بيسان

عمولاتٌ مرتفعةٌ وتعليمٌ ضائعٌ وتغطيةٌ غائبةٌ.. ماذا يعني انقطاع الإنترنت عن قطاع غزّة؟

المصدر تقارير
عمولاتٌ مرتفعةٌ وتعليمٌ ضائعٌ وتغطيةٌ غائبةٌ.. ماذا يعني انقطاع الإنترنت عن قطاع غزّة؟
محمد النعامي

محمد النعامي

محمد النعامي، صحفي من غزة

يواصل الاحتلال تعميق معاناة الغزيين بشتى الوسائل؛ فإلى جوار المجازر اليومية والحصار، ودعم العصابات الإجرامية، عاود الاحتلال قطع خدمات الإنترنت والاتصال عن سائر مناطق قطاع غزة، عبر استهداف مغذيات الإنترنت، ما أدى إلى نتائج كارثية على الحياة اليومية والمعيشية للغزيين.

قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن قطع الاحتلال للاتصالات بشكل كامل ومتكرر يأتي بهدف التعتيم التقني، الساعي إلى إخفاء الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين في المناطق المنكوبة والمعزولة

استهداف متكرر

أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية أن الجيش الإسرائيلي استهدف، وللمرة الخامسة خلال أقل من شهرين، والعاشرة منذ اندلاع الحرب، البنية التحتية لمزودي خدمة الإنترنت، خاصة مغذيات الشبكة في مناطق الشمال والوسط، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات وخدمات الإنترنت عن كافة مناطق القطاع.

وخلال الأشهر الأخيرة، اتبع الاحتلال سياسة قصف تمديدات الإنترنت الداخلية، وأبراج الإرسال في مناطق مختلفة من قطاع غزة، قبل أن يلجأ إلى استهداف البنية التحتية الأساسية المزوِّدة للقطاع.

بدوره، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن قطع الاحتلال للاتصالات بشكل كامل ومتكرر يأتي بهدف التعتيم التقني، الساعي إلى إخفاء الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين في المناطق المنكوبة والمعزولة، ولمنع الإعلام من نقل الصورة الحقيقية، مشددًا على أن "كل لحظة صمت في شبكات الاتصال تمثل لحظة موت محتملة لأبرياء".

وعطَّل غياب الإنترنت العمل الصحفي بشكل شبه كامل، حيث عجز معظم الصحفيين عن إيصال الصورة لمؤسساتهم الإعلامية أو لمواقع التواصل الاجتماعي.

تدمير الاحتلال لشركة الاتصالات ومخزنها وأبراج الاتصال فيها وسط القطاع - محمد النعامي/الترا فلسطين
تدمير الاحتلال لشركة الاتصالات ومخزنها وأبراج الاتصال فيها وسط القطاع - محمد النعامي/الترا فلسطين

تعطُّل الأعمال

كما تسبب انقطاع الإنترنت في تعطُّل عمل آلاف الموظفين الذين يعملون عن بُعد، سواء في التسويق أو التجارة الإلكترونية أو البرمجة أو التعليم عن بُعد، وغيرها من الوظائف التي توفر دخلًا يمكن عائلاتهم من الصمود في ظل الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها القطاع.

ومن جانبه، قال المهندس محمد أيوب: "أعمل مع شركة برمجة في الخارج، وأحتاج للإنترنت على مدار الساعة، وبعد أن خسرت منزلي، هذا العمل هو الذي يمكنني من دفع إيجار شقة تؤوي عائلتي الكبيرة المكونة من 31 شخصًا، علمًا أن أسعار الإيجار باتت باهظة الثمن، وبعد توقف الإنترنت للمرة الأولى والانقطاع عن العمل، حصلت على إنذار من الشركة التي لم تتفهم ظرف غزة".

وأضاف في حديث لـ "الترا فلسطين": "مع الانقطاع المتكرر، أرسلت لي الشركة عبر البريد الإلكتروني رسالة تقضي بإنهاء التعاون، بحجة عدم الالتزام بإنجاز العمل في الوقت المحدد. خسرت مصدر رزقي الوحيد، الذي كان يؤوي ويطعم عائلتي، والآن لا أملك إيجار الشهر المقبل، وهذا يعني أننا سنعود للخيام".

