بيسان

هاربون من جحيم النزوح.. عائلات تعود إلى خان يونس تحت القصف ووسط الركام

المصدر تقارير
هاربون من جحيم النزوح.. عائلات تعود إلى خان يونس تحت القصف ووسط الركام
محمد النعامي

محمد النعامي

محمد النعامي، صحفي من غزة

يواصل جيش الاحتلال، منذ قرابة خمسة أشهر، حملته العسكرية الواسعة على خان يونس، مستهدفًا المنازل والبنى التحتية بشكل منهجي عبر الروبوتات المتفجرة، فضلًا عن تفخيخ المنازل والمدارس وتدميرها، إلى جانب القصف الجوي العنيف. ووسط كل هذه الجرائم، يختار كثيرون من أهل المدينة العودة إلى بيوتهم وسط الركام.

يجمع السكان على أن العودة ليست خيارًا سهلًا، لكنها الخيار الوحيد بعد حياة النزوح "المليئة بالمعاناة والذل والخطر"

ويسلك أهالي خان يونس طريق العودة تاركين خلفهم منطقة المواصي التي يروّج الاحتلال لها بوصفها "منطقة إنسانية"، فيما يحوّلها إلى مسرح غارق بالدماء ورائحة البارود. هذا فضلًا عن تراكم المعاناة هناك، حيث تواجه آلاف العائلات النازحة ظروفًا لا تطاق، من غياب الخدمات الصحية ونقص الغذاء والاكتظاظ الخانق.

في أزقة خان يونس التي لا تصلها الخدمات، يمكن مشاهدة الأطفال يحملون المياه في دلاء ثقيلة، فيما ينكب الرجال على ترميم الغرف المتداعية أو تثبيت أسقف شبه مهدمة، في مشهد يختصر إرادة الحياة رغم الخطر القائم. ويجمع السكان على أن العودة ليست خيارًا سهلًا، لكنها الخيار الوحيد بعد حياة النزوح "المليئة بالمعاناة والذل والخطر".

يقول محمد أبو عمر إن انسحاب قوات الاحتلال من بعض مناطق مدينة خان يونس لم يخفف من حدة القصف، فالتوغلات والمجازر مستمرة، مخلفة شهداء وجرحى يوميًا. وبرغم ذلك، يواصل السكان العودة إلى منازلهم وأحيائهم.

وأضاف أبو عمر أن الناس داخل المدينة مشغولون بأمرين رئيسيين: الأول ترميم منازلهم المدمرة وتأمين احتياجاتهم الحياتية اليومية، والثاني انتشال جثامين الشهداء من تحت الركام. وأوضح أنه في كل يوم يتم العثور على شهداء جدد في الأحياء الغربية والشرقية والوسطى من خان يونس، بعضهم بدأت جثامينهم بالتحلل، بينما آخرون قضوا في الأسابيع الأخيرة ويجري التعرف عليهم الآن بعد فقدان آثارهم لأسابيع أو أشهر.

وشدد أبو عمر على أن العديد من المناطق ما تزال خطرة، رغم عودة أعداد كبيرة من السكان إلى أجزاء واسعة من المدينة. وأشار إلى أن هناك مناطق محددة تشهد توغلات متكررة ونسفًا للمنازل، مثل منطقة الكتيبة وسط المدينة، وجورة اللوت، ومنطقة السطر الغربي، إضافةً إلى مناطق أخرى تتصاعد فيها الهجمات يوميًا.

أما عبد الله عطار، الذي بدأ العودة إلى خان يونس تدريجيًا في الشهر الأخير، فيُرجع قراره أولًا إلى "جحيم النزوح الذي لا يُحتمل"، وثانيًا إلى انسحاب جزئي لقوات الاحتلال من بعض الأحياء. يقول: "بدأت عائلتي منذ نحو ثلاثة أسابيع العودة تدريجيًا إلى منزلنا بعد انسحاب الاحتلال من حي الأمل والمناطق الغربية ووسط المدينة. الزيارة الأولى كانت محفوفة بالخطر تحت تحليق الطيران، لكنها تكررت مع محاولات ترميم المنزل وتجهيزه للسكن، على أمل أن تتحقق العودة الكاملة وتصبح المنطقة خارج نطاق عمليات الاحتلال".

