بيسان

نجم كُرَةِ السَّلَّة محمد شعلان.. رصاصة في القلب وجرح في جسد مريم

المصدر تقارير
نجم كُرَةِ السَّلَّة محمد شعلان.. رصاصة في القلب وجرح في جسد مريم
أميرة نصَّار

أميرة نصَّار

صحافيّة وكاتبة من غزَّة

مريم: "بابا نفسي بالحلاوة"، يرد محمد: "المتوفر في السوق سعره غالي، لكن راح أجيبلك إياها… كم، مريم، عندي؟"، كان هذا الحديث الأخير الذي دار على مائدة الإفطار بين لاعب كُرَةِ السَّلَّة الغزي محمد شعلان وطفلته مريم ابنة الست سنوات المصابة بالفشل الكلوي والحمى وسوء التغذية، قبل أن يركض بساقيه، لا في مكانه المعتاد، ملعب كرة السلة، بل إلى "محور موراج"، ليحقق لطفلته المريضة أمنيتها بِقطعة حلاوة ترسم الابتسامة على وجهها، الذي حوله جندي إسرائيلي إلى دمعات ويُتمها برصاصة استقرت في قلب والدها.

زوجة لاعب كرة السلة الشهيد محمد شعلان: إسرائيل قتلت حياة زوجي، لاعب كُرَةِ السَّلَّة، ودفنت أحلامه وطموحاته وأعدمت الحياة بعيون أطفالي الذين يقفون ينتظرون عودة والدهم

هكذا كُتبت نهاية حكاية محمد شعلان، لاعب كُرَةِ السَّلَّة الأربعيني، الذي مثل منتخب فلسطين في العديد من المباريات في الدول العربية ولقب بـ"الزلزال"، بعدما عُرف بنيله نقاط الفوز في الدقائق الأخيرة في العديد من المباريات.

تحدثت ميساء شعلان (33 عامًا)، زوجة الشهيد، أنه في "صباح يوم الإثنين 18 أغسطس/آب من العام الجاري، تناول محمد طعام الإفطار باكرًا على غير العادة اليومية، طلبت منه مريم حلاوة قبل أن يذهب لزيارة عائلية إلى بيت شقيقته في خانيونس، سلم علينا كعادته وألح بالاعتناء برضيعنا خليل"، هذه الكلمات كانت مخلوطة في دموع ميساء.

تتابع شعلان بصوت مختنق، قائلةً: "شاهد محمد الشباب يتدافعون نحو المساعدات في ’محور موراج’ رغم رفضنا الدائم المخاطرة بنفسه والذهاب إلى هناك، لكنه ذهب دون أن يخبر أحدًا، وحاول حماية نفسه قدر الإمكان وجلس في بيت مقصوف خلف عمود إسمنتي بعيدًا عن قوات الاحتلال الإسرائيلي وتجمهر المجوعين، لكن سرعان ما باغتته طلقة قناص إسرائيلي اخترقت قلبه وخرجت من ظهره، وأنهت مسيرته الرياضية الممتدة منذ أربعة وعشرين عامًا".

رحل "الزلزال" برصاصة واحدة فقط، قبل أن يحقق حلمه بالتأهل للمباريات العالمية، ويسمع هتاف الجماهير لفلسطين، وصار واحدًا من بين نحو 774 رياضيًا فلسطينيًا استُشهدوا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

نجم كُرَةِ السَّلَّة محمد شعلان.. رصاصة في القلب وجرح في جسد مريم
محمد الشعلان وطفلته مريم

عودة إلى الوراء قليلًا، تستذكر ميساء مسيرة زوجها، وتقول: "بدأ محمد مسيرته الرياضية في كُرَةِ السَّلَّة بعمر 14 عامًا في نادي المغازي الرياضي، ثم تنقل بين الأندية الرياضية وجاب جميع الأندية بمدينة غزَّة وصولًا لتمثيل فلسطين في دولتي قطر ومصر". إذ انتقل شعلان بين نوادي خدمات المغازي، وخدمات خانيونس، وغزَّة الرياضي، وجمعية الشبان المسيحية، وخدمات جباليا، وحصد مع نادي خدمات البريج بطولات الدوري وسوبر غزَّة وكأس القطاع عدة مرات.

تخبرنا شعلان بحرقة: "محمد شاب طموح جدًا، هينّ لينّ، لا يوجد في الدنيا، طيب القلب، حنون، وأب محب لأطفاله الخمسة؛ يوسف (10 أعوام)، وهنا (9 أعوام)، ومريم (6 أعوام)، وملك (3 أعوام)، وخليل (50 يومًا)، الابن البارّ بعائلته ووالدته، والصديق الخدوم الذي يلبي الطلبات ويساند الجميع". خلال حرب الإبادة لم يتخل شعلان، لاعب كُرَةِ السَّلَّة، عن هوايته بالجري والمشي لمسافات طويلة كي يبقى محافظًا على لياقته ورشاقته التي سيفقدها أثر شظية إسرائيلية.

