بيسان

صرخات بلا مُهدِّئ... عجز في التخدير والمسكنات الطبية يهدد حياة جرحى قطاع غزة

المصدر تقارير
صرخات بلا مُهدِّئ... عجز في التخدير والمسكنات الطبية يهدد حياة جرحى قطاع غزة
أميرة نصَّار

أميرة نصَّار

صحافيّة وكاتبة من غزَّة

"وين بابا؟ نادولي إياه، بدي بابا" تصرخ الطفلة جنان الغفير ذات الأربعة أعوام، بنحيب يشق الأنفس، كما رأسها المشقوق والدماء تتقطر على السرير الحديدي وتبلل المفرش الأبيض وأرضية غرفة الطوارئ في المستشفى المعمداني.

على صراخ جنان، التي لا تعلم أن والدها استشهد برفقة شقيقتها سيلين، تأتي الممرضة بسرعة حاملة بين أناملها مقصًا وإبرةً وخيطًا أسود، وتبدأ بقص خصال شعر الطفلة جنان، وتقول: "حاولوا إحكام السيطرة على الطفلة، لا يوجد بنج، علينا تغريز رأسها على الفور، فهناك كسر في الجمجمة".

تصرخ جنان وتَصِكّ على أسنانها من شدة الألم، والدمع ينساب على وجنتيها، وتشبك أناملها ببعضها البعض، فيما تحكم خالتها السيطرة على حركتها، وتضع شاشًا أبيض في فمها لتعضّ عليه ليخفف من ألمها، وتصرخ: "أعطوها أي مسكن، أي شيء يخفف من ألمها، هل ستبقى على هذه الشاكلة من الصراخ والألم؟".

عدم وجود أدوية تخدير ومسكنات طبية يؤثر على الجريح سلبًا لدرجة قد تصل حدّ الوفاة، ومن ضمن المضاعفات زيادة النشاط العصبي مع ما يصحبه من اختلال بالمؤشرات الحيوية

أقف بجوار جنان محاولة تهدئتها، وأعدها بجلب الشوكولاتة والحلوى فور انتهاء الممرضة من عملها، فيما تواصل صراخها دون توقف.
جنان واحدة من بين الجرحى الأطفال، الذين أُجريت لهم عمليات تغريز دون جرعات تخديرية ومسكنات ألم، لتعمّد الاحتلال الإسرائيلي عدم إدخالها إلى مشافي قطاع غزّة.

قبل ثلاثة أشهر، ارتقت جنان برفقة والدتها، ومسح الاحتلال الإسرائيلي عائلتها من السجل المدني دون الحصول على حقها الطبيعي في جرعة تخديرية تسكن ألمها.

"نسبة العجز في مواد التخدير والمسكنات الطبية خلال حرب الإبادة المستمرة حتى اللحظة لا تقل عن 50%، ولكثرة عدد الإصابات والجرحى اعتمدنا سياسة الموازنة والمفاضلة بين الحالات، والفئات العمرية، ودرجة الخطورة، والكمية المتوفرة من مواد التخدير والمسكنات الطبية"، يقول د. فادي أخصائي التخدير والعناية المركزة.

ويضيف: "إن عدم وجود أدوية تخدير ومسكنات طبية يؤثر على الجريح سلبًا لدرجة قد تصل حدّ الوفاة، ومن ضمن المضاعفات زيادة النشاط العصبي مع ما يصحبه من اختلال بالمؤشرات الحيوية، بالإضافة إلى زيادة استهلاك الأكسجين في القلب والأنسجة وزيادة الخطورة على مرضى القلب،

ويتابع: "يدخل الجريح في حالة صدمة عصبية وآلام حادة قد تتطور لألم مزمن، مع ما يصحبه من اضطرابات نفسية كالقلق، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، وكذلك مضاعفات سلوكية تظهر على المريض فيما بعد كسرعة الانفعال والعصبية الزائدة التي يصعب التحكم فيها على المدى الطويل".

