية تحرك دبلوماسي أكبر، ومن المؤسسات الدولية دور فاعل، ومن التضامن الشعبي أن يكون بمستوى الخطر القائم".