تقول ميساء شعلان: "في شهر تموز/يوليو 2024، أصيب محمد بشظية إسرائيلية في قدمه أقعدته عن الحركة مدة 4 أشهر، وأخبره الأطباء بأن حالته مستعصية وسيُفقد قدمه وستحال للبتر، لكنه لم ييأس واستمر في عمليات التنظيف والاهتمام بقدمه".

تصمت الأم الثلاثينية لبرهة من الزمن وتهدأ من بكاء رضيعها خليل، وتتابع: "قبل حرب الإبادة على قطاع غزَّة، كان جل تفكيره في الرياضة وتحقيق الفوز في مباريات كُرَةِ السَّلَّة والتأهل للمباريات العالمية، ولكن بعد الإصابة تراجعت عزيمته وكان يردد ’الإصابة شلت حياتي وحلمي بالبطولات العالمية’".

وفي ذات الوقت، كانت حالة الطفلة مريم تستحوذ على تفكير محمد شعلان، إذ خلال حرب الإبادة ساءت حالة مريم الصحية، من ارتفاع في وظائف الكلى، وصديد وارتجاع في الكليتين، وتسمم في البول والدم، وظهرت عليها علامات سوء التغذية والنحافة.

تضيف ميساء شعلان: "سوء حالة مريم الصحية استحوذ على تفكير محمد وجعله يعاني جسديًا ونفسيًا، من تدبير أجرة الطريق والقدوم لزيارة مريم في المستشفى الأقصى في دير البلح، وكان يقطع المسافات مشيًا على الأقدام ويستدين من أجل شراء الطعام والخضروات التي تحبها مريم رغم ارتفاع سعرها".

وتعلق: "محمد، الله يرحم روحه، كان ما يشغله حالة مريم وعلاجها، بعدما فقد الأطباء الرجاء في حالتها، وناشد العالم من أجلها إلى أن بَحَّ صوته، لكن لا أحد يلتفت حتى بعد ارتقاء والدها سندها".

وبعد استشهاد محمد، صارت ميساء تقوم بدور الأم والأب، تطهو الطعام مبكرًا، وتسعى وراء جلب المياه، وتعمل على الاعتناء بأطفالها الأربعة ومن بينهم الرضيع خليل، وترافق مريم في رحلة علاجها.

وتقول شعلان: "إسرائيل قتلت حياة زوجي، لاعب كُرَةِ السَّلَّة، ودفنت أحلامه وطموحاته وأعدمت الحياة بعيون أطفالي الذين يقفون ينتظرون عودة والدهم الذي كان يأمن لهم الطعام والماء والحطب ويشتري الحليب والبامبرز، فاليوم تقع على كاهلي كافة هذه المسؤوليات".

من حرقة قلب ميساء على استشهاد زوجها وتيتم أطفالها، تناشد الجميع بعدم الذهاب إلى مراكز المساعدات التي يتعمد الاحتلال الإسرائيلي قتل الأبرياء المجوعين، وتختتم حديثها مع "الترا فلسطين" برسالة مناشدة لطفلتها: "أناشد الجميع بالإطلاع لحالة طفلتي مريم التي فقدت والدها وتسوء صحتها يومًا بعد يوم، أتمنى أن يتم إخراجها وعلاجها بالخارج بأسرع وقت حتى لا أتجرع مرارة الفقد مرة أخرى". وتقف مريم على باب البيت برفقة أشقائها، وتنادي باسم والدها الذي تنتظر عودته ليعانقها ويزيل عنها أوجاعها.

نجم كُرَةِ السَّلَّة محمد شعلان.. رصاصة في القلب وجرح في جسد مريم
محمد شعلان

أما سليمان المصري، صديق محمد شعلان المقرب، يقول: "محمد أفضل لاعب كُرَةِ السَّلَّة، مجتهد على نفسه توج اسمه في العديد من المباريات المحلية والإقليمية، وكان يطمح للوصول عالميًا، فقده خسارة قاسية جدًا على منتخبنا الوطني".

ويضيف المصري: "لعب في مباريات دولية في مصر ضد أندية كبيرة مثل الأهلي والزمالك، وأيضًا في مباريات في دولة قطر، وتنافس على ضمه أكثر من نادي رياضي في الضفة الغربية، لكن الاحتلال الإسرائيلي كان يتعمد عرقلة خروجه".

ويتابع صديق شعلان: "يُصر الاحتلال الإسرائيلي على قتل جميع رموز الوطن وإنهاء حياة كل فلسطيني حاول ويحاول تمثيل فلسطين سواء بالرياضة، والفنون، والكلمة، وحتى بوجوده وصموده في أرضه".

رحل "الزلزال" محمد شعلان، تاركًا خلفه سلة فارغة، ومدينةً تبكي نجمها الذي حلم بتأمين قطعة حلوى لطفلته المريضة، ليقابل برصاصة وكفن أبيض قبل أن يتوج ببطولات عالمية أو يعود إلى طفلته المريضة، التي عانت في ظل عامين من الإبادة المستمرة.