يواجه 70 ألف مواطن، في قرى وبلدات شرق وشمال محافظة رام الله والبيرة، تهديدًا بالعطش جرّاء تصاعد اعتداءات المستوطنين على محطة نبع مياه عين سامية التي تُعتبر المغذي الرئيسي بالمياه لتلك المناطق. فمنذ بداية شهر تموز/يوليو الجاري، نفّذت ثلاثة اعتداءات تُنذر بخطر السيطرة على نبع عين سامية في بلدة كفر مالك.
اعتداءات خطيرة للمستوطنين تهدد بالسيطرة الكاملة على عين سامية التي تمثل مصدرًا رئيسيًا للمياه في شمال وشرق رام الله.
وتنوّعت هذه الاعتداءات بين كسر خطوط مياه، وقطع الاتصالات والإنترنت عن المحطة التي يتم التحكم بها عن بُعد، وصولًا إلى خلع بوابة رئيسية وسرقتها، وتحطيم كاميرات المراقبة.
وكغيرها من المساحات الشاسعة في المناطق الشفا غورية الواقعة شرق محافظة رام الله، سيطر المستوطنون بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 على الأراضي الزراعية في محيط محطة عين سامية، وطردوا التجمعات البدوية الفلسطينية منها، وأقاموا عددًا من البؤر الاستيطانية الرعوية.
يقول مدير وحدة الإعلام والعلاقات العامة في مصلحة مياه محافظة القدس فارس المالكي، إن الاعتداءات على نبع عين سامية في قرية كفر مالك شرق رام الله، تكررت أكثر من مرة منذ بداية هذا الشهر، حيث سُجّلت عدة اعتداءات نفذها المستوطنون على آبار المياه.
اقرأ/ي: أسبوعان بلا مياه.. أزمة عطش تفتك بمليون و200 ألف فلسطيني في مدينة غزة
سياسات الجفاف والتهجير الإسرائيلية.. كيف تسيطر إسرائيل على المياه الفلسطينية؟
أحد أفعال الإبادة الجماعية.. إسرائيل عمدت إلى قطع المياه عن الفلسطينيين في غزة
وبيّن المالكي، لـ"الترا فلسطين"، أن طبيعة هذه الاعتداءات تمثلت أولًا؛ في تحطيم وكسر أحد الخطوط الرئيسية للمياه الصادرة عن البئر رقم 6 في المحطة الرئيسية، تلاها تدمير إحدى البوابات الرئيسية وسرقتها، وفي الاعتداء الأخير تم تحطيم كاميرات المراقبة وقطع خطوط الاتصالات والإنترنت بشكل كامل، ما أدى إلى فقدان طواقم مصلحة مياه محافظة القدس القدرة على التحكم والسيطرة على الآبار، وتوقف عمليات ضخ المياه مؤقتًا، إلى أن تمكنت الطواقم في اليوم التالي من العودة وإصلاح الأضرار.
وأوضح المالكي أن المحطة كانت تعمل في السابق بنظام تحكم يدوي مع وجود موظفين فيها، لكن بعد بدء الحرب على غزة، وبسبب سياسات الاحتلال والتضييق على حركة الطواقم العاملة، جرى تطوير نظام جديد يسمح بالتحكم عن بُعد، تفاديًا لأي تطورات قد تمنع وصول الطواقم للموقع.
لكنه استدرك قائلًا إن الطواقم تتواجد في الأيام العادية في المحطة الرئيسية والمحطات الفرعية في عين سامية، إلا أنه عند وقوع هجوم من المستوطنين تُجبر الطواقم على مغادرة المكان حفاظًا على حياتهم.
وأوضح المالكي أن السهل الزراعي في منطقة عين سامية خضع بالكامل لسيطرة المستوطنين بعد اندلاع الحرب على غزة؛ حيث طُرد المزارعون الفلسطينيون، ويتواجد المستوطنون وأغنامهم يوميًا في المنطقة، لدرجة أن أحدهم قام صباح اليوم برعي أغنامه داخل أحد الآبار القريبة من المحطة الرئيسية. وأضاف أن المستوطنين أقاموا بؤرة استيطانية في منطقة قريبة من عين سامية، كما بنوا بركة مياه في محيطها.
وحول أهمية عين سامية وحجم الاعتماد عليها؛ قال المالكي إن النبع يمثل مصدر المياه الرئيسي لـ 19 تجمعًا فلسطينيًا في شمال وشرق رام الله، تعتمد بشكل كامل على المياه المستخرجة من آبار عين سامية، ومن بينها: دير دبوان، والطيبة، ورمون، ودير جرير، والمزرعة الشرقية، وسلواد، وعين يبرود، ويبرود، وكفر مالك، وخربة أبو فلاح، والمغير، وترمسعيا، وسنجل، وعبوين، وجلجليا، وعارورة، وغيرها.
وأضاف أن هناك أيضًا 14 تجمعًا سكانيًا يعتمدون جزئيًا على مياه عين سامية. وبالتالي، فإن نحو 70 ألف مواطن، بحسب المالكي، يعتمدون بشكل كامل على مياه عين سامية، يُضاف إليهم نحو 30 ألفًا يعتمدون عليها بشكل جزئي.
وحول سبل التصدي لهذه الاعتداءات، أوضح المالكي أن مصلحة المياه باشرت، منذ اليوم الأول للاعتداءات، اتصالات مكثفة مع المؤسسات الرسمية الفلسطينية والأهلية، وسُلّمت رسالة واضحة إلى ممثل الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين، تضمنت تفاصيل وخطورة الاعتداءات.
وتابع أن المصلحة قدمت أيضًا شكوى لشرطة الاحتلال لملاحقة المستوطنين المتورطين في هذه الاعتداءات، مؤكدًا أن المؤشرات خطيرة جدًا، ولا يمكن القبول بالسيطرة على هذه الآبار، مشيرًا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى كارثة كبيرة، نظرًا لأن النبع يمثل مصدرًا رئيسيًا للمياه، وليس مجرد محطة فرعية تعتمد عليها القرى بشكل جزئي.
جدير بالذكر أنه يوجد في "عين سامية" ستة آبار مياه، وتحوي المنطقة، بحسب أرشيف مجلس قروي كفر مالك، على آثار تعود لحقبات كنعانية وبيزنطية، وعثمانية ما تزال ظاهرة حتى الوقت الحاضر.
وتقع المنطقة على السفوح الشرقية لجبال رام الله المطلة على غور الأردن، وكانت قبل بدء الحرب على غزة تعد بمثابة "السلة الغذائية" لبلدة كفر مالك، حيث كانت تزرع بالحبوب، والزعتر، والحمضيات والخضار.