بيسان

كرة القدم في غزة تحت نيران الحرب.. الملاعب مراكز اعتقال واللاعبون شهداء

المصدر تقارير
كرة القدم في غزة تحت نيران الحرب.. الملاعب مراكز اعتقال واللاعبون شهداء
محمد النعامي

محمد النعامي

محمد النعامي، صحفي من غزة

بعد أن كانوا يُرفعون على الأكتاف كأبطال وهدافين إثر تحقيقهم البطولات، باتوا يُحملون على الأكتاف كشهداء مكفنين مضرجين بدمائهم، لاعبًا تلو الآخر، يقتله الاحتلال الإسرائيلي بشكل شبه يومي، في مجازره المستمرة ضد المدنيين في قطاع غزة، كان آخرهم لاعب نادي خدمات خانيونس، أحمد قنن، الذي قتله الاحتلال يوم الأربعاء 9 تموز/يوليو 2025.

في غزة، لم تعد الكرة تدور، ولا الجماهير تهتف. تحوّلت الملاعب إلى أنقاض. اللاعبون الذين كانوا يُحتفل بهم لهدف، يُشيَّعون اليوم شهداء مكفنين.

وقبل أيام، فجر الخميس الثالث من تموز/يوليو 2025، قتلت إسرائيل اللاعب الفلسطيني الدولي مهند فضل الله مع عائلته، واغتالت معه حلمه في الاحتراف الرياضي. في ذات اليوم، توفي لاعب فريق ليفربول الإنجليزي، المهاجم البرتغالي دييغو جوتا، ولكون الموت موتًا دائمًا، ولا يحتمل الكثير من المقارنة، لكن سقوط مهند فضل الله مر بشكلٍ عابر.

وأتت جريمة قتل الشهيد فضل الله، لاعب نادي خدمات المغازي ومنتخب فلسطين لكرة القدم، في قصف الاحتلال منزله وسط قطاع غزة، بعد يومين من قتل الاحتلال للاعب مصطفى أبو عميرة، الذي مثّل عدة أندية في غزة، بينها الصداقة وخدمات الشاطئ والزيتون، في قصف إسرائيلي آخر.

الملاعب مراكز اعتقال واللاعبون شهداء

ولا يأتي الاستهداف المتواصل للاعبين الفلسطينيين ضمن الاستهدافات العشوائية للمدنيين في غزة فقط، ففي 29 حزيران/يونيو 2025، وثّق الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، قتل إسرائيل لـ785 لاعبًا وإداريًا من مختلف الرياضات في قطاع غزة والضفة الغربية، منذ بدء حرب الإبادة.

كما أفادت اللجنة الأولمبية الفلسطينية، وجمعية الإعلام الرياضي، بأن عدد الرياضيين والإداريين الذين قتلهم الاحتلال منذ بدء الحرب بلغ 785 شخصًا، من بينهم 437 لاعب كرة قدم، و95 طفلًا، إلى جانب 105 من الكشافة، و234 من مختلف الاتحادات الرياضية الأخرى.

وحصدت جرائم الاحتلال بحق الرياضيين الفلسطينيين أرواح نجوم كبار، من أبرزهم الشهيد الهداف محمد بركات، الذي يُعتبر من نجوم كرة القدم الفلسطينية، بعد أن قصف طيران الاحتلال منزله، وقتله مع عائلته.

وعاثت قوات الاحتلال بالبنية التحتية للرياضة الفلسطينية في غزة فسادًا وتدميرًا، حيث دمّر الاحتلال 288 منشأة رياضية (ثمانية ملاعب، صالات، أندية، أكاديميات...) في غزة والضفة، 21 منها في الضفة. ويُقدَّر بأن نحو 90% من مرافق الرياضة في غزة تعرضت للهدم أو التحويل، وفقًا لجمعية الإعلام الرياضي.

ولم يكتفِ الاحتلال بتدمير الملاعب، بل حوّل بعضها إلى مراكز للتعذيب والاعتقال، وبعضها الآخر إلى ساحات لوقوف دباباته وآلياته، مثل استاد اليرموك، الذي حوّله إلى معتقل للفلسطينيين في غزة خلال العملية البرية، وارتكب فيه جرائم مروعة بحقهم، حسب ما أفاده شهود عيان.

كرة القدم في غزة تحت نيران الحرب.. الملاعب مراكز اعتقال واللاعبون شهداء

منذ بداية الحرب لم نلمس الكرة

ومن جانبه، قال الرياضي ضياء لبدة إن حلمه في الاحتراف في منتخب فلسطين لكرة القدم تعطل بسبب الحرب الهمجية على قطاع غزة، وكل أحلامه تدمرت، وخسر الكثير من أصدقائه وزملائه الرياضيين، الذين استشهدوا أو أُصيبوا بإعاقات دائمة.

