مع حلول مساء هذه الليلة، لن تبقى أي عائلة فلسطينية في تجمّع عرب المليحات، أحد أكبر التجمّعات البدوية الفلسطينية في منطقة المعرجات شمال أريحا، وذلك بعد إقامة بؤرة استيطانية إسرائيلية في نقطة قريبة من القرية. وبعدما ظلّت هذه المنطقة عامرة لسنوات طويلة، لن تسمع خلال مرورك بمحاذاتها هذا اليوم، سوى الطرق على ألواح الصفيح والحديد وخزّانات المياه، خلال اقتلاعهم لخيامهم ومتاعهم ورحيلهم عنها.
قال مسؤول تجمّع عرب المليحات في شمال أريحا، سليمان مليحات، لـ"الترا فلسطين"، إنّ كافة العائلات رحلت وتوجّهت إلى تجمّع "العوسج" شرق المليحات، وقرّرت العيش في أرض وقفية تابعة لوزارة الأوقاف، تسكن فيها عائلات بدوية أخرى
التجمّع الذي كان يؤوي 85 عائلة فلسطينية، بواقع أكثر من 500 مواطن، ويضم مدرسة وجامعًا، كان بمثابة عاصمة للتجمّعات البدوية في المعرجات، بات أثرًا بعد عين.
وقال مسؤول تجمّع عرب المليحات في شمال أريحا، سليمان مليحات، لـ"الترا فلسطين"، إنّ كافة العائلات رحلت وتوجّهت إلى تجمّع "العوسج" شرق المليحات، وقرّرت العيش في أرض وقفية تابعة لوزارة الأوقاف، تسكن فيها عائلات بدوية أخرى.
ومنذ سنوات، يتعرّض تجمّع عرب المليحات لاعتداءات وحصار يومي من المستوطنين، إلا أنّ ما دفع العائلات للرحيل اليوم، هو هجوم كبير فاق قدرتهم على الصمود.
ويروي مليحات أنّ المستوطنين وسّعوا من هجماتهم في الأسبوع الأخير، وأقاموا بؤرة استيطانية جديدة داخل التجمّع، وبدأت أعدادهم تتزايد، وواصلوا تنفيذ اعتداءات يومية على المواطنين، شملت سرقة المواشي، والهجوم على المنازل، وإخراج السكّان منها قسرًا وطردهم في العراء، ثم السيطرة على المدرسة.
وتابع مليحات: "في يوم الخميس الماضي، حشدوا المئات من المستوطنين، ثم نفّذوا هجومًا كبيرًا، وأخطروا العائلات بالرحيل بشكل قسري".
أما منسّق منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، حسن مليحات، وهو من أبناء نفس التجمّع، فأشار لـ"الترا فلسطين"، إلى أنّ تجمّع عرب المليحات يتعرّض منذ 3 سنوات لاعتداءات المستوطنين، وظلّ يقاوم، كما حاول الأهالي الصبر والصمود، وتحمّلوا هدم منازلهم، والاستيلاء على مواشيهم، وضربهم، وقطع المياه عنهم، والحصار.
وقال مليحات بحسرة: "لكن في ظل التهرّب من المسؤولية من قبل المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، لم يعد باستطاعتهم الصمود، وكان الرحيل هو الخيار الأخير".
وعن تفاصيل الأيام الأخيرة، أوضح مليحات أنّ المستوطنين أقاموا يوم الأربعاء الماضي بؤرة استيطانية أمام عتبة أحد البيوت، وبعد ثلاث ساعات نفّذوا هجومًا كبيرًا بحماية جيش الاحتلال، استولوا خلاله على قطيع أغنام، وكسروا منازل، واقتحموا مدرسة عرب الكعابنة.
ونوّه مليحات إلى أنّ أحد قادة المستوطنين وجّه لهم تهديدًا مباشرًا، قال فيه: "إنتو هاي المعركة خسرانينها، ومش رح تلاقوا حدا يوقف معكم".
وأضاف مليحات: "الناس شعرت أنهم وحدهم في هذه المعركة وتعرّضوا للخذلان، وقرّروا الرحيل، فلم يعد لديهم أي خيار آخر، بعد حصار التجمّع وعدم حضور أحد للوقوف معهم".
