بيسان

المُجوَّعون في غزة يتقاسمون الطعام مع حيواناتهم

المصدر تقارير
المُجوَّعون في غزة يتقاسمون الطعام مع حيواناتهم
أميرة نصَّار

أميرة نصَّار

صحافيّة وكاتبة من غزَّة

"شو ذنبهم القطط؟ وما الجرم الذي ارتكبوه حتى يحرمهم الاحتلال من الغذاء والدواء؟"، تتساءل أم بشير الحرتاني (67 عامًا) التي فقدت 16 قطًّا وقطة في مرحلة التجويع  التي تعرض لها قطاع غزة في عام 2024، وهي الآن تحاول إنقاذ ما بقي من قططها التي نجت من تلك المجاعة، بما يمكن توفيره من بدائل غذائية.

تنقع الحرتاني فتات الخبز اليابس بالماء وتضيف زيت معلبات السمك والتونة إليه وتطعمه لقططها، وتقول إن أفراد أسرتها يمتنعون عن تناول علب اللحمة "اللانشون" ويقدمونها للقطط

تنقع الحرتاني فتات الخبز اليابس بالماء وتضيف زيت معلبات السمك والتونة إليه وتطعمه لقططها، وتقول إن أفراد أسرتها يمتنعون عن تناول علب اللحمة "اللانشون" ويقدمونها للقطط. وتضيف: "أقدم وجبتي طعام عند  التاسعة صباحًا و الخامسة عصرًا داخل بيتي وفي أرجاء حارتي، وحين تشاهدني القطط تركض نحوي بأجسادها الهزيلة والنحيلة وتبدأ في المواء".   

وتشير إلى أن "علامات التجويع ظاهرة على القطط، مثل الهزلان وضعف الحركة والبقاء ممدة طوال اليوم". وعند باب بيتها، أعدَّت مأوى بسيطًا من ألواح الزينكو والنايلون، ووضعت إناءً بلاستيكيًّا مخصصًا لما يتوفر من الماء لتخفيف حرّ الصيف على القطط.

وتنتشر في طرقات غزَّة وعلى حاويات القمامة العديد من الكلاب والقطط التي تبش أكوام  القمامة للحصول على وجبة تسد بها رمق جوعها الذي تسبب في الاحتلال الإسرائيلي منذ إغلاقه المعابر بشكل كامل منذ بداية شهر آذار/مارس الماضي.

قطط غزة

"أثناء حصارنا في شارع السكة شرق حيّ الزيتون، كنت أشاهد القطط والكلاب  المسعورة من شدة الجوع تنهش جثث الشهداء الملقاة في الشوارع، ولم أستطع صدها خوفًا من أن يقتلني الاحتلال ويجعل من جثتي طعامًا إضافيًّا للكلاب الجائعة" يقول الشاب العشريني محمد عليان.

ويشير عليان إلى أن والده كان يُربي الحمام في منزل العائلة، "وفي بداية المجاعة كنا نتقاسم معه الطعام من العدس والبرغل والأرز،  لكن لم نستطع إطعامه فقمنا بالإحسان إليه بإطلاق سراحه". ويضيف: " الاحتلال الإسرائيلي لم يرحم البشر  ولا الحيوانات في  حرب  الإبادة المستمرة  منذ  21 شهرًا " يعلق عليان.

تبذل المؤسسات والجمعيات الحيوانية، جُهودًا مضاعفة في توفير الغذاء والحماية والمأوى للحيوانات خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزَّة .
ويوضح رئيس جمعية "سلالة" لرعاية الحيوانات سعيد العر، أنهم يستقبلون على مدار الساعة حيوانات جائعة ومصابة نتيجة نيران الاحتلال الإسرائيلي، ويعملون على إنقاذها ومآواتها داخل الخيمة الطبية  أوالذهاب إلى بيوت ساكنيها  لمعالجتها. 

قطط غزة

قبل حرب الإبادة كانت جمعية "سلالة" تقدم الرعاية الحيوانية في ثلاثة ملاجئ في قطاع غزَّة، تضم 400 كلب و700 قطة، وتقدم رعاية خاصة للحيوانات الأليفة والضالة، وتوفر لهم الطعام والأدوية وتعالج الحيوانات ذات الإعاقة الحركية. 

