بيسان

تهريب المخدرات.. الاحتلال يشنّ حربًا صامتة على غزة

المصدر تقارير
تهريب المخدرات.. الاحتلال يشنّ حربًا صامتة على غزة
محمد النعامي

محمد النعامي

محمد النعامي، صحفي من غزة

لم يتوقّف الاحتلال الإسرائيلي عن ابتكار أساليب تدمير المجتمع الغزّي؛ فنشر المجاعة، وأفشى الفلتان الأمني، وأسس العصابات الإجرامية، وخلق الأزمات الواحدة تلو الأخرى، حتى باتت الحياة في غزة في غاية الصعوبة، وأصبحت شتّى أنواع المعاناة جزءًا يوميًا من حياة السكان، الذين بات 70% منهم نازحين. وكان سلاح المخدرات أحد أكثر الأسلحة التي يستخدمها الاحتلال في الأشهر الأخيرة، في سبيل ضرب الجبهة الداخلية في غزة، وتدمير الجيل الناشئ من الفلسطينيين.

طحين ومخدرات

ففي الوقت الذي يقطع فيه الاحتلال عن غزة كافّة المساعدات الإنسانية، ويحاصرها حتى دخل الجوع كل بيت وخيمة في غزة، وتجاوز عدد شهداء هذه الموجة من المجاعة حاجز الـ100 شهيد، معظمهم من الأطفال، يُدخل الاحتلال كميات ضخمة من أخطر أنواع المخدرات عبر وسائل مختلفة ومبتكرة.

ضابط لـ"الترا فلسطين": الاحتلال لم يترك وسيلة ممكنة إلا واستخدمها بهدف إغراق القطاع بالمخدرات، وقام بتهريبها لتجار متعاونين معه أمنيًا من خلال البضائع التي كانت تدخل من المعابر الإسرائيلية

وكلّف الاحتلال الميليشيات الموالية له بتشكيل عصابات أخرى هدفها ضخ كميات ضخمة من المخدرات إلى كافة مناطق القطاع، انطلاقًا من رفح وحتى الشمال.

واستخدم الاحتلال أكياس الدقيق التي تُوزَّع في مراكز المساعدات الأمريكية كأسلوب لنشر حبوب تؤدّي إلى الإدمان، وكذلك تُسبّب العقم، حيث وثّقت وزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي وجود كميات من أقراص مخدّرة من نوع Oxycodone داخل الطحين.

خفايا التهريب

ومن جانبه، قال "م"، ضابط في مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية بغزة، طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب استهداف الاحتلال لعناصر الأجهزة الأمنية: إن "إسرائيل تسارع الوقت لتدمير الشباب في غزة وتكوين جيش من المدمنين، والكميات التي تدخل في اليوم الواحد إلى القطاع بأساليب مختلفة قد تعادل ما كان ينجح الاحتلال في تمريره في عامين تقريبًا قبل اندلاع الحرب".

وأضاف في حديث لـ"الترا فلسطين": "كميات المخدرات التي تدخل هائلة، وأنواعها جديدة وشديدة التأثير وتُسبّب الإدمان. وللأسف، ساهمت بقفزة عالية في أعداد المتعاطين، في ظل غياب التوعية والرقابة، وتأثّرت جهود مكافحة المخدرات بشكل كبير نتيجة استهداف الاحتلال لكافة الطواقم الأمنية. وتُريد إسرائيل من كل ما تقوم به من عبث في المجتمع الغزّي أن تُفكّكه بشتى الطرق، وتزرع فيه أزمات مزمنة، ومن أبرزها الإدمان على المخدرات، وهي في غاية الخطورة، ومقدمة لعالم الجريمة".

وحول أساليب تهريب المخدرات إلى داخل القطاع، قال الضابط: إن الاحتلال لم يترك وسيلة ممكنة إلا واستخدمها بهدف إغراق القطاع بالمخدرات، وقام بتهريبها لتجار متعاونين معه أمنيًا من خلال البضائع التي كانت تدخل من المعابر الإسرائيلية. وكانت هذه وسيلة فعّالة بالنسبة للاحتلال، وسجّلنا في رفح خصوصًا زيادة كبيرة ولافتة خلال الأشهر الأولى من عام 2024، ما دق نواقيس الخطر، وأثبت لنا أن الاحتلال بدأ إدخال المخدرات كوسيلة جديدة في حربه ضد الفلسطينيين في غزة.

