بيسان

مدارس البلدة القديمة في الخليل: ثكنات عسكرية وحواجز تفصلها عن طلابها

المصدر تقارير
مدارس البلدة القديمة في الخليل: ثكنات عسكرية وحواجز تفصلها عن طلابها
أنصار اطميزه

أنصار اطميزه

صحفية من الخليل

تستمع المواطنة فاطمة جابر (41 عامًا) أصوات طفليها ونشيدهم الوطني في مدرسة زياد جابر من منزلها في حارة جابر بالبلدة القديمة بالخليل، إلا أن المسافة التي تفصلهم تبلغ أكثر من 4 كم بعد أن أغلق الاحتلال الطريق المؤدية للمدرسة منذ نحو سنتين، بينما اضطر الطلاب للمرور عبر طريق طويلة يواجهون خلالها اعتداءات المستوطنين؛ فيتعرّضون للضرب، أو يتم البصق عليهم، أو تُرسم نجمة داوود على جبينهم، بالإضافة إلى مصادرة الكتب -التاريخ والدين- بالتحديد، كما يطلق المستوطنون كلابهم عليهم، ويجبرونهم على الترديد "أنا يهودي"، وغيرها من الانتهاكات. يتجاوز الأطفال كل ذلك ثم يتوجهوا إلى حاجز (160) الاحتلالي ويتم تفتيشهم بشكل دقيق عبر إلقاء كل ما في حقائبهم من كتب وقرطاسية على الأرض، فيما يُحظر عليهم استخدام المسطرة والفرجار أو أداة يعتبرها الجندي حادة، هذا عدا عن اعتقالات الطلاب والتحرش بهم وإجبارهم على خلع ملابسهم. كلّ هذه الانتهاكات تحدث بشكل شبه يومي وأكثر من مرة باليوم الواحد.

مدارس البلدة القديمة تعاني حالة من الاضطراب في العملية التعليمية، سواء بسبب صعوبات وصول الطلبة أو نتيجة إغلاق الطرق وفرض حظر التجوال المستمر، فضلًا عن تعطيل الدراسة بشكل كامل خلال الأعياد اليهودية.

مسيرة التعليم.. كالجحيم

تقول فاطمة، في حديث مع "الترا فلسطين، إن طفليها شمس وعلي يعيشان منذ عامين في ما يشبه "الجحيم"؛ إذ تراجع مستواهما الدراسي بشكل ملحوظ، وأصبحا يريان أن الذهاب إلى المدرسة لا جدوى منه، خاصة وأنهما غالبًا ما يصلان متأخرين بعد الحصة الأولى بسبب طول الطريق أو احتجازهم، وكذلك الحال مع عدد من زملائهم. وزادت المعاناة مع تأخر كثير من المعلمين أو غيابهم نتيجة منع الاحتلال لهم من الوصول، الأمر الذي جعل فاطمة تفكر مرارًا في جدوى استمرار أبنائها في الدراسة، لكنها سرعان ما تتراجع، وتصرّ على مواصلة تعليمهم مهما كانت التحديات.

كابوس اعتقال الطلاب واحتجازهم

يشكّل بدء العام الدراسي كابوسًا متجددًا لعائلة المواطن فادي جابر، القاطنة في حارة جابر المغلقة وسط البلدة القديمة بالخليل، حيث يعيش أفرادها قلقًا يوميًا بسبب صعوبة وصول أبنائهم إلى المدرسة. فرغم أن مدرسة زياد جابر الأساسية لا تبعد سوى 50 مترًا عن منزل العائلة، إلا أن أبناء فادي الأربعة وإخوته الاثنين يُجبرون على قطع مسافة تقارب 4 كيلومترات للوصول إليها.

 مدرسة ياسر عمرو الثانوية للبنات من هذه الظروف القاسية؛ إذ افتتحت عامها الدراسي وهي أشبه بثكنة عسكرية، حيث يطوّقها الاحتلال بالأسلاك الشائكة ويضع عند مداخلها بوابة حديدية

ويضطر الطلاب لسلوك طرق التفافية عبر جبل جوهر ووادي النصارى، مرورًا بحاجز الاحتلال المعروف بـ حاجز 160، الذي يُغلقه الجنود في أي وقت صباحًا أو عند انتهاء الدوام، محتجزين عشرات الطلبة لساعات طويلة، وفق شهادات سكان المنطقة. وغالبًا ما يقطع الأطفال هذه المسافات مشيًا على الأقدام؛ إذ يمنع الاحتلال دخول المركبات إلى العديد من أحياء البلدة القديمة.

