صباحٌ حزين يخيّم على قرية المغير شرقي رام الله، مع انقضاء ثلاثة أيام من العدوان الإسرائيلي غير المسبوق، تركت خلفها أراضٍ مجرّفة وآلاف أشجار الزيتون مقطّعة على الأرض، فيما يحاول الأهالي اليوم لملمة جراحهم والبحث عن سبل لإنقاذ ما تبقى من أشجار اقتُلعت من جذورها.
ضابط إسرائيلي لأحد أهالي المغيرّ: "بدنا نردع البلد، حتى ما حدا يقدر يحكي، وأي حدا بعتدي علينا بدنا نبهدل البلد كلها، وأي حدا بفكر يضرب حجر على المستوطنين بدنا نبهدل البلد جميعها".
وبينما ينشغل المزارعون في سهل المغير الشرقي بانتشال ما تبقى من الزيتون المعمّر أملًا في إعادة زرعه أو الحفاظ عليه حتى موسم الشتاء، يستعيد أهالي القرية تفاصيل حصار قاسٍ وعمليات اقتحام واعتقالات واقتلاع ممنهج، يرون فيه عقابًا جماعيًا يفتح الطريق أمام مخطط استيطاني أكبر يستهدف مصادرة ما تبقى من أرضهم.
رحلة 8 كيلو محفوفة بالمخاطر في الجبال
عبر الجبال وفي طرق وعرة تزيد مسافتها عن 8 كيلومترات، اضطر محمد أبو عليا إلى المشي وصولًا إلى منزله في المنطقة الشمالية من قرية المغير شرقي رام الله، وذلك في ساعة مبكرة من فجر يوم الجمعة.
أبو عليا تمكن من الوصول إلى المنزل، إلا أن عشرات غيره من أهالي القرية ظلوا عالقين خارجها لمدة 3 أيام، بعدما فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي عليها حصارًا مطبقًا.
يقول أبو عليا لـ"الترا فلسطين"، إن قوات الاحتلال شنت اقتحامًا واسعًا على المغير، صباح يوم الخميس، وما إن بدأ الاقتحام حتى قرر العودة إلى منزله من مكان عمله في بلدة دير دبوان، إلا أنه لم يتمكن من الدخول إليها في اليوم الأول، واضطر للنوم عند شقيقته في بلدة ترمسعيا.
وبيّن أنه فجر الجمعة اضطر إلى سلوك طرق جبلية وعرة بين قريتي خربة أبو فلاح والمغير، حتى وصل إلى منزله، رغم انتشار المستوطنين في الجبال، الذين أقاموا كمينًا لبعض الأهالي ومنعوهم من الدخول، فيما أطلقت قوات الاحتلال قنابل الغاز والصوت على بعضهم.
ولمدة 3 أيام، تعرضت قرية المغير شرق رام الله لاقتحام واسع وغير مسبوق، بادعاء تعرّض رعاة الأغنام من المستوطنين لعملية إطلاق نار، فيما ينفي أهالي المغير مزاعم الاحتلال جملة وتفصيلًا، مؤكدين أن الاحتلال يضخّم الاحداث عمدًا.
احتجاز وتفتيش ورسائل تهديد: "نريد ردعكم"
يروي أبو عليا أن منزله تعرّض خلال العدوان لاقتحامين من قبل قوات الاحتلال، وكذلك الأمر بالنسبة لكافة منازل القرية. وأكد أن الاقتحام تمحور حول توجيه رسائل تحذير شديدة اللهجة إلى الأهالي، بأنهم سيكونون عبرة لغيرهم.
ويضيف أن الضابط كان يقول لهم: "بدنا نردع البلد، حتى ما حدا يقدر يحكي، وأي حدا بعتدي علينا بدنا نبهدل البلد كلها، وأي حدا بفكر يضرب حجر على المستوطنين بدنا نبهدل البلد جميعها".
وقال أبو عليا: "طوال يومي الجمعة والسبت لم نتمكن من الخروج أو الدخول من المنزل، ولا حتى فتح النوافذ، وفي كل اقتحام كنا نتعرض للتنكيل والتفتيش وتفتيش الهواتف، وقراءة ما ينشر عبر مجموعات التواصل بين أهالي القرية، وتحذيرنا من التصوير".
اعتقال رئيس المجلس القروي
وعبر بث مباشر على صفحة المجلس القروي، أعلن أمين أبو عليا رئيس المجلس القروي نيته تسليم نفسه، مُجبرًا، إلى قوات الاحتلال، بعد اقتحام منزله مساء السبت وتفتيشه واعتقال نجله للضغط عليه من أجل تسليم نفسه.
يقول نائب رئيس المجلس مرزوق أبو نعيم لـ"الترا فلسطين"، إن رئيس المجلس اضطر لتسليم نفسه بعدما ربط الاحتلال بين انسحابه من القرية أو مواصلة العدوان واعتقال أبو عليا، لدوره النشيط طوال الأيام الثلاثة في الحشد والمناصرة وفضح جرائم الاحتلال.
