بيسان

أسبوعان بلا مياه.. أزمة عطش تفتك بمليون و200 ألف فلسطيني في مدينة غزة

المصدر تقارير
أسبوعان بلا مياه.. أزمة عطش تفتك بمليون و200 ألف فلسطيني في مدينة غزة
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

منذ مطلع الشهر الجاري، احتدَّت أزمة المياه في مدينة غزة، خاصة في مناطقها وأحيائها الشرقية، التي تشهد توغلًا إسرائيليًا، وكثافة في القصف الجوي والمدفعي، يحول دون تمكن طواقم بلدية المدينة من التحرك وإدارة ملف المياه المعقد والمتهالك، الذي حُرمت منه قطاع غزة منذ أيام حرب الإبادة الأولى، وصار الحصول على ماء، رحلة شاقة في قطاع غزة عمومًا، قد تنتهي بالقتل من الاحتلال الإسرائيلي.

تزداد حدة أزمة المياه في مدينة غزة مع لجوء مئات آلاف النازحين إليها من بلدات جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، ومناطق أخرى في محافظة شمال القطاع

وقبل نحو أسبوعين، أعلنت بلدية غزة، كبرى بلديات قطاع غزة، أن الأزمة التي تعاني منها مناطق واسعة في وسط وشرق وجنوب المدينة، سببها تعذر وصول طواقمها لمحابس توزيع مياه "ميكروت"، علاوة على آبار محلية، تقع في حي الشجاعية شرق المدينة، بسبب خطورة الأوضاع الأمنية.

ويتعرض حي الشجاعية لعملية عسكرية إسرائيلية مركزة، هي الرابعة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب تشرين الأول/أكتوبر 2023، فضلًا عن تعرض حي الزيتون المجاور لها من الناحية الجنوبية لعملية مماثلة، هي السابعة منذ اندلاع الحرب.

وتزداد حدة أزمة المياه في مدينة غزة مع لجوء مئات آلاف النازحين إليها من بلدات جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، ومناطق أخرى في محافظة شمال القطاع، التي أجبرت قوات الاحتلال أغلبية سكانها على النزوح تحت وطأة القصف والتجويع والتعطيش.

تعطيش وأمراض

نزح محمد شعبان مع زوجته وطفليه، وبرفقة والديه وأشقائه الثلاثة وأسرهم (14 فردًا)، من منزلهم العائلي في حي الشجاعية، قبل بضعة شهور، ويقيمون معًا في منزل مستأجر قريبًا من منطقة "الساحة"، أو ما تعرف شعبيًا بـ"غزة القديمة".

ويكابد شعبان (31 عامًا) منذ نحو أسبوعين من أجل توفير المياه للشرب وللنظافة، ويقول لـ"الترا فلسطين": "جاءت أزمة المياه في ظل أجواء صيفية حارة للغاية، وفيها تزداد الحاجة للمياه سواء العذبة للشرب وطهي الطعام، أو المياه المستخدمة في النظافة الشخصية والمنزلية".

اقرأ/ي: سياسات الجفاف والتهجير الإسرائيلية.. كيف تسيطر إسرائيل على المياه الفلسطينية؟

أحد أفعال الإبادة الجماعية.. إسرائيل عمدت إلى قطع المياه عن الفلسطينيين في غزة

لم ينزح شعبان إلى جنوب القطاع، أسوة بأغلبية سكان مدينة غزة وشمال القطاع، وآثر وأسرته وعائلته البقاء في المدينة، والنزوح الداخلي بها من مكان إلى آخر، بحثًا عن أمان مفقود. ووفقًا له، فإن أزمة المياه الحالية هي الأشد والأقسى على مدار شهور الحرب.

"هذه الأزمة غير مسبوقة.. نعاني من العطش، ومن قلة النظافة، والأمراض تفتك بأجساد أطفالنا والمسنين"، يؤكد شعبان، وهو يشير إلى إصابة أطفال في عائلته بحكة جلدية، صنفها الأطباء أنها تنتقل إما بالعدوى أو نتيجة قلة النظافة والعيش في بيئة غير صحية.

وتستهلك عائلة شعبان ما بين 30 إلى 50 لترًا من مياه الشرب، وحوالي 400 لتر من المياه للنظافة والأعمال المنزلية يوميًا، ويوضح أنهم اضطروا إلى ترشيد الاستهلاك، لصعوبة توفير المياه.

حياة بائسة

وفيما يعاني سكان الأحياء الشرقية من مدينة غزة من انقطاع المياه، فإن النصف الغربي من هذه المدينة، الأكثر اكتظاظًا بالسكان والنازحين، يواجه أزمة حادة في توفير المياه.