وأوضح فادي، لـ"الترا فلسطين"، أن جنود الاحتلال احتجزوا أبناءه مرارًا عند الحاجز ومنعوهم من المرور، ما سبب لهم حالة من الخوف والذعر. وأضاف أن مخاوفه على أطفاله وإخوته تتضاعف يومًا بعد يوم، حتى أنه فكّر مُكرهًا في وقف تعليم أحد أبنائه الذي لم يتجاوز الصف السابع، خشية تعرضه للاعتقال أو الأذى، إلا أنه تراجع عن الفكرة هذا العام مؤقتًا.

حظر التجوال والعطل اليهودية.. عائقٌ آخر أمام التعليم

لا تقتصر معاناة الطلبة في البلدة القديمة بالخليل على صعوبة الوصول إلى مدارسهم، بل تمتد لتشمل إجراءات الاحتلال التعسفية التي يمكن أن تعطل العملية التعليمية في أي لحظة. ففي كثير من الأحيان، يفرض الاحتلال حظر تجول شامل لأسباب واهية، مثل إقامة المستوطنين لاحتفال أو جنازة، ويغلق أحياء البلدة القديمة بما فيها حارة جابر ويحيلها إلى منطقة عسكرية مغلقة، ما يؤدي إلى تعطيل الدراسة في جميع مدارس هذه الأحياء.

 عدد من أولياء الأمور في المناطق والأحياء المحاصرة امتنعوا هذا العام عن إرسال أبنائهم إلى المدارس بسبب إجراءات الاحتلال.

أما المدرسة الإبراهيمية القريبة من الحرم الإبراهيمي، والتي كانت وجهة لعشرات الطلبة من أحياء متعددة مثل أبو الريش والسلايمة، فقد أصبحت شبه معزولة بعد أن أغلق الاحتلال جميع الطرق المؤدية إليها، وهو ما حرم نحو 50% من طلابها من الالتحاق بها، بحسب ما أفاد به الناشط عارف جابر من حارة جابر وتجمع المدافعين عن حقوق الإنسان.

ويؤكد جابر، لـ"الترا فلسطين"، أن مدارس البلدة القديمة تعاني حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار في العملية التعليمية، سواء بسبب صعوبات وصول الطلبة أو نتيجة إغلاق الطرق وفرض حظر التجوال المستمر، فضلًا عن تعطيل الدراسة بشكل كامل خلال الأعياد اليهودية.

ولم تسلم مدرسة ياسر عمرو الثانوية للبنات من هذه الظروف القاسية؛ إذ افتتحت عامها الدراسي وهي أشبه بثكنة عسكرية، حيث يطوّقها الاحتلال بالأسلاك الشائكة ويضع عند مداخلها بوابة حديدية، ما يشكل خطرًا دائمًا على الطالبات والهيئة التدريسية ويعيق انتظام الدوام فيها، فضلًا عن الآثار النفسية العميقة التي تخلّفها هذه الأجواء على الطالبات.

تسرّب من المدارس وتراجع التحصيل العلمي

يقول مدير مديرية التربية والتعليم في مدينة الخليل عاطف الجمل، لـ"الترا فلسطين"، إن العام الدراسي انطلق بصورة جيدة رغم سلسلة الإغلاقات التي يفرضها الاحتلال على أحياء البلدة القديمة، موضحًا أن جميع الطلبة تمكنوا حتى الآن من الوصول إلى مدارسهم، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بما قد يحدث من تغييرات في الأيام المقبلة.

وأضاف الجمل أن عددًا من أولياء الأمور في المناطق والأحياء المحاصرة امتنعوا هذا العام عن إرسال أبنائهم إلى المدارس بسبب إجراءات الاحتلال، مشيرًا إلى أن المديرية تبذل جهودًا لإعادتهم إلى مقاعد الدراسة وتقديم الدعم اللازم لهم.

وأكد أن العملية التعليمية ترتبط بشكل وثيق بالحالة النفسية للطلاب والمعلمين على حد سواء، لافتًا إلى أن سياسات الاحتلال من إغلاق الطرق وحصار المدارس تؤثر سلبًا على هذه الحالة، ما انعكس في تراجع التحصيل الدراسي لعدد من الطلبة وتأثر فئة واسعة منهم بصورة واضحة. وأشار إلى أن التربية تعمل جاهدة على تحسين الظروف النفسية للتلاميذ والمعلمين للتخفيف من هذه التداعيات.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تواجه مدارس البلدة القديمة في الخليل انقطاعات متكررة في مسيرتها التعليمية نتيجة الإغلاقات والحصار المفروض على الأحياء الفلسطينية، وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًا على مستوى التعليم وجودته في تلك المناطق.