يخبر الطبيب فادي "الترا فلسطين" عن تجربته العملية في التعامل مع الجرحى والمرضى: "في كثير من الأحيان تعاملت مع الجرحى والمرضى بتخدير موضعي وتخدير نصفي لعدم توفر الكمية الكافية من أدوية التخدير العام والمسكنات القوية للجراحات المختلفة. بذلنا جهودًا عدّة في التواصل مع الجهات الصحية والدولية لتوفير مواد التخدير ومسكنات الألم ومعدات التخدير المختلفة، لكن دائمًا كان هناك تأخير وتعمد عدم إدخالها من المعابر الحدودية، مما فاقم نسبة العجز".

منذ 13 مايو/أيار الجاري شنّ الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 36 اعتداءً مباشرًا على المستشفيات والمراكز الطبية في قطاع غزّة، وأسفر عن خروج عدد كبير منها من الخدمة، من بينها 4 مستشفيات رئيسية.

يؤكد أخصائي التخدير والعناية المركزة: "تواصل الطواقم الطبية جهودها الجبارة رغم شح الإمكانيات لتقديم الخدمة الطبية والعلاجية للجرحى والمرضى داخل مشافي القطاع".

يتابع فادي: "السر الذي يدفعنا لمواصلة العمل على مدار الساعة هو الإحساس بالواجب الإنساني والوطني لمواصلة إنقاذ الضحايا الأبرياء والمسؤولية المجتمعية الملقاة على عاتقنا".

حذّر القائم بأعمال مدير عام الصيدلة بوزارة الصحة في قطاع غزّة زكري أبو قمر من تفاقم الأزمة الصحية التي يتخللها نقص في مواد التخدير والأدوية التي تُهدّد حياة وسلامة المرضى والمصابين داخل مشافي القطاع.

يقول مدير عام الصيدلة بوزارة الصحة لـ"الترا فلسطين": "العجز الدوائي يشمل جميع الخدمات العلاجية التي تقدمها الوزارة، سواء على صعيد المستشفيات أو مراكز الرعاية الأولية، ومن بين هذا النقص في خدمة الطوارئ والعناية الفائقة وأقسام الجراحات في المستشفيات".

يكمل: "39% نسبة العجز في أصناف الطوارئ، التي تشمل أصناف التخدير، وهي نسبة كبيرة، ولو استمر هذا العجز خلال الأيام المقبلة يهدد بوقف الخدمة كليًا عن المرضى والمصابين".

يُضيف أبو قمر: "أهم أصناف التخدير المفقودة حقن فينتانيل (fentanyl ampule) بحاجة لتواجده الدائم في غرف العنايات المكثفة، وحقن مرخّيات العضلات التي تُعطى بشكل متزامن مع أدوية التخدير والتي بها نقص، ساكسينيل كولين (succinyl choline) وحقن بانكورونيوم (Pancuronium ampule)".

يوضح: "استخدام البدائل للأصناف الأساسية لا يكون بنفس الفاعلية والكفاءة المطلوبة، والأعراض الجانبية تكون أعلى مقارنة بأصناف التخدير الأساسية".

وصرّح مدير عام الصيدلة بوزارة الصحة لـ"الترا فلسطين": "الكثير من العمليات المجدولة حاليًا تم إيقافها، حاليًا فقط نجري العمليات الطارئة لعدم توفر من المواد الكافية من أصناف التخدير".

يتابع: "ما تم توريده في الفترة الأخيرة من قبل المؤسسات الدولية حتى هذه اللحظة لا يفي بالغرض، الكميات الواردة محدودة جدًا، ولا تلبّي الاحتياجات المطلوبة".

وناشد مدير عام الصيدلة بوزارة الصحة جميع المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي بالضغط لفتح المعابر وإدخال المساعدات الطبية من الأدوية والمستهلكات الطبية والمواد المخبرية والأدوات الجراحية وأصناف التخدير الأساسية، لضمان استمرار تقديم الخدمة للمرضى والجرحى المنوّمين في المستشفيات.