ويؤكد أبو نعيم أن قوات الاحتلال انسحبت، صباح السبت، من قرية المغير بعد ثلاثة أيام من الاقتحام المتواصل، فيما تواصل الجرافات شق طرق تربط بين 9 بؤر استيطانية رعوية مقامة في محيط القرية.
اعتقالات وتحطيم مركبة وسرقة أموال
أما حول الاقتحام الواسع، بيّن أبو نعيم أن قوات الاحتلال اعتقلت 11 مواطنًا بينهم رئيس المجلس، واقتحمت كافة منازل القرية، بعضها أكثر من مرة، وتخلل ذلك عمليات تفتيش وتخريب مقصود، وسرقة 20 ألف شيقل. وتابع أن قوات الاحتلال صادرت نحو 50 سيارة "غير قانونية"، و15 سيارة قانونية جرى احتجازها وتحطيم نوافذها.
ويؤكد نائب رئيس المجلس أن ما أعلن عنه الاحتلال من وقوع عملية إطلاق نار ما هو إلا "ادعاءات كاذبة وتلفيق من المستوطنين للانتقام من المغير، ولتنفيذ مخططات استيطانية تهدف إلى مصادرة أكبر قدر من الأراضي"؛ إذ لم يتبقَّ من المغير بعد حرب الإبادة سوى 950 دونمًا هي الأراضي المقامة عليها المنازل من أصل أكثر من 40 ألف دونم مساحتها التاريخية.
◀️ جندي من جيش الاحتلال يلقي حجرًا على مركبةٍ في قرية المغير شرقيّ مدينة رام الله، أمس، ضمن اقتحامٍ للقرية ما يزال مستمرًا حتى الآن. pic.twitter.com/fcO0XFmfRa
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) August 22, 2025
30 جرافة ثقيلة لتدمير حقول المغير الزراعية
أما المشهد الأبرز وغير المسبوق في تاريخ القرى الفلسطينية، فهو قيام نحو 30 جرافة بأعمال تجريف وتدمير لآلاف أشجار الزيتون في المغير طوال أيام الاقتحام.
يقول رئيس جمعية المغير التعاونية غسان أبو عليا، إنه وعلى طول طريق تُقدَّر مسافتها بـ4 كيلومترات جرت أعمال التجريف على جانبي الطريق بعمق يتراوح بين 400 متر و500 متر، حيث تم إزالة كل الأشجار في هذه المساحة.
خلال حصار مشدد دام 3 أيام قوات الاحتلال تخرب أكثر من 9 آلاف شجرة زيتون في قرية المغير شمال مدينة رام الله @fadialassa pic.twitter.com/HEm3kfYas2
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 24, 2025
والتقديرات، بحسب ما أكد أبو عليا لـ”الترا فلسطين"، تشير إلى تجريف أكثر من 10 آلاف شجرة، معظمها من أشجار الزيتون المعمّر الذي يزيد عمره عن مئات السنين، إضافة إلى أشجار تين ولوزيات بمختلف أنواعها.
وبيّن أبو عليا أن المساحة التي أعلن الاحتلال تجريفها هي 275 دونمًا، لكن المساحة الحقيقية تُقدَّر بين 600 و700 دونم تم تدميرها بشكل كامل بما فيها من أشجار وسلاسل حجرية وسياج وأسوار استنادية وغيرها.
وأوضح أن أعمال التجريف جرت في مناطق القبون والحجار والسهل الشرقي والسهل الغربي والرفيد ووادي الضباع وجزء من النقار وقلصون وجزء من الظهر.
وأكد أبو عليا أن المستوطنين، وطوال أعمال التجريف، أحضروا شاحنات وكانوا يسرقون أشجار الزيتون المعمّرة لزراعتها في المستوطنات.
الأهالي يحاولون لملمة جراحهم
أبو عليا يقول: "نحاول إنقاذ الأشجار التي تم اقتلاعها لنقلها إلى أراضٍ ثانية أو وضعها في أكياس كي يتم زراعتها في الشتاء، وسوف نحاول استصلاح الأراضي".
ويؤكد نائب أن حملة الاحتلال ضد القرية تهدف، في جوهرها، لمنع الأهالي من التصدي للمستوطنين الذين يحوّطون المغيّر بـ9 بؤر استيطانية رعوية، تنطلق منها الاعتداءات اليومية.
وكان قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي آفي بلوت، أعلن بأنهم يشنّون عملية في قرية المغير شمال شرقي رام الله، بزعم البحث عن منفذ عملية إطلاق النار ضد مستوطن، قبل أن يعلونا عن اعتقال شابٍ من القرية ويتهمونه بتنفيذ العملية يوم الجمعة الماضي.
وأقرّ القائد العسكري بفرض إجراءات عقابية جماعية ضد أهالي القرية، مدعيًا أنها تهدف إلى ردع أهلها وأهالي كل القرى عن تنفيذ عمليات ضد المستوطنين.
View this post on InstagramA post shared by Ultra Palestine - الترا فلسطين (@ultrapalestine)