بيسان

أطفال غزة.. من المخيّمات الصيفية إلى خيام القهر والمهام الشاقّة

المصدر تقارير
أطفال غزة.. من المخيّمات الصيفية إلى خيام القهر والمهام الشاقّة
سماح شاهين

سماح شاهين

من غزة مهتمة بالشأن السياسي والاجتماعي والعربي والدولي

تلاشت ملامح الطفولة تحت وطأة الحرب والمعاناة؛ إذ يعيش الأطفال في غزة واقعًا مأساويًا لا مكان فيه للعب والفرح ولا متسع لأحلامهم. الحرب سحقت طفولتهم وكبّرت أعمارهم وحمّلتهم ما لا طاقة لهم به.

الطفل في غزة لم يعد يرسم الشمس والطيور، بل يرسم طائرة تقصف، وبيتًا بلا سقف، ودمعة تسقط من عين أمّ.

الطفل محمد مصلح (10 أعوام)، خرج برفقة عمته للاطمئنان على والده الذي ذهب إلى مركز مساعدات الشركة الأميركية في "نتساريم" في محاولة لجلب الطحين لعائلته، إلا أن آليات الاحتلال أطلقت قذائف عشوائية أدت إلى إصابته؛ فعاد إلى عائلته بلا ساق.

محمد كان الوحيد الذي يُعيل عائلته، من خلال تعبئة المياه وتوفير الخشب، فهو من محبي النزول إلى البحر بشكل يومي خلال عطلته الصيفية ولكن الحرب أقعدته على فراشه.

يروي محمد لـ"الترا فلسطين": "بعد ما تأخر والدي في منطقة المساعدات قلقت عليه أصررتُ للذهاب مع عمتي بشكل مفاجئ الاحتلال ألقى القذائف علينا وأصبت وقدمي بترت، أصبحت لا أستطيع المشي كما كنت خاصة لمساعدة عائلتي في بعض الأعمال".

الطفل محمد مصلح

يجلس محمد على سريره في خيمة مهترئة في الجامعة الإسلامية على سريره، فبات أسيرًا لهاتفه يحاول نسيان ألمه وما حدث معه من خلاله، فعندما يرى عائلته تحتاج إلى مساعدة يجهش بالبكاء لعدم قدرته على مساندتهم.

يقضي أوقاته في الخيمة فكان يخرج على دراجته الهوائية على البحر ويلعب ويلهو في الخيمة مع أشقائه في محاولة للتغلب على الواقع المأساوي الذي يعيشه بفعل الحرب، بالإضافة إلى أنه انقطع عن دراسته منذ إصابته.

وهذا الصيف الثالث للحرب بلا نوادٍ صيفية ولا مراكز ترفيهية، بلا بحر، بلا منتزهات، بلا أحلام. مساحاتهم الترفيهية أصبحت هي الخيام التي لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء، يعيشون فيها مجوّعين وموجوعين من آلامهم.

مايا طنبورة (9 أعوام)، نازحة من مدينة بيت لاهيا كانت أشجار الخضروات والفواكه تملئ المكان، كانت تلعب مع صديقاتها تحت ظل الشجر والتسلق عليه لقطف بعض الفواكه بعد ساعات من اللعب، لكن الحرب جرّفت كل شيء في المنطقة.

الطفالة مايا طنبورة وشقيقتها من بيت لاهيا

واليوم تعيش مايا في خيمة في محيط بركة الشيخ رضوان، باتت حياتها عبارة روتيني يومي في نقل المياه ومساعدة والدتها في إعداد الطعام وفي ساعات المساء تجلس مع شقيقتها الصغرى ميرا للعلب داخل أو محيط الخيمة.

تقول مايا لـ"ألترا فلسطين": "بشتاق كتير لمدرستي وصديقاتي، أحيانًا بحاول استذكر ما درسته ومراجعته عبر الدفتر وأحيانًا أقوم بتدريس شقيقتي التي حرمت أيضًا من الدخول إلى الروضة".

وتشير إلى أنّ الحرب حرمتها أبسط حقوقها منها التعليم وصديقاتها والتسجيل في نوادٍ صيفية، فباتت الخيمة هي الملجأ الأخير لها، حيث باتت طقوس طفولتها إلى ذكريات.

وتستذكر مايا بالقول: "غرفتي أنا وميرا كانت مليئة بالألعاب نقضي أغلب أوقاتنا فيها، ولكن الآن لم يعد لدينا ألعاب لتضييع أوقاتنا بها، الألعاب صارت هي عبارة سباق لشاحنات المياه والتكيات، سباق مع الخوف والهروب إلى أحضان والدينا".

وعن أمنياتها، تسرد مايا: "نفسي ألعب وأعيش وأرجع لمدرستي بدون خوف ونرجع نقضي أوقاتنا الصيفية كما كنا قبل الحرب، صارت حياتي عبارة عن أحلام خايفة ما تتحقق".

أما روعة نصر (12 عامًا)، تعيش الأخرى مع عائلتها في خيمة مصنوعة من النايلون في شارع الجلاء بمدينة غزة، تقضي أوقاتها الصيفية هي الأخرى في نقل المياه.

روعة لديها موهبة الشعر؛ إذ كانت في العطلة الصيفية تذهب إلى مراكز لتنمية موهبتها في الشعر بالإضافة إلى الخروج مع صديقاتها إلى البحر وحديقة الحيوانات والمنتزهات. الآن كل ذلك اختفى تمامًا من حياتها.

الطفلة روعة نصر من غزة

تخبرنا: "لم أتحمل يومًا مسؤولية الواجبات المنزلية.. الآن أساعد والدتي في بعض الاحتياجات كتعبئة المياه لأنها أصبحت غير قادرة على هذه الأعمال بمفردها، فحياتي محصورة في الخيمة لا غيرها".

وفي محاولة منها لمقاومة التغييب القسري عن حياتها الطبيعية السابقة، تلفت روعة إلى أنّها أحيانًا تستعير هاتف والدّيها لتنمية موهبتها في الشعر، كما تراجع دروسها عبر يوتيوب، في ظل غياب التعليم في المنطقة التي نزحت إليها.

تأمل روعة أن تنتهي الحرب في أقرب وقت لتعيش بأمن وسلام مع عائلتها والعودة إلى منزلها في بيت حانون شمال غزة، قائلةً: "نفسي ترجع حياتي زي زمان". 

واقعٌ لا مفر من مواجهته

يقول عميد كلية التربية جامعة فلسطين د. أكرم منصور، إن الطفل لم يعد يرسم الشمس والطيور، بل يرسم طائرة تقصف، وبيتًا بلا سقف، ودمعة تسقط من عين أمّه.

ويشير منصور إلى أن الأطفال يقضون أوقاتهم في ظل الحروب غالبًا بطرق مؤلمة وغير طبيعية، تختلف كثيرًا عن حياة الأطفال في الأوضاع الآمنة، كالخوف والقلق المستمر، والحرمان من التعليم، واللعب في الأنقاض أو الملاجئ، وفقدان الأسرة أو الأصدقاء، وغياب الطفولة الطبيعية، والعيش تحت ضغط أكبر من أعمارهم.

ويبّين أنه في ظل الحروب، تقع على عاتق العائلات مسؤولية عظيمة لحماية أطفالها نفسيًا وعاطفيًا، رغم قسوة الظروف، ويجب طمأنتهم عن طريق توفير الأمان النفسي، وإشغاله بأنشطة بسيطة، التقليل من تعرّضه للأخبار الصادمة، ومنحه مساحة للتعبير عن مشاعره.