وقال العر: "قبل الحرب، كنا نتعامل مع 7 حالات يوميًا و نتحرك من رفح جنوبًا إلى بيت حانون شمالاً، لكن الاحتلال الإسرائيلي دمر الملاجئ المخصصة، ونزحنا برفقة الحيوانات ذات  الإعاقة". ويضيف أن عملية فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه التي قام بها الاحتلال جعل التحرك العاجل لإنقاذ الحيوانات صعبًا عليهم. 

قطط غزة

ولدى زيارتنا لخيمة جمعية "سلالة"، كان الفريق الطبي للجمعية يجري عملية جراحية لكلب أصيب بشظايا من نيران الاحتلال، ويؤكد أن جنود الاحتلال يتعمدون قتل الحيوانات في قطاع غزة، مشيرًا إلى أنهم يتعاملون يوميًا مع 4 حالات لحيوانات مصابة، عدا عن فقدان الكثير من الحيوانات نتيجة النزوح المتكرر وسوء التغذية وحرب التجويع. 

ويقول: "في النقطة الطبية البيطرية نعالج جميع أنواع الحيوانات من الحمير ، والأحصنة، والقطط، والكلاب، والطيور، ونقدم الأعلاف الحيوانية المخصصة بالمجان للتخفيف من أثر المجاعة على الحيوانات لبقاء استمرارها على قيد الحياة ".

قطط غزة

ويوضح الطبيب البيطري معتصم قدورة أن العديد من مربي الحيوانات يشتكون من امتناع حيواناتهم عن تناول الطعام، فينصحهم باستخدام البدائل المتوفرة من علف الأسماك والخبز والأرز والمعكرونة بخلطها بما يتوفر من علب التونة والسمك، مبينًا أن مربي الحيوانات بدأوا من تلقاء أنفسهم بإطعام الحيوانات من مرطبانات الخضراوات المهروسة المخصصة للأطفال، مما تسبب بحالات تسمم لاحتوائها على البصل والثوم والبهارات والمواد الحافظة.

ومنذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزَّة، قتل الاحتلال الإسرائيلي أعداد كثيرة من الحيوانات الأليفة وقصف المنازل وأحرقها والحيوانات بداخلها، وكان حظ حيوانات أخرى أفضل بنجاتها من نيران الاحتلال، لكنها وجدت نفسها مشردة في الشوارع. 

ويُبين قدورة أن اعتماد مربي الحيوانات في إطعام القطط والكلاب على معلبات السمك والتونة لوحدها دون خلطها، تسبب في حالات التسمم الزئبقي السام، وهذا النوع من التسمم لا علاج له في قطاع غزة حاليًّا، "ونتيجة لذلك استخدمنا البديل البشري والعلاج عربي (أي معالجة الأعراض الظاهرة على الحيوانات من التشجنجات وإعطاء المحاليل) وأصبحنا نلجأ للوقاية التعريفة من الأطعمة الممنوع تناولها".

يشير سعيد العر إلى أنهم يتعاملون يوميًا مع 4 حالات لحيوانات مصابة، عدا عن فقدان الكثير من الحيوانات نتيجة النزوح المتكرر وسوء التغذية وحرب التجويع

وأكد قدورة أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل منذ بداية الحرب منع إدخال الأدوية البيطرية إلى قطاع غزَّة، بزعم أنها من الأصناف الممنوعة (لأنها ثنائية الاستخدام) "مما يدفعنا لاستخدام أدوية منتهية الصلاحية من المضادات الحيوية، فنقوم بزيادة الجرعة لكي تحقق المفعول  المناسب ".

وأشار إلى أن بعض الأطباء البيطريين يستخدمون الأدوية البشرية كبديل، غير أنه لا يفضل ذلك، لأن نفاد هذه الأدوية سيلحق ضررًا بالناس في قطاع غزة، عدا عن أن الأدوية المخصصة للحياوان ليس لها بديل بشري، وفق اعتقاده.

وبعث معتصم قدورة بمناشدة عاجلة إلى "العالم الإنساني والدول العربية للتحرك لإنقاذ الحيوانات من الإبادة الإسرائيلية التي تقتل  الحيوانات وإدخال  الطعام  والأدوية البيطرية".