تعيش خربة أم الخير، الواقعة في مسافر يطا جنوبي الخليل، أيامًا من الحصار والترهيب الجماعي، عقب استشهاد الشاب عودة الهذالين برصاص مستوطن إسرائيلي خلال تصديه السلمي لعمليات تجريف استهدفت أراضي عائلته.
وبينما ترفض سلطات الاحتلال تسليم جثمانه إلا بشروط وصفتها العائلة بـ"المهينة"، تواصل قوات الاحتلال اقتحام القرية، واعتقال سكانها، والتضييق عليهم، ومنع إقامة بيت عزاء، وفرض منطقة عسكرية مغلقة.
رغم مرور أيام على استشهاده، لا تزال سلطات الاحتلال ترفض تسليم جثمان عودة الهذالين، مشترطة عدم إقامة بيت عزاء في الخربة، ومنع دفنه فيها، والسماح فقط بدفنه في مدينة يطا أو الخليل
وفي الوقت الذي تُفرض فيه هذه الإجراءات على السكان، أفرجت محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس عن المستوطن ينون ليفي، قاتل الشهيد عودة الهذالين، وسمحت للمستوطنين بمواصلة أعمال التجريف في أراضي المواطنين داخل أم الخير.
يقول الشيخ إبراهيم الهذالين، رئيس مجلس قروي خشم الدرج وأحد سكان خربة أم الخير، إن الوضع في القرية يشهد حالة من "المد والجزر"، إذ تقتحم قوات الاحتلال الخربة بين الحين والآخر وتعلنها منطقة عسكرية مغلقة، ثم تعود وتسمح بحرية التنقل، دون توضيح أسباب هذه السياسة التنكيلية المستمرة.
وفي آخر التطورات، أفاد الناشط ياسر الهذالين بأن قوات الاحتلال اقتحمت الخربة فجر اليوم، واعتقلت ثمانية شبّان بزعم مشاركتهم في التصدي للمستوطنين، وتم توثيق ذلك بالصور من قبل المستوطنين، مشيرًا إلى أنه جرى نقلهم إلى جهة مجهولة.
وأضاف في حديثه لـ"الترا فلسطين" أن الاقتحام تخلله تفتيش منازل المواطنين والاعتداء على الأهالي بالضرب والتهديد والصراخ.
اقرأ/ي: من هو المستوطن قاتل الشهيد عودة الهذالين؟
ويأتي هذا الاقتحام بعد يوم واحد فقط من اقتحام قوات الاحتلال بيت العزاء الخاص بالشهيد، حيث طردت الصحفيين والنشطاء وكل من جاء من خارج القرية، وأغلقت بيت العزاء ومنعت إقامة مراسم العزاء، وفق ما أفاد به الشيخ إبراهيم الهذالين.
وقال في حوار مع "الترا فلسطين" إن قوات الاحتلال هددت السكان، وإن أحد الضباط اتصل بأحد المواطنين وأبلغه بأن بإمكانه تهجير سكان أم الخير جميعًا "بسهولة".
وأكد الهذالين أن هذا التضييق يأتي مقابل تسهيلات للمستوطنين الذين يُسمح لهم بالبقاء والتجول وتجريف الأراضي، واصفًا ذلك بأنه "معادلة مقلوبة وظالمة بكل المقاييس".
تفاصيل استشهاد عودة الهذالين
حول ملابسات استشهاد عودة، يقول الشيخ إبراهيم إن المستوطن ليفي كان يعمل على تجريف أرض مجاورة تعود لعائلة الهذالين، بزعم أنها "أراضي دولة"، رغم امتلاك العائلة أوراقًا قانونية تثبت ملكيتها.
وأوضح أن الأهالي تصدوا لعمليات التجريف بشكل سلمي من خلال الوقوف أمام الجرافة، لكن المستوطن اعتدى عليهم مستخدمًا الحفار، ثم ترجل وأطلق النار، ما أدى إلى إصابة عودة برصاصة في الصدر، كما وثّقت كاميرات التصوير.
وأشار إلى أنه فور استشهاد عودة، اقتحمت قوات الاحتلال الخربة واعتقلت خمسة شبّان، لا يزال أربعة منهم رهن الاعتقال، إضافة إلى المعتقلين الثمانية الجدد.
ورغم مرور أيام على استشهاده، لا تزال سلطات الاحتلال ترفض تسليم جثمان عودة، مشترطة عدم إقامة بيت عزاء في الخربة، ومنع دفنه فيها، والسماح فقط بدفنه في مدينة يطا أو الخليل.
لكن العائلة ترفض هذه الشروط، وتُصر على دفنه في مقبرة العائلة داخل أم الخير، مؤكدة أنها لن تقبل بتقييد بيت العزاء أو نقله من قريتهم.
كما بيّن الهذالين أن العائلة تعتزم فتح ملف قانوني ضد المستوطن ورفع دعوى قضائية، لكنها لم تحصل حتى الآن على موافقة من الاحتلال لتشريح الجثمان، رغم تقديم جميع الأوراق اللازمة، بما في ذلك توقيع الموافقة، وتعيين طبيب ممثل عن العائلة، والتواصل مع جهات حقوقية.
قرية مهددة بالكامل
خربة أم الخير، كما يصفها الهذالين، تُعد من أقدم قرى الجنوب الفلسطيني، وتشكل بوابة مسافر يطا. يعيش فيها 32 أسرة، بإجمالي عدد يبلغ 210 أشخاص، وجميع منازلها مهددة بالهدم، إذ تسلّمت إخطارًا رسميًا بذلك. وقد تعرضت القرية لعمليات هدم متكررة خلال العقدين الماضيين، شملت منازل وحظائر أغنام وممتلكات، حيث بلغ عدد مرات الهدم نحو 18 مرة.
وتقع القرية بمحاذاة مستوطنة "كرمل"، التي أُقيمت عام 1980 على أراضي أم الخير، وهي ثاني مستوطنة في محافظة الخليل بعد "كريات أربع".
ويقول الهذالين إن المستوطنة ما تزال تتوسع باستمرار، وإن الوضع ازداد سوءًا بعد 7 أكتوبر، إذ باتت الاعتداءات على المواطنين أكثر تكرارًا، وتشمل اعتقال أشخاص، إطلاق نار، سرقة مواشٍ، ومنع المواطنين من الوصول إلى مراعيهم.