ويضيف: "عادت العائلات على مراحل، بعض الأفراد أولًا ثم التحق بهم الآخرون". ويؤكد أن هذا النمط ينطبق على كثير من العائلات الأخرى التي فضلت العودة رغم الخوف. ويوضح أن المخاطر الأمنية ليست التحدي الوحيد، فهم يواجهون نقص المياه الصالحة للشرب، وانقطاع الخدمات، وغياب محلات التموين، وصعوبة شحن الهواتف. ومع ذلك، يرى أن البقاء في البيت، حتى وهو متضرر للغاية، أفضل من حياة النزوح.

ويتابع: "العائلات تشجع بعضها على العودة، والحياة تعود تدريجيًا من الأحياء الغربية إلى الوسط فالشرق، رغم التحذيرات المستمرة وعمليات التفجير القريبة". بينما تعد بلدية خان يونس بإيصال المياه للاستخدام المنزلي إلى بعض المناطق التي عاد إليها أهلها.

ومع استمرار العمليات العسكرية في خان يونس وتواصل القصف الجوي والمدفعي المكثف، يتخذ السكان العائدون لمناطقهم الخطرة إجراءات لحماية عائلاتهم، ومحاولة تجنيبها المخاطر الناجمة عن التوغلات والقصف المستمر.

أحمد السعيدات اتخذ قرار العودة إلى منزله غرب بني سهيلة بعد ترميم ما أمكن. يقول: "قرار العودة جاء بعد انسحاب قوات الاحتلال، وبعد ما ذقناه من مرارة النزوح. حياة الخيام كانت مهينة ومرهقة، والعودة رغم المخاطر تبقى أهون بكثير من تلك الظروف".

ويضيف أن البقاء في هذه المناطق يستدعي التزام قواعد صارمة لتجنب الخطر: "نتجنب الغرف المطلة على مناطق نشاط الاحتلال وتوغلاته، خاصة الشمالية الشرقية، أغلقنا النوافذ المطلة على تلك الجهات، ونتفادى الإضاءة القوية، ونسدل الستائر ليلًا. الاحتلال يسعى لمنع الناس من العودة، لكننا نحاول البقاء رغم كل شيء".

ويشير إلى أن الطرقات ما تزال شديدة الخطورة بسبب القصف ورصاص القناصة، لذلك لا يخرجون إلا للضرورة القصوى. ويوضح: "عندما نسمع حركة الآليات أو اقترابها من مناطقنا، نقلص تحركاتنا داخل المنزل ونتجمع في نقطة نعتبرها أكثر أمانًا وسط البيت حتى يبتعد الخطر. الأمر ذاته عند اقتراب الطائرات المسيّرة، فنلتزم الصمت والسكون".

ويشدد السعيدات على أن العيش في المنزل رغم المخاطر أكثر كرامة من حياة الخيام: "رغم الخطر الدائم، العيش في المنزل أكثر راحة وكرامة من حياة الخيام وما رافقها من إهانة. نحن مصممون على البقاء هنا وعدم العودة للنزوح، وكثير من العائلات الأخرى تزداد قناعتها بالعودة يومًا بعد يوم".

يُشار إلى أن العملية العسكرية الحالية في خان يونس ليست الأولى خلال حرب الإبادة التي تقترب من إتمام عامها الثاني. ففي كانون الأول/ديسمبر 2023، شن الاحتلال عملية واسعة امتدت عدة أشهر حتى نيسان/أبريل 2024، وأسفرت عن دمار هائل وتهجير عشرات آلاف العائلات. فيما يتواصل الآن الاجتياح الشامل الثاني.