بيسان

صرخات المخاض بلا مجيب: نساء غزة يلدن بلا أسرّة ولا أدوية

المصدر تقارير
صرخات المخاض بلا مجيب: نساء غزة يلدن بلا أسرّة ولا أدوية
سماح شاهين

سماح شاهين

من غزة مهتمة بالشأن السياسي والاجتماعي والعربي والدولي

في غزة المحاصرة بالقصف والتجويع والإبادة، تحوّلت الولادة إلى تجربة محفوفة بالرعب والموت المحتمل. في مشهد يتكرر يوميًا، تضطر نساء للولادة على الأرض أو في ممرات المستشفيات المنهارة، وسط نقص حاد في الطواقم الطبية والمستلزمات الأساسية.

"خرجت من المستشفى بعد أن وضعت مولودي بساعتين.. كتب لي الطبيب أدوية غير متوفرة في الصيدليات وتُركت أعاني من نزيف حاد لمدة أسبوع، وانا أواجه الجوع وفقر الدم".

لم تجرؤ ميرفت صلاح على طلب سيارة إسعاف بعد أن جاءها ألم مخاض الولادة، الساعة 3 فجرًا، كونها تعلم أن الإسعافات لا تملك القدرة على الاستجابة لنداءات المواطنين خاصة في أماكن الاستهداف.

قرّرت الانتظار حتى الصباح للخروج إلى مستشفى الصحابة بمدينة غزة رغم الألم الشديد، فوجدت جميع الأسرّة ممتلئة. فحصها الأطباء وأخبروها أن بإمكانها الانتظار لحين ولادة أحد النساء كي يفرغون السرير لها للولادة.

تقول ميرفت لـ"اترا فلسطين": "انتظرت على الكرسي قرابة ثلاث ساعات حتى بدأت أشعر بنزول ماء الرأس الجنين. بدأت أصرخ في المستشفى لينقذوني أنا وطفلي من الموت، طلب مني الطبيب النوم على الأرض لوضع مولودي ورفضت بشكل قاطع واعتبرتها إهانة لي".

وتضيف: "بعد معاناة شديدة، نقلوني إلى غرفة يتواجد فيها مرضى وقالوا لي أنني  سألد في هذه الغرفة. خجلت من نفسي حاولت أن أتماسك وعدم إصدار أي صوت حتى شعرت وكأنني سأموت أثناء الإنجاب".

تقول ميرفت: "إذا استمر الوضع في المستشفيات على هذا الحال، فإننا سنشهد حالات وفيات بالجملة خاصة لعدم وجود كوادر طبية كافية بالإضافة لعدم توفر المستلزمات الطبية للتخفيف عن النساء".

بالنسبة لها، كانت هذه الولادة الثالثة، لكنّها لا تشبه ولاداتها السابقة في أيّ شيء؛ فقد جاءت في ظل القصف والتجويع وتهالك المنظومة الطبية.

وبحسب إحصائيات الإدارة العامة للأحوال المدنية بوزارة الداخلية والأمن الوطني، فإن عدد المواليد الجدد في قطاع غزة خلال الربع الثالث من العام الجاري بلغ 14590 مولودًا، بينهم 7420 ذكور، و7170  إناث.

لا أسرّة كافية والنساء تلد على أرض المستشفى

مشهد آخر تصفه ربا أبو شاويش التي لجأت للولاة في مستشفى الهلال الأحمر الإماراتي، وهو الوحيد الذي يوفر خدمات الولادة للنساء في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بعد تأخرها ستة أيام على وضع مولودها الجديد.

تروي ربا لـ"ألترا فلسطين": "لم تكن هناك أية بوادر ولادة مثل الطلق أو الوجع، بعدها قررت الطبيبة إعطائي حبوب طلق صناعي لحتى تحفز الولادة. هما حبّتان مقسمة إلى أرباع تؤخذ كل ٦ ساعات".

وتضيف: "الطبيبة قامت بفحصي بعد الحبة الأولى، ولك يكن لها تأثير. أخبرتني أن عنق الرحم ضيق وغالباً سنلجأ لولادة قيصرية، وطلبت مني أن أخضع للعملية لأن الأوضاع في المستشفى مأساوية جدًا".

