بيسان

فراس وشاح.. أب مع مقبرة ألعاب أطفال مفتوحة على حبل غسيل

المصدر تقارير
فراس وشاح.. أب مع مقبرة ألعاب أطفال مفتوحة على حبل غسيل
أميرة نصَّار

أميرة نصَّار

صحافيّة وكاتبة من غزَّة

دِبَبَة رمادية، ودمية ملطخة بالدماء، وحذاء صغير، و قطع ملابس ممزقة، و لهاية طفل زرقاء، هذا بعض مما انتشله فراس وشاح من مقتنيات أطفاله، وعلّقه على أحبال الغسيل أمام باب خيمته البيضاء، التي نصبها فوق ركام بيته الذي قصفه الاحتلال الإسرائيلي وارتكب فيه مجزرة بحق أفراد عائلته.

فراس وشاح.. أب مكلوم خسر أطفاله ويعيش على الذكريات والأمل بانتهاء الحرب

في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ارتكب طيران الاحتلال الإسرائيلي مجزرة بحق عائلة وشاح في مخيم البريج، أُعدمت فيها 18 روحًا في بيتٍ كان يعجّ بالأحلام والضحكات، وذلك بعدة صواريخ إسرائيلية أُطلقت في أقل من ثانية. قُتل في المجزرة والدة فراس، وأشقاؤه، وأطفاله، ولم ينجُ منها سوى طفلين وزوجة مصابة.

يعود الأب المكلوم (42 عامًا) بذاكرته إلى الحادثة، ويقول: "عند الساعة الثانية عشرة ظهرًا، ذهبت لشراء الحفاضات وقطع الشوكولاتة بجوز الهند. أصرّ طفلي محمد على مرافقتي. لم أكن أعلم أنها الضحكة والنظرات الأخيرة التي ألقيها على أطفالي الثلاثة: سعيد (5 أعوام)، وسلمى (4 أعوام)، وإيلين (عامان ونصف). عدتُ لأجدهم جثثًا هامدة تحت الركام".

فراس أبٌ لخمسة أطفال، قُتل منهم ثلاثة ونجا اثنان؛ أحدهما وُلد بعد المجزرة، إذ كانت زوجته المصابة حينها حاملًا. وبنبرة مثقلة، وعيون غائرة تحجرت مقلتاها بالدمع، يُضيف: "قتل الاحتلال الإسرائيلي أشقائي وزوجاتهم وأطفالهم، ولم ينجُ منهم سوى ابنة أخي، الطفلة مي، ذات السبعة أشهر، حين انتشلتها وربّيتها واعتبرتها طفلتي. وها هي اليوم تبلغ عامين وثلاثة أشهر، تناديني 'بابا'، ولزوجتي 'ماما'".

تصوير سلامة يونس لـ "Untold Palestine"

يتساءل وشاح، بصوتٍ يعلوه القهر والحزن: "ما ذنبهم؟ لماذا قتلهم الاحتلال؟ جميعهم أطفال دون سن الثانية عشرة. لم يختبروا وسع السماء، ولم يتنفسوا سوى قيد الحصار، ورغم ذلك أحبّوا الحياة. كنت أُفرحهم دائمًا بشراء الألوان والألعاب والدمى في أعياد ميلادهم والمناسبات. ابتسامتهم كانت تمنحني الحياة وتدفعني لمزيد من العمل لإسعادهم".

يقف وشاح المثقل بألم الفقد أمام حبل الألعاب، فيما تلامس أنامله دمية خروف مزّقتها الشظايا الإسرائيلية، ويقول: "هذا الخروف انتشلته من أسفل الركام بعد محاولات عديدة، لأنه كان عزيزًا على قلوب أطفالي، كانوا يتنازعون عليه دون باقي الألعاب. وعدتهم أن أشتري لهم واحدًا آخر... لكنهم رحلوا، وها هو الخروف باقٍ، يذكرني بهم".

تصوير سلامة يونس لـ "Untold Palestine"
تصوير سلامة يونس لـ "Untold Palestine"

يصمت للحظات، يستحضر طيف أطفاله بصورة تخلّد لمّتهم وضحكاتهم، ويهمس: "كتير اشتقتلهم... نفسي أشوفهم وألمسهم طول الوقت. أبحث عن ما يذكرني فيهم، وهو شعور مؤلم، لكنه يشعرني إنهم ما زالوا جنبي، وبقدر أضمهم. الاحتلال أوجعنا بالفقد، وفقد الأبناء وجع مضاعف".

دفع الأطفال ثمنًا باهظًا للإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" منذ أكثر من 21 شهرًا، حيث قتل الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 18 ألف طفل، في إحصائية صادمة تجسّد حجم الاستهداف المباشر والممنهج لأضعف فئات المجتمع، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

يخبر وشاح "الترا فلسطين" عن السبب الذي دفعه لتعليق ألعاب أطفاله على أحبال الغسيل: "اشتياقي وحبّي لهم، ولكي أُظهر للطيران الإسرائيلي، الذي يراقب حياتنا عن كثب، أن من كانوا يقيمون في هذا البيت هم أطفال مدنيون، ارتُكبت بحقهم مجزرة بدمٍ بارد، وها هي ألعابهم شاهدة على فداحة الجريمة النكراء".

يعيش فراس اليوم مع زوجته التي بدأت تتعافى من إصاباتها بالحروق والكسور، وبصحبة طفليه محمد وآدم، وابنة أخيه مي، وجلّ تفكيره منصب على حمايتهم وإبقائهم على قيد الحياة، وسط دمار وقصف لا يتوقف. ويختتم وشاح حديثه قائلًا: "رسالتي إلى العالم الأصم، الذي يشاهد ألمنا وفقدنا: انتبهوا... أنقذوا ما بقي منا، قبل فوات الأوان!"

تصوير سلامة يونس لـ "Untold Palestine"
تصوير سلامة يونس لـ "Untold Palestine"