بيسان

خاصّ | شهادات عن هجوم سنجل: مستوطنون قتلوا وهاجموا الشبان تحت رعاية الجيش

المصدر تقارير
خاصّ | شهادات عن هجوم سنجل: مستوطنون قتلوا وهاجموا الشبان تحت رعاية الجيش
محمد غفري

محمد غفري

صحافي من رام الله

"كانت مطاردة مرعبة.. ونجوتُ بأعجوبة من بين أيديهم"، هكذا يصف أحد الناجين الساعات التي قضاها في جبال بلدة سنجل، شمال رام الله، وهو يركض بين الصخور والشوك هربًا من مستوطنين مدججين بالسلاح والعصي، يطلقون الرصاص، ويسرقون المركبات، ويلاحقون الجرحى.

في يوم الجمعة، بينما كان العشرات من أهالي بلدتي سنجل والمزرعة الشرقية ينظمون فعالية سلمية لحماية أراضيهم من الاستيطان، تحوّل المكان إلى ساحة جريمة جماعية، أسفرت عن استشهاد شابين وإصابة نحو 50 آخرين، في هجوم منسّق نفذه المستوطنون تحت أنظار وحماية جنود الاحتلال.

عضو في المجلس البلدي لسنجل، لـ"الترا فلسطين": البلدة تتعرض منذ نحو شهرين لاعتداءات متكررة في نفس المنطقة، تتزامن مع حماية جيش الاحتلال للمستوطنين

شهادات الناجين التي حصل عليها موقع "الترا فلسطين"، تكشف عن تفاصيل صادمة: شباب تُركوا ينزفون في الجبال لساعات، وآخرون تعرّضوا للدهس أو الضرب حتى الإغماء، ومركبات إسعاف مُنعت من الوصول إلى المصابين، بل حُطّمت في طريقها، وسط صمت جنود الاحتلال أو مشاركتهم في القمع.

فيما يلي، نقدم شهادات الناجين من الهجوم، الذي يهدف، وفق أهالي المنطقة، إلى ترهيبهم ودفعهم للرحيل عن أراضيهم المصنفة "أ"، بحسب تصنيفات اتفاق أوسلو، لكنها باتت ساحة مفتوحة لاعتداءات استيطانية محمية رسميًا.

فعالية سلمية

يروي عضو مجلس بلدية سنجل، أنور غفري، أن العشرات من أهالي بلدتي المزرعة الشرقية وسنجل توجهوا إلى الأراضي الموجودة في منطقة الباطن، والمهددة بالمصادرة من قبل المستوطنين، في فعالية رسمية دُعي إليها، في سبيل الحفاظ على هذه الأراضي المصنفة "أ".

وقال غفري في حديثه لـ"الترا فلسطين"، إنه بطريقة غير مسبوقة، قام المستوطنون الموجودون هناك في بؤرة استيطانية رعوية، بالهجوم على الأهالي، ما أسفر عن استشهاد شابين وإصابة نحو 50 آخرين، توزّعت الإصابات بين ضرب وتنكيل في مختلف أنحاء الجسد، وحالة دهس.

ويروي غفري أن المستوطنين استفردوا بعدد من الشبان في مناطق مختلفة من جبل الباطن، حيث حاصروا الشاب سيف الدين مصلط (21 عامًا)، وهو مواطن أميركي من بلدة المزرعة الشرقية لا يحمل هوية فلسطينية، وقاموا بالتنكيل به وضربه في مختلف أنحاء جسده. أما الشهيد الثاني، محمد الشلبي (23 عامًا)، فقد ظهرت عليه علامات إطلاق نار من مسافة قريبة، بالإضافة إلى اعتداءات بالضرب المبرّح.

شهداء المزرعة الشرقية في سنجل مصلط والشلبي
الشهيد سيف الدين مصلط والشهيد محمد الشلبي

الشهداء فُقدوا في الجبال

أكد غفري أن كلا الشابين فُقدت آثارهما في الجبال، حيث عُثر على الشهيد الأول بعد ثلاث ساعات من البحث، أما الشهيد الثاني فعُثر عليه حوالي الساعة 11 ليلًا.