وتابع: "في الأشهر الأخيرة، ومع الإغلاق الكامل للمعابر، بدأ الاحتلال بإدخال طرق جديدة ومختلفة، وزاد الكميات بشكل أكبر بكثير، من بينها ما كُشف مؤخرًا من وضع الحبوب المخدّرة داخل الطحين، والذي يهدف من خلاله إلى نشر هذه المخدرات على أوسع نطاق، سواء في التعاطي أو الترويج، وطرق أخرى أكثر تعقيدًا".

وشدّد الضابط على أن الطريقة الأنجع الآن هي العصابات الموالية للاحتلال، ومن بينها عصابة "أبو شباب"، التي باتت المورد والمروّج الأكبر للمخدرات في القطاع، والتي تنقل المخدرات من الاحتلال مباشرة إلى مئات التجار، وتضخ كميات كبيرة منها بهدف أن تكون رخيصة الثمن وسهلة الانتشار، وكل هذا بحسب مخطط وتوجيه من ضباط المخابرات الإسرائيليين، الذين يستهدفون الشباب الفلسطيني في غزة بطرق خبيثة.

وأوضح أن الاحتلال يُدخل أنواعًا من المخدرات لم يسبق أن أدخلها لغزة من قبل، كـ"الأوكسيكودون"، الذي يُسبّب الإدمان بعد مرات قليلة من تعاطيه، وله تأثير سلبي على دماغ المتعاطي، بجانب الأنواع المعروفة سابقًا كـ"الترامادول"، و"الحشيش"، و"الكبتاجون"، و"الإكستاسي"، و"روتانا"، و"السعادة"، وأنواع أخرى كثيرة، هي بالأساس مسكنات قوية جدًا.

وتُجرى عمليات بيع المخدرات بشكل سلس، وبشكل شبه علني، حيث يحضر تجار المخدرات إلى الأسواق، ويتسترون ببسطات دخان غالبًا، ويعرضون ما لديهم من بضائع.

درون المخدرات

وبجانب تهريب الحبوب المخدّرة من خلال العصابات والطحين، بدأ الاحتلال في الأشهر الأخيرة يستخدم طائرات "كواد كابتر" في إيصال المخدرات للتجار في كافة مناطق القطاع، حيث تصل مباشرة من تجار إسرائيليين في الداخل المحتل، أو تجار في الجانب المصري، لتجار ومروّجين وعملاء داخل القطاع، وتُسجل يوميًا عشرات من عمليات تسليم المخدرات بهذه الطريقة.

الشاب كرم حجاج، كان شاهدًا على تسليم طائرات "كواد كابتر" لصناديق تحتوي على المخدرات شرق المنطقة الوسطى، ورأى هذه العملية عدّة مرات. وقال كرم في حديث لـ"الترا فلسطين": إن "عمليات تسليم المخدرات تجري غالبًا في الليل، وفي المناطق الشرقية قليلة الكثافة السكانية، وتتم العملية سواء بوجود طائرات جيش الاحتلال المُسيّرة أو بدونها. وبعد تسليم المخدرات، التي تكون غالبًا في صندوق أسود كبير، تقوم الطائرات المُسيّرة بقصف الدرون التي حملت، وتترك المخدرات سليمة، ثم يأتي أشخاص لاستلام المخدرات".

وأضاف: "يوميًا تُنقل المخدرات بهذه الطريقة مرات عديدة، وهذا يعكس الحجم الضخم من الحبوب المخدّرة التي تدخل غزة، ويتم استهلاكها كل يوم، بالأخص بين فئة المراهقين، الذين يعملون في الترويج لها، وكذلك في تعاطيها. ومن المشاهد المؤلمة التي شاهدتها عندما كنت ذاهبًا لمراكز المساعدات، بيع أحد التجار مجموعات من الأطفال والشبان الصغار حبوبًا مخدّرة بحجة أنها تمنع أن يشعروا بالتعب من الجري، وفعلاً اشتروا منه هذا النوع من المخدرات، والحبة بـ5 شواكل. وهذا الأمر بات شائعًا جدًا وتسبب بالإدمان للكثير من الأطفال".

وأكد حجاج أن الأسعار المنخفضة للمخدرات ساهمت في رواجها، وباتت تأتي تحت العديد من المسميات المضللة، كحبوب لتحسين المزاج، أو زيادة التحمُّل في العمل، أو حبوب تزيد الطاقة.