وتابع لـ"الترا فلسطين"، أنّ أحد قادة المستوطنين منحهم مهلة للرحيل حتى ظهر يوم الجمعة، وأبلغ العائلات بأنّه لن يستطيع السيطرة على المستوطنين الذين يتوعّدونهم، ثم مدّد لهم المهلة حتى مساء السبت للإخلاء الكامل، وإلا "سيتم حرقهم مع أطفالهم ونسائهم داخل الخيام والبيوت"، وفق ما قال.
ومع ذلك، يقول مليحات، إنّ "العائلات اختارت الصمود والبقاء، وأطلقت مناشدات، لكن لم يستجب أحد، ولم يزر أحد التجمّع". ويحمّل المحامي مليحات الحكومة الفلسطينية المسؤولية كاملة، قائلًا: "هم غائبون، ولم يحضر منهم أحد، بالرغم من توجيه نداءات استغاثة. لدرجة أنّه لم يتصل علينا أي مسؤول، حضرت مؤسسات أجنبية وشخصيات أجنبية، ولم يزرنا أي مسؤول".
وأشار مليحات إلى أنّ ما يجري هو مقدّمة لمشروع تهجير وترانسفير للشعب الفلسطيني باتجاهات أخرى غير الضفة الغربية، موضحًا أنّ طرد وتهجير التجمّعات البدوية ليس سوى مقدّمة لحصار وطرد القرى والبلدات. ولفت إلى أنّه منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هجّر المستوطنون حوالي 65 تجمّعًا بدويًا فلسطينيًا بشكل تعسّفي، ما أدّى إلى تهجير نحو 7 آلاف مواطن فلسطيني.
أعلن الجيش الإسرائيلي إخلاء المستوطنين الذين أقاموا البؤرة الاستيطانية غير القانونية في وقت سابق من هذا الأسبوع. إلا أن المستوطنين نقلوا البؤرة الاستيطانية، التي تضم منطقة جلوس مؤقتة وحظائر للماشية، يوم الخميس إلى مكان أقرب إلى مدرسة القرية، بعد أن أجبروا العائلة الفلسطينية التي كانت تسكن المنزل المجاور على إخلائه، بحسب ما ورد في صحيفة "هآرتس".
وقالت الصحيفة: "على مدار العام الماضي، شهدت قرية المعرجات عدة حوادث عنف بالغة. وفي إحدى الحالات، هاجم مستوطنون فلسطينيين في مدرسة القرية واختطفوا مديرها. وجاء المهاجمون من بؤرة زراعية استيطانية قريبة يديرها زوهار صباح، وهو موقع تم إنشاؤه في السنوات الأخيرة بالقرب من القرية، والذي أصبح معروفًا بأنشطته العنيفة".
وبحسب التقرير، فإنه في "صباح الجمعة، زار صباح البؤرة الاستيطانية المُقامة حديثًا داخل القرية. وشوهد جنود إسرائيليون يتحدثون معه ويسألونه عن حفل شواء أقامه مؤخرًا. كما مُنح صباح مؤخرًا مركبة خدمات عامة جديدة تم شراؤها بتمويل من وزارة الاستيطان والبعثات الوطنية. وفي حادثة أخرى في شهر فبراير/شباط، أضرم المستوطنون النار في مسجد القرية".
وطوال هذه الفترة، واجه سكان القرية مضايقات مستمرة، بما في ذلك القيود الشديدة على مناطق الرعي التي جعلتهم غير قادرين على رعي قطعانهم، فضلًا عن حواجز الطرق التي منعت الوصول إلى منازلهم ومزارعهم.
وصرحت ساريت ميخائيلي، ممثلة منظمة بتسيلم، لـ"رويترز" بأن تجمع المليحات واجه "عنفًا مكثفًا من المستوطنين" شمل السرقة والتخريب والاعتداء. وأضافت أن الجيش فشل في حماية الفلسطينيين من هجمات المستوطنين، الذين قالت إنهم يتصرفون دون عقاب.