قال مصدر مطّلع على المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة لـ"الترا فلسطين"، إن تقدّمًا ملحوظًا قد سُجّل خلال اليومين الماضيين في المسار التفاوضي بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي عبر الوسطاء، في ظل مداولات تتركز على محاور رئيسية، وهي: "انسحاب قوات الاحتلال من غزة، وضبط مناطق الانتشار العسكري، وآليات إدخال المساعدات الإنسانية، وملف تبادل الأسرى، إلى جانب ترتيبات الضمانات من الوسطاء بعدم العودة للحرب".
مصدر لـ"الترا فلسطين": جوهر التقدّم مع الوسطاء تمحور حول قضية خرائط الانسحاب الإسرائيلي، التي تُشكّل أحد أكثر بنود الاتفاق حساسية.
وبحسب المصدر الذي تحدّث لـ"الترا فلسطين"، فإن حركة حماس قدّمت، فجر اليوم الخميس، ردًا جديدًا على المقترح الذي كانت قد تسلّمته قبل نحو أسبوع من قِبل الوسطاء، وجرى تعديله لاحقًا بالتشاور مع الفصائل الفلسطينية. وأضاف أن الحركة سبق أن ردّت مبدئيًا على المقترح يوم الثلاثاء الماضي، قبل أن يُعاد تقديم نسخة منقّحة بتوافق الفصائل تتماشى مع المطالب الفلسطينية. وفي الوقت ذاته "تراعي المقترح المقدَّم من الوسطاء الذين اعتبروا الرد إيجابيًا ويمكن تمريره من قبل الجانب الإسرائيلي".
خرائط الانسحاب: لا وجود في المناطق المأهولة سكانيًا
وأوضح المصدر أن جوهر التقدّم مع الوسطاء تمحور حول قضية خرائط الانسحاب الإسرائيلي، التي تُشكّل أحد أكثر بنود الاتفاق حساسية. فبينما كانت الخرائط الإسرائيلية السابقة تنص على وجود عسكري للاحتلال يمتد حتى عمق يزيد عن 3 كيلومترات في المناطق السكانية، بما يشمل مناطق مأهولة، فقد أفضت التعديلات الجديدة إلى تقليص هذا العمق بشكل كبير، حيث أصبح التواجد الإسرائيلي يتراوح بين 700 و1200 متر فقط، مع تعهّد بعدم التمركز في أي موقع سكني مأهول.
ولفت إلى أن محور موراج، الذي يفصل بين مدينتي خانيونس ورفح، لن يشهد أي بقاء عسكري إسرائيلي، وفق الرد المقدم، كما أن المحور العسكري الذي نشرت إسرائيل تفاصيله مؤخرًا، ويدعى "ماغن عوز" في شرق خانيونس سيتوقف العمل به، وسيتم إلغاء معظم المناطق العازلة التي كانت تعزل السكان عن مناطقهم الأصلية.
وأشار المصدر إلى أن الفصائل استندت في مطالبها إلى القاعدة التي نصّ عليها اتفاق كانون الثاني/يناير الماضي، والتي تشترط أن تكون خرائط الانتشار خارج المناطق المأهولة بالسكان، واصفًا ما جرى بـ"التقدّم النوعي" في هذا الملف.
وفي ملف تبادل الأسرى، أوضح المصدر أن المقاومة قدّمت صيغة وسطية حول "مفاتيح" الإفراج رغم عدم خوض جولات تفاوضية بخصوصها. فبينما كان الاقتراح الإسرائيلي يقضي بالإفراج فقط عن 100 أسير فلسطيني محكوم بالمؤبد مقابل 10 أسرى إسرائيليين إضافة إلى 1111 أسيرًا من قطاع غزة اعتُقلوا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، طالبت الفصائل الفلسطينية بأن تكون النسبة (واحد مقابل 30)، أي أسير إسرائيلي مقابل 30 من الأحكام العالية والمؤبدات. ومن المرجّح أن يتم الاتفاق على حل وسط يقضي بالإفراج عن 20 أسيرًا فلسطينيًا مقابل كل أسير إسرائيلي، بالإضافة إلى حوالي 2000 أسير من غزة.
وبحسب التقسيم المرحلي، سيُفرج عن 8 أسرى إسرائيليين في اليوم الأول من تنفيذ الاتفاق، وأسيرين آخرين في اليوم الـ50، فيما سيجري تسليم الجثامين الإسرائيلية ضمن جدول زمني أسبوعي. وبالمقابل، سيتم الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين تدريجيًا على مدار الهدنة التي تمتد إلى 60 يومًا.
المساعدات والآليات: العودة إلى بروتوكول يناير
وعن المساعدات، قال المصدر "الترا فلسطين"، إن المقترح ينص على إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية بشكل كامل تحت إشراف الأمم المتحدة وجمعية الهلال الأحمر، ووفقًا للبروتوكول الذي جرى التوافق عليه في 19 كانون الثاني/يناير، بحيث يشمل مختلف القضايا الإغاثية.
كما طالب الوفد الفلسطيني بإلغاء أي دور للمؤسسات المرتبطة بالاحتلال، خاصة المؤسسة الأميركية المعروفة باسم "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تعمل بالتنسيق مع جيش الاحتلال، وبدلًا منها العودة إلى الآلية السابقة التي تُدار عبر المؤسسات الأممية.
ويتضمن الاتفاق المقترح هدنة لمدة 60 يومًا، لا يجوز خلالها استئناف القتال والعدوان الإسرائيلي، فيما تستمر خلالها المفاوضات غير المباشرة للتوصل إلى وقف دائم للحرب، وتستغل هذه الفترة أيضًا في تثبيت ما تم التوافق عليه، واستمرار المفاوضات حول مختلف القضايا العالقة بما فيها إدارة المعابر التي لم تُحسم نهائيًا بعد، إلا أن الوسطاء أبلغوا الوفد الفلسطيني أن "هذه المسألة يمكن ترتيبها خلال فترة الهدنة، ولن تكون عائقًا أمام التوصل لاتفاق أولي".
واعتبر المصدر أن العامل الذي قد يحسم إطار اتفاق المفاوضات الأولي، هو اللقاء الذي سيجمع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، والذي يُعقد اليوم في جزيرة سردينيا الإيطالية.
مصدر لـ"الترا فلسطين": طالب الوفد الفلسطيني بإلغاء أي دور للمؤسسات المرتبطة بالاحتلال، خاصة المؤسسة الأميركية المعروفة باسم "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تعمل بالتنسيق مع جيش الاحتلال
وأضاف: "تم تقديم الرد الأخير بعد مشاورات لحظية ومباشرة مع الوسطاء، الذين رجّحوا بوضوح أن الرد الفلسطيني متوازن ويمكن تمريره من طرف الاحتلال الإسرائيلي، إذا لم يتم إجهاض المسار في اللحظات الأخيرة من قبل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو".
وختم مصدر "الترا فلسطين" حديثه بالقول: إن "جميع المؤشرات حتى الآن إيجابية، والمزاج العام لدى الوسطاء يعكس تفاؤلًا بوجود نافذة جدّية للتوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب ويضع أساسًا لتسوية طويلة الأمد".