الشاب سليمان عصفور من بلدة سنجل، متطوّع في الدفاع المدني الفلسطيني، تلقى تدريبات مع مجموعة من الشبان، إثر تعرّض البلدة لاعتداءات وحرق متواصل من المستوطنين. يروي عصفور في شهادته لموقع "الترا فلسطين"، أنه توجّه بسيارته إلى المنطقة، وعثر على شاب من بلدة عبوين كان مصابًا في الرأس بعد أن ضربه المستوطنون بالهراوة وكان ينزف، وعلى الفور نقله إلى أقرب سيارة إسعاف، ثم عاد إلى الموقع مجددًا.

المنقذ وقع في كمين

وقال عصفور إنه علم من الناس بتعرّض شاب للدهس من قبل المستوطنين، ووصل إليه بالفعل، وكانت حالته سيئة، وهو شاب من بلدة المزرعة الشرقية، وعمل على نقله. وفي الطريق، عثر على شاب آخر مصاب، وقام بنقله أيضًا. وقال له المصاب الثاني إن لديه أخًا أطلق عليه المستوطنون النار، قاصدًا الشهيد محمد الشلبي، لكنه لاذ بالفرار منهم، وعلى الفور نقل الإصابات إلى مركز الإسعاف، ثم عاد إلى الحالة الرابعة المصابة بالرصاص، برفقة إسعاف البلدية إلى الموقع.

وأشار عصفور إلى أن المستوطنين حاصروا مركبته ومركبة الإسعاف، وكان معه في السيارة مجموعة من الشبان، فطلب منهم الترجل والهرب، ثم حاول هو الاستدارة والفرار من طريق آخر، لكنهم حاصروه، حيث حطّموا في البداية سيارة إسعاف البلدية، أما هو فقد اصطدم بشكل مباشر بسيارة للمستوطنين، وحاول الهرب بين الصخور والأراضي حتى توقّفت المركبة ولم يعد بالإمكان التقدّم بها.

وأضاف عصفور أنه نزل من المركبة وهرب من بين المستوطنين في الأراضي، فأطلقوا النار عليه، وأصابه حجر في الكتف. وقال إن أكثر من 20 مستوطنًا هاجموه، لكنه نجا بأعجوبة. أما مركبته فقد حُطّمت بشكل كامل، ثم تمكنوا من تشغيلها واستخدموها لاحقًا في ملاحقة الشبان.

سرقوا المركبة

يروي المهندس حمادة فقهاء أنه توجّه إلى أرضه في منطقة جبل التل، بعد الدعوة إلى هذه الفعالية، كي يحافظ على أرضه ويعمل بها. ويقول فقهاء لـ"الترا فلسطين"، إنه كان على طرف الأرض ومعه رئيس البلدية وعدد من الشبان، عندما وصلت سيارة دفع رباعي تابعة للمستوطنين مسرعة، ثم ترجّلوا منها وتمكّنوا من الاستيلاء على سيارته وسرقتها.

وأضاف فقهاء أنهم استخدموا السيارة للتمويه بها في ملاحقة الشبان في الجبال، واصطدموا بها مع سيارة مواطن آخر بشكل مباشر، وفي آخر الليل صعدوا بها فوق سلسلة حجرية لتحطيمها، ثم رموا المفاتيح منها.

اصطدام مباشر ثم إطلاق وابل من الرصاص

المواطن عبد الله فقهاء كان ضحية المستوطنين في اصطدام المركبتين، بواسطة سيارة حمادة فقهاء المسروقة. وقال عبد الله فقهاء لـ"الترا فلسطين"، إن المستوطنين سرقوا سيارة من مواطن آخر، ثم تفاجأ بهم في جبل الباطن، حيث اصطدموا به بشكل مباشر، وعندما حاول الاستدارة، حاصرته مركبة للمستوطنين من الخلف. وبعد مزاحمة وعدة اصطدامات مع مركباتهم، تمكن من النجاة من بينهم، لكنهم أطلقوا عليه وابلًا من الرصاص.