وتقول بلدية غزة، إن إنذارات النزوح الواسعة لمحافظة الشمال، تسبب في ارتفاع عدد سكان المدينة بنسبة تزيد على 50%، ووصل إلى نحو مليون و200 ألف نسمة، يتركزون في مساحة تقل عن نصف المساحة الكلية للمدينة، خاصة في الأحياء والمناطق الغربية وصولًا إلى شاطئ البحر.

يقطن الأربعيني أكرم راضي مع أسرته (7 أفراد) في منزل تملكه عائلته في مخيم الشاطئ الشمالي غرب مدينة غزة، ويقول لـ"الترا فلسطين" إنه وأشقاءه وأسرهم وأبناؤهم وأحفادهم (حوالي 100 شخص) يقطنون في هذا المنزل المكون من عدة طبقات، وتعرض للحرق والتدمير الجزئي خلال التوغل الإسرائيلي في المخيم بداية اندلاع الحرب.

عادت هذه العائلة الكبيرة من رحلة نزوح قاسية في جنوب القطاع إلى منزلها في المخيم، عقب اتفاق التهدئة في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، ووفقًا لراضي: "وجدنا المنزل مدمرًا، وبلا شبكات للمياه وللصرف الصحي، ولكن لم يكن أمامنا من خيار سوى العيش به".

وتصل المياه للمخيم مرتين يوميًا خلال الأسبوع، بمعدل 4 ساعات في المرة الواحدة، ويضطر السكان إلى الوقوف في طوابير طويلة ومزدحمة لتعبئة جالونات بلاستيكية من خط المياه الرئيسي بالشارع، حيث لا يمكن ضخ المياه للمنازل مباشرة، بسبب ضعفها، وكذلك نتيجة الدمار الهائل في الشبكات والخزانات المنزلية، بحسب راضي.

وأوضح أنه وأسرته يحتاجون نحو 60 لترًا من مياه الشرب، يحصلون عليها من سيارات تجارية تجوب الشوارع وتبيع الغالون الواحد سعة 20 لترًا بنحو 4 شواكل، علاوة على 250 لترًا من المياه المالحة المستخدمة للاستحمام والنظافة المنزلية، يحصلون عليها من خطوط البلدية، وبالكاد تكفيهم.

وإضافة إلى الأعباء المادية الباهظة التي يعاني منها راضي نظير توفير المياه لأسرته، فإنه يشكو من غضروف في فقرات ظهره، ازدادت آلامه في الآونة الأخيرة، إثر الجهد الكبير الذي يبذله في جلب غالونات المياه ورفعها على سطح المنزل لتعبئة خزان منزلي.

واقع صادم

يقول الناطق باسم بلدية غزة، عاصم النبيه، لـ"الترا فلسطين"، إن المدينة تعاني أزمة مياه منذ اندلاع الحرب، ولكنها ازدادت حدة منذ مطلع الشهر الجاري، نتيجة عمليات قوات الاحتلال وتوغّلها في الأحياء الشرقية من المدينة، التي شهدت حركة نزوح واسعة من السكان نحو الأحياء في غرب المدينة، المكتظة في هذه الأثناء عن آخرها بالسكان والنازحين.

ووفقًا للنبيه، فإن مخاطر جمة تحول دون تمكن طواقم البلدية من الوصول إلى الأحياء الشرقية التي تقع فيها المحابس التي تتحكم بالمياه الواردة من شركة "ميكروت" الإسرائيلية، علاوة على آبار محلية، كالباشا والصفا، التي تساهم بنحو 25% من المياه المتوفرة بالمدينة.

وكان لأزمة نقص الوقود دورها السلبي الكبير في تعميق أزمة المياه، وبحسب النبيه، فإن البلدية لم تعد قادرة على تزويد الآبار المحلية في الأحياء والمخيمات بالوقود اللازم لتشغيلها، حيث يقتصر العمل حاليًا على 30 بئرًا فقط، لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات السكان والنازحين.

يُشار إلى أن قوات الاحتلال دمرت حوالي 75% من آبار المياه في مدينة غزة، سواء بالقصف الجوي، أو بالتجريف خلال عمليات التوغل البري المتكررة منذ اندلاع الحرب، ويقول النبيه إن الاحتلال يمنع إدخال الآليات والمعدات ومواد الصيانة اللازمة لإصلاح آبار وشبكات المياه وخدمات البنية التحتية، الأمر الذي يعمّق من أزمة العطش والنظافة، وانتشار الأمراض والأوبئة.