وأضاف في حديث لـ"الترا فلسطين": "قبيل الحرب كنت ألعب في مركز حراسة المرمى في فريق الصلاح، وكنت أتدرب 5 ساعات يوميًا لأطور من مستواي وأحقق حلمي. ومنذ اندلاع الحرب، لم ألمس كرة واحدة، وفتكت المجازر والنزوح والتشرد بأحلامنا، وحتى في حال انتهت الحرب، لن نتمكن من العودة للملاعب أو حياتنا السابقة لسنوات طويلة".

وشدّد لبدة على أن الاحتلال أدخل قطاع الرياضة ضمن بنك أهدافه منذ بداية الحرب، ولكن زادت استهدافاته المتعمدة بحق اللاعبين والمرافق الرياضية منذ منتصف عام 2024، فيما بدا كأنه قرار بقتل وإعاقة الرياضيين الفلسطينيين بشكل منهجي ومدروس، ولم تتوقف المجازر ضدهم أبدًا.

كرة القدم في غزة تحت نيران الحرب.. الملاعب مراكز اعتقال واللاعبون شهداء
ملعب اليرموك

وتابع: "مئات اللاعبين استُهدفوا بشكل مباشر، ولم يكن لهم سابقًا أي نشاط حزبي أو مجتمعي، وهذا ما يثبت أنهم باتوا هدفًا للاحتلال. ومئات آخرون خسروا أطرافهم وأُصيبوا بإصابات تمنعهم من العودة أبدًا للرياضة، بجوار تدمير كافة الملاعب والمرافق الرياضية، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي كانت تغطي أخبار الرياضة".

وأكد اللاعب الفلسطيني على أن الحالة النفسية للرياضي الذي يُصاب ببتر أطرافه أو إعاقة تتأزم بشكل كبير جدًا، حيث يرى نفسه قد تحول من الشاب القوي والموهوب إلى شخص عاجز، وعالة على عائلته، وهذا يدمر الإنسان من الداخل، في ظل بتر أقدام الآلاف من الشبان بفعل الحرب الهمجية.

وارتكب الاحتلال جرائم باستهدافه المباشر لمباريات كرة قدم في مدارس وطرقات وملاعب خلال الحرب، حيث استهدف بشكل مباشر أطفالًا يلعبون كرة القدم، في مخيم المغازي مساء 16 أبريل/نيسان 2024، ما تسبب في مقتل 10 أطفال أثناء لعبهم.

كما قصف أطفالًا يلعبون كرة القدم في مدرسة العودة في خان يونس، في 9 يوليو 2024، ما أدى لمجزرة كبيرة ارتقى فيها العشرات، ومن بينهم أطفال. وتكررت ذات الجريمة في مدرسة الجاعوني في مخيم النصيرات، حيث استُهدفت المدرسة للمرة الخامسة منذ بدء الحرب أثناء مباراة كانت تُجرى في ساحتها، ما أدى لاستشهاد أو إصابة كافة الأطفال الذين كانوا يلعبون كرة القدم فيها.

كرة القدم في غزة تحت نيران الحرب.. الملاعب مراكز اعتقال واللاعبون شهداء
من مكان مجزرة الجاعوني

لا صافرة نهاية للمجزرة

وبدوره، قال اللاعب مهند عواد إنه يفتقد الأيام الجميلة التي كان فيها قطاع غزة يعيش حياة طبيعية، وكانت تُجرى مباريات كرة القدم على عدة مستويات، وبطولات كرة السلة والطائرة وشتى أنواع الرياضات، وكانت هناك جماهير غفيرة تشجع أنديتها وتنتقل من ملعب إلى ملعب لمؤازرة لاعبيها.

وأضاف في حديث لـ"الترا فلسطين": "لعبت في نادي الشباب كصانع ألعاب، وفي ذات الوقت كنت أقدم عروضًا في المهارات البهلوانية باستخدام الكرة، وأيضًا كنت مشجعًا لنادي المغازي في كرة السلة. كانت الرياضة كل حياتي، ولكن الاحتلال دمّر هذه الحياة. العشرات من أصدقائي في مجال الرياضة ودعتهم شهداء، والكثير أيضًا أُصيبوا وبُترت أقدامهم. كل يوم هناك خبر عن شهداء رياضيين كانوا يحملون أحلامًا جميلة".

وتساءل مهند: "لماذا جرف الاحتلال ملاعبنا؟ لماذا حوّلها لسجون ومراكز تحقيق وإعدام؟ لماذا قتل وأعاق الآلاف من الرياضيين؟ أين العالم الصامت؟ أين الفيفا؟ أين حماية الرياضيين والمرافق الكروية؟ لماذا تستمر عضوية الاحتلال في الفيفا ويُعاقب أي لاعب يعبر عن رفضه للإبادة في غزة، فيما يُفرض عليهم التضامن مع أوكرانيا ضد روسيا؟"

ومن جانبه، قال اللاعب إبراهيم ماجد إن الحرب حرمته من لعب كرة القدم، وفقد العديد من أصدقائه، ولم يعد هناك أي مكان آمن للعب كرة القدم.