بعد معاناة لساعات استطاعت ربا الحصول على سرير لها؛ إذ كانت النساء في المستشفى تلد على الأرض في قسم الاستقبال والسلالم. ولحسن حظها، كانت هذه ولادتها الأولى، وقد حاول الأطباء الاهتمام بها نظرًا لأنها ستخضع لعملية ولادة قيصرية.

تصف ربا الأوضاع داخل المستشفيات بأنها كارثية جدًا ،  لاسيما أن مستشفى الهلال على وجه الخصوص يقع بجانب مدرسة تأوي نازحين؛ فكانوا يلجأون إليها للنوم وشحن أجهزتهم والاستحمام أيضًا. بالتالي، فإن المستشفى تفتقر للخصوصية وعدم المتابعة من قبل الأطباء نظرًا للضغط داخل قسم الاستقبال والعمليات الجراحية.

وتتابع ربا: "حبوب الطلق الصناعي لم تجدِ نفعًا، وأصابني وجع لا يحتمل .. لم أكن قادرة على التنفس أو أن أعبّر عن وجعي. وفي النهاية بعد واسطات أُجريت لي عملية قيصرية في غضون نصف ساعة فقط".

أثناء مكوثها في المستشفى، شاهدت ربا أمًّا فقدت مولودها بسبب الإهمال، وأخرى توفت أثناء الولادة، بالإضافة إلى جميع الحالات التي كانت معها في ذات الغرفة اللواتي كنّ يصرخن من شدّة الألم وعدم توفر وسائل تخفيف ألم المخاض.

"تُركتُ أنزف لأسبوع"

رويدة بركات كانت تجربتها أصعب،؛ إذ دخلت مستشفى الحلو الطبي وهي في حالة صعبة جدًا، ونظرًا لوضعها الصحي نقلوها إلى سرير فيما نُقلت امرأة أخرى إلى الأرض.

تقول رويدة: "خلاف فترة حملي تدنّت نسبة الهيموغلوبين في دمي  إلى 9، وكنت خائفة جدًا من موعد الولادة".

وعندما أنجبت مولودتها، قرر الأطباء إخراجها من المستشفى بعد ساعتين فقط. تروي رويدة لـ"الترا فلسطين": "كتب لي الطبيب أدوية غير متوفرة في الصيدليات وتُركت أعاني من نزيف لمدة أسبوع، وانا أواجه الجوع وفقر الدم، حتى الأغذية لم تساندني بل تطيحني أكثر فأكثر".

وتضيف: "لا تهوية ولا تعقيم ولا أسرّة كافية في المستشفيات ننجب أطفالنا في بيئة غير مناسبة من الممكن تؤدي إلى وفاة الأمهات أو المواليد، فهذا كابوس يلاحقنا جميعًا".

وتوضح أنّ الأمهات دفعن ثمن الحرب؛ فالمستشفيات مليئة بالنساء بلا أسرّة أو غرف لا تحترم خصوصياتهن بلا رعاية صحية، نساء يلدّن على الأرض، قائلةً: "هذه ليست مستشفيات بل باتت أماكن للموت فقط".

انهيار المستشفيات

يؤكد استشاري النساء والولادة داخل مجمع الشفاء الطبي الطبيب عيادة أبو حصيرة، أن النساء الحوامل في غزة يتعرضن لاضطهاد وتعب شديد لعدم توفر الغذاء والرعاية الصحية، أدّت لانخفاض أوزانهم ونقص في الدم وقلّة المناعة.

ويقول أبو حصيرة لـ"ألترا فلسطين" إن المستشفيات في انهيار متزايد؛ إذ لا توجد أسرّة كافية في المشافي ولا في قسم العناية المركزية، وهناك وشحٌّ كبير في الأدوية والحليب الصناعي.

ويبيّن أن حالات الولادة في تزايد ولا توجد سوى ثلاثة مستشفيات تستطيع استقبالها، بينما يزداد الضغط على الأطباء بشكل هائل. موضحًا أن الطواقم الطبية تضطر إلى تأجيل مواعيد العمليات الجراحية التي تحتاجها النساء؛ مما يفاقم معاناتهن.