بيسان

البلوغ في خيام النزوح.. انعدام الخصوصية وفوط صحية مفقودة

المصدر تقارير
البلوغ في خيام النزوح.. انعدام الخصوصية وفوط صحية مفقودة
سماح شاهين

سماح شاهين

من غزة مهتمة بالشأن السياسي والاجتماعي والعربي والدولي

كانت سارة* تلعب مع شقيقتها أمام خيمتهما في مواصي خانيونس، عندما لاحظت والدتها بقعة دماء على ملابسها، فهرعت إليها بخوف، والتفتت يمينًا ويسارًا كي لا يراها أحد. وفي تلك اللحظات، شعرت أن ابنتها كبرت.

وتروي والدة سارة لـ"الترا فلسطين"، قائلة: "تداركت الأمر في البداية مع ابنتي، وبعد الانتهاء سألتني لماذا الدماء تسيل مني؟ وعن سبب وضع الفوط الصحية؟ فأخبرتها عن المرحلة التي ستمر بها كل شهر، وأنه لا داعي للخوف من الأمر".

أخصائية النساء والتوليد، الطبيبة سمر شلبي، قالت لـ"الترا فلسطين"، إن الوضع كارثي جدًا؛ لأن غالبية الإناث نازحات في خيام تفتقر لأدنى مقومات الحياة، خاصة في فصل الصيف، مما يؤثر سلبًا عليهن

وتشير إلى أنّها بدأت بمراقبة تحركاتها، فجميع نظرات سارة كانت على ملابسها والخجل يسيطر عليها، خاصة مع وجود أشقائها الذكور داخل الخيمة، إذ لا توجد فواصل بينهم، وكانت تبقى جالسة في زاوية بمفردها، خائفة من ملاحظة أحد عليها.

وتبيّن أن تجربة البلوغ في الوضع الراهن فاقمت من معاناة الفتيات، مع انعدام الخصوصية وارتفاع أسعار الفوط الصحية، كما أن الملابس لا تكفيها، فاضطرت إلى شراء ملابس "بالية" وفضفاضة لتناسب مرحلة البلوغ.

كانت والدة سارة تفضل أن يكون بلوغ طفلتها في المنزل الذي دمرته طائرات الاحتلال في شمال غزة، بدلًا من الخيمة التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

وتضيف: "سبعة أيام عشتها مع سارة كانت كعمر بأكمله. دخلنا سويًا مرحلة الاكتئاب والقلق... الأيام كانت عبارة عن توعية ثقافية لها. لم أتمالك نفسي أمام دموعها ووجعها، لكننا تجاوزنا المرحلة بمعاناة نفسية ومعنوية ومادية".

وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن غزة بحاجة إلى 10.3 مليون فوطة صحية شهريًا، ولكن بعد ثلاثة أشهر من الحصار الإسرائيلي الشامل للمساعدات، باتت لوازم النظافة الشخصية والدورة الشهرية شبه معدومة، وإذا توفرت فإن تكلفتها تبلغ حوالي خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب، مما يجعلها بعيدة المنال بالنسبة لمعظم الأسر.

وفي غزة، باتت فترة الدورة الشهرية كابوسًا لأكثر من 700 ألف امرأة وفتاة، فبدون فوط صحية أو مياه أو مراحيض، تُصبح صحتهن في خطر.

اقرأ/ي: فيديو | "ماما لا تقصي شعري".. الحرب تسلب الأطفال شعرهم

حبوب منع الحمل لوقف الدورة الشهرية.. هذا ما تفعله نساء غزة في الحرب 
 

سمية*، نزحت برفقة أشقائها إلى منزل شقيقتها بعد استشهاد والديها، وبعد أيام، استيقظت على وجع شديد في بطنها، وظنّت حينها أنها تعرضت للتسمم من المعلبات. لكن شقيقتها الكبرى عثرت على دماء في فراشها، فطمأنتها أن ما تمر به مرحلة طبيعية لكل فتاة.