في هذه الأثناء، كانت أغلب الإصابات قد وصلت إلى المراكز الطبية، وتبقى عدد من الشبان المفقودين في الجبال، بحسب شهود عيان لـ"الترا فلسطين". وبعد مماطلة وإغلاق الطريق من قبل الجيش، سُمح بعد ثلاث ساعات ببدء البحث عن الشبان المفقودين ونقل الإصابات، وبالفعل تم جمع ما لا يقل عن 10 إصابات، نُقلوا بواسطة ثلاث مركبات إسعاف.

العثور على الشهيدين في الجبال بعد ساعات

عودةً للبحث عن الشاب المفقود، الذي عُرف لاحقًا بأنها الشهيد سيف الدين مصلط، الذي استشهد ضربًا، قال المسعف سليمان عصفور: "عثرنا عليه في الجبال، وسرنا به بين الصخور والشوك على النقالة لمسافة تقارب كيلومترين. وفي كل مرة كان قلبه يتوقف، نضعه على الأرض ونحاول إنعاشه مرارًا، حتى وصلنا إلى مركبة الإسعاف، وهناك فارق الحياة ولفظ أنفاسه الأخيرة".

وتابع عصفور، أن المصاب الذي نقله من بلدة المزرعة الشرقية في بداية الهجوم، وأبلغه عن شقيق له أُصيب بالرصاص، تبيّن في ساعات الليل أنه الشاب محمد الشلبي، حيث أُطلق النار عليه من مسافة قريبة، وحاول الهرب من المستوطنين، لكنه ظل ينزف في الجبال حتى استُشهد.

وأكد شهود عيان لموقع "الترا فلسطين"، أنه مع ساعات الليل، وبعد الإعلان عن استشهاد الشاب الأول، تبيّن أن هناك شابين مفقودين، أحدهما تبيّن لاحقًا أنه معتقل، بينما بقي الشاب محمد الشلبي مفقودًا، فخرج مئات المتطوعين من بلدتي المزرعة الشرقية وسنجل للبحث عنه، لكنهم عثروا عليه بعد أن فارق الحياة.

اعتداءات بوتيرة وحشية ومتصاعدة

قال عضو المجلس البلدي في سنجل، أنور غفري، إن البلدة تتعرض منذ نحو شهرين لاعتداءات متكررة في نفس المنطقة، تتزامن مع حماية جيش الاحتلال للمستوطنين.

وأكد غفري أن الجيش وفّر غطاءً كاملًا للمستوطنين، واعتدى على سيارات الإسعاف ومنعها لساعات من الوصول إلى المصابين. ويرى أن ما يجري يُعد مؤشرًا خطيرًا، فهذه الأراضي مصنّفة "أ"، وتعود ملكيتها لسكان بلدة المزرعة الشرقية، لكنها متصلة جغرافيًا ببلدة سنجل وتُعد أقرب إليها.

وبيّن غفري أن الاعتداءات تجري بوتيرة وحشية ومتصاعدة وتحت أعين الجنود، في إشارة واضحة إلى أن ما يحدث هو سياسة ممنهجة تهدف إلى ترحيل المواطنين وتهجيرهم، تمهيدًا لمصادرة أكبر قدر من الأراضي.

ومنذ بدء هذه الأحداث قبل نحو شهرين، أُقيمت بؤرتان استيطانيتان في المنطقة؛ نجح الشبان الأسبوع الماضي في الوصول إلى بؤرة التل وحرقها، بينما ما تزال البؤرة الثانية قائمة في جبل الباطن.

وقد أسفرت الاعتداءات في سنجل خلال هذه المدة عن استشهاد ثلاثة مواطنين، وإصابة العشرات، بالإضافة إلى إحراق عدد من المركبات والغرف الزراعية.