وتقول سمية لـ"الترا فلسطين": "لم أستوعب ما حدث لي، صرخت من شدة الألم، والجميع كان يسأل عني، خاصة زوج أختي وأشقائي الذكور.. لكن لم أستطع الإجابة. شقيقتي فقط طلبت منهم شراء مسكن لوجعي".

وأضافت: "سألت شقيقتي عن سبب الوجع، وبدأت بتوعيتي عن هذه الفترة الحساسة، وكيف أتعامل معها، وعن التغييرات الجسدية، فازداد وضعي النفسي سوءًا، خاصة مع فقدان والدتي والمرحلة التي أمر بها".

وتلفت إلى أنّ هذه التجربة كانت الأصعب، خصوصًا مع ارتفاع سعر الفوط الصحية إلى 35 شيكلًا، ولم تستطع السير أمامهم كثيرًا خشية من تسرب الدماء على ملابسها. وتابعت: "شقيقتي لم تتركني، تشرح لي باستمرار وتحاول احتوائي، كأن والدتي كانت معي. إذ كانت تتحدث عن أهمية النظافة الشخصية وتغيير الفوط بانتظام، رغم عدم توفرها بشكل كافٍ والوضع المعيشي الصعب".

وفي ظل عدم توفر المواد الصحية بشكل كافٍ، تُرغم النساء في غزة على ابتكار أساليب بدائية لتدبّر فترة الدورة الشهرية، كما فعلت والدة يسرى*، بتمزيق بعض ملابسها المهترئة واستخدامها كفوط بديلة.

وتروي والدة يسرى لـ"الترا فلسطين": "وجدت ابنتي في منتصف الليل تئن من الوجع بصوت منخفض كي لا يسمعها أحد، خاصة أن الخيمة لا تحجب الأصوات. حينها مزّقت بعضًا من ملابسي لها كي تستعملها خلال فترة الدورة".

وتتابع بصوتٍ يحمل وجعًا دفينًا: "لا أملك شيئًا لشراء أي شيء سوى الأساسيات، خاصة بعد استشهاد زوجي الذي كان يعيل العائلة، والآن لا يوجد أحد يخفف عنا. وضع يسرى جاء في الوقت الخطأ، ولكن هذه المرحلة لا هروب منها، كالموت".

وتشير إلى أنّها حاولت شرح المرحلة الحساسة التي تعيشها ابنتها يسرى، مع قبلة اعتذار لعدم توفر الرعاية الصحية لها، ولعدم توفر أدنى المقومات الأساسية في خيمتها التي لا تقي من حرّ الصيف ولا برد الشتاء. وتخشى أن تُصاب بأثر نفسي أو أمراض أخرى لافتقار الرعاية الصحية والمياه والنظافة الشخصية كأي فتاة في العالم، متمنية أن تعيش مراحل بلوغ أطفالها في منزلها، وليس في الخيمة.

وبحسب تقديرات المنظمات الإنسانية، فإن نحو 170 ألف امرأة وفتاة يتوقع أن يعانين من هذه الحالات، في ظل غياب شبه تام للرعاية الطبية، ما ينذر بمضاعفات صحية طويلة الأمد قد تترك آثارًا لا تُمحى.

وتتابع والدة يسرى: "ابنتي كانت تخاف أن تخرج من الخيمة كعادتها، والجميع أصبح يسأل عنها، لكنني أخبرهم بأنها تمر بوعكة صحية، كي لا يرشدها أحد غيري، ولا تشعر بالضغط النفسي، خاصة أنها تعيش مرحلة اكتئاب من الألم وتسرب دماء الدورة على ملابسها".

وتقول: "ذهبت إلى أقاربي وصديقاتي لطلب فوط صحية ليسرى، وجمعت كمية مناسبة لها كي لا تُصاب بأي أمراض في المستقبل، خاصة أنها لا تزال طفلة وتحتاج إلى القوة والصبر، خاصة في زمن الحرب". وتضيف: "يسرى كانت تراني وشقيقتها الكبرى نعاني في تأمين الفوط الصحية، لكنها لم تتوقع أن تمر بتلك المرحلة والحرب لا تزال مستمرة".

وسلّطت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الضوء على حالة النساء والفتيات في القطاع في ظل نزوح أكثر من مليون منهن منذ بدء الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وانتقالهن إلى ملاجئ مكتظة بشكل لا يُطاق، حيث تندر الخصوصية أو تنعدم، خصوصًا للنساء والفتيات.

وقد وزعت الأونروا أكثر من 80,000 مجموعة من مستلزمات النظافة العائلية على النازحين في غزة منذ بداية الحرب، مؤكدةً أنها ستتمكن من تقديم المزيد من تلك المستلزمات بدعم من الاتحاد الأوروبي، الذي تبرع بنحو 14 مليون يورو حتى الآن، من أجل توفير مواد دعم للملاجئ، بما في ذلك مستلزمات النظافة الشخصية. لكن الأونروا شددت على الحاجة إلى أكثر من ذلك بكثير للتخفيف من الحالة الإنسانية الكارثية، التي تتسم بالحدة بشكل خاص بين النساء والفتيات المعرضات للمخاطر.

فترة حساسة

أخصائية النساء والتوليد، الطبيبة سمر شلبي، قالت لـ"الترا فلسطين"، إن الوضع كارثي جدًا؛ لأن غالبية الإناث نازحات في خيام تفتقر لأدنى مقومات الحياة، خاصة في فصل الصيف، مما يؤثر سلبًا على نظافتهن الشخصية.

وتشير شلبي إلى أنّ سن بلوغ الفتيات حرج وحساس جدًا، وباتت الدورة الشهرية "رعبًا شهريًا" لهن، بفعل شح مواد التنظيف، وخاصة الفوط الصحية، التي إن توفرت فإن أسعارها باهظة، مما يجبرهن على استخدام ملابس بالية كبدائل.

وتبيّن شلبي، أن الحرب كشفت عن حالات عديدة لفتيات مصابات بالتهابات مهبلية لم يفهمن طبيعتها. أما عن علاج هذه الأمراض، فقالت: "لا حل أمامهن سوى العلاجات التي أصبحت شحيحة بسبب إغلاق المعابر ومنع الاحتلال الإسرائيلي دخول الأدوية إلى غزة".

وأضافت: "الثقافة الفلسطينية، خصوصًا بين النساء، لا تشجع على الحديث بهذه الأمور الحساسة، خاصة مع فتياتهن حول مرحلة البلوغ، في ظل أوضاع سيئة جدًا وبحاجة إلى اهتمام خاص حتى اجتياز هذه المرحلة".

وحثّت شلبي الأمهات على إرشاد بناتهن قبل البلوغ، وتعليمهن النظافة الشخصية لتقليل احتمالات العدوى والأمراض، مؤكدة أن الالتهابات المتكررة يصعب علاجها، وقد تترك أثرًا على القدرة الإنجابية مستقبلًا.

تغيّر في السلوك

تقول الأخصائية النفسية، عروب الجملة، إن مرحلة بلوغ الفتيات، خاصة في ظل الحرب والعيش في الخيام، من أكثر المراحل حرجًا وحساسية عند الفتيات تحديدًا.

وتضيف الجملة لـ"الترا فلسطين" أن من الضروري قيام الأمهات بتوعية الفتيات والتحدث إليهن قبل مرحلة البلوغ، لتجهيز الفتاة نفسيًا لهذه المرحلة حتى تشعر بالأمان والاطمئنان.

وتشير إلى أن هذه المرحلة تتطلب تركيزًا خاصًا من ناحية النظافة الشخصية، خشية الإصابة بالأمراض في ظل شح وغلاء الفوط النسائية، وعدم توفر المياه، من أجل تجاوز هذه المرحلة صحيًا ونفسيًا.

وتبيّن أن الفتيات انتقلن من سن الطفولة إلى مرحلة البلوغ وسط ظروف الحرب والنزوح والمعيشة القاسية في الخيام أو مراكز الإيواء، وقد دخلت بعضهن في حالة من الاكتئاب بسبب التغير المفاجئ والتزامن مع ظروف الحرب.


*كافة الأسماء في التقرير مستعارة، لحماية خصوصية الشخصيات.