وأوضح أيوب أنه خسر عدة فرص عمل مماثلة بسبب ظروف النزوح والانقطاع عن العمل وعدم توفر الإنترنت، وشدد على أن معظم الوظائف في غزة الآن بذات الشكل، وأن انقطاع الإنترنت يهدد استمرار العمل ومصادر الدخل.

اقرأ/ي: كيف يصل أهالي قطاع غزّة للإنترنت؟ وماذا يعني غيابه عن حياتهم؟

عائلات على نوافذ الانتظار في غزّة.. مفقودون في "مصائد المساعدات"

إيقاف الدراسة

وأدى استهداف الاحتلال للبنية التحتية للإنترنت إلى منع آلاف الطلبة من استكمال دراستهم على المنصات الإلكترونية، حيث يحاول العديد من الطلاب، وخصوصًا الطلبة الجامعيين، أن يجدوا بديلًا عن قطاع التعليم المدمَّر بالكامل في غزة، من خلال مؤسسات تعليمية أخرى تتيح خدماتها من خلال التعليم عن بُعد.

من جانبه، قال الطالب سالم أبو عايش، إن انقطاع الإنترنت تسبب في تعطيل حصوله على منحة دراسية كان يدرس لها منذ كانون الثاني/يناير الماضي، وكان قد بنى كل طموحاته على هذه المنحة، التي ستعوضه عن خسارته دراسته الجامعية في جامعات القطاع المدمرة.

وأضاف في حديث لـ "الترا فلسطين": "مع بداية الحرب توقفت دراستي الجامعية، وأنا أدرس الأدب الإنجليزي في سنتي الثالثة، ودُمِّرت جامعتي، الجامعة الإسلامية، وبعدها أُهدِر عامان من حياتي دون أي تقدم، لهذا قررت الالتحاق بجامعة في الخارج، ودرست لاجتياز اختبار القبول، ومن ثم أبدأ الدراسة عن بُعد، وعندما تفتح المعابر أكمل دراستي في الخارج. ولكن مع استهداف الاحتلال الدائم لخطوط الإنترنت، فاتني موعد اختبار القبول، ويجب أن أنتظر على الأقل سنة أخرى قبل تكرار هذا الامتحان، ولا أدري كم سنة أخرى يجب أن نهدر من حياتنا لتتاح لنا فرصة السعي لبناء مستقبل وحياة كريمة".

وشدد أبو عايش على أن المناطق الواقعة في الشق الشرقي لشارع صلاح الدين وسط القطاع هي المناطق الأسوأ من حيث الإنترنت، حيث تستمر الأعطال لفترات أطول بكثير من سائر المناطق، نتيجة القصف المدفعي، والاستهدافات المباشرة لعمال الصيانة ومخاوفهم من العمل في مثل هذه المناطق.

في كافة المناطق التي يجتاحها الاحتلال بريا، يعمل على تدمير البنية التحتية للاتصالات والكهرباء .. صورة حصرية (1)
في كافة المناطق التي يجتاحها الاحتلال بريًا يعمل على تدمير البنية التحتية للاتصالات والكهرباء- محمد النعامي/الترا فلسطين

مساهمة في الغلاء والمجاعة

وساهم انقطاع الإنترنت في زيادة الأوضاع المعيشية في غزة سوءًا، وكذلك كان له دور في زيادة الأسعار، حيث أدى إلى توقف خدمة الشراء عبر التطبيق البنكي عند معظم البائعين. أما التجار الذين يتمكنون من توفير الإنترنت من خلال شرائح إلكترونية أو شرائح غير فلسطينية، فقد قاموا بإضافة زيادة كبيرة على الأسعار المرتفعة أصلًا.

ومن جانبه، قال النازح وسط القطاع، عبد الرحيم سمعان، إن انقطاع الإنترنت سمح للتجار "بابتكار طرق جديدة للاحتكار والتضييق على الناس واستغلالهم"، حيث قاموا برفع أسعار البضائع بشكل هائل، لمن يريد الشراء عبر التطبيق البنكي، كونهم يمتلكون شرائح تتيح لهم خدمة الإنترنت لا يمتلكها معظم التجار الآخرين.

وأضاف في حديث لـ "الترا فلسطين": "ذهبت لسوق المغازي لأشتري بعض الخضار، ولا أملك سيولة مالية، وأشتري عادة من خلال التحويل عبر التطبيق البنكي. سألت التاجر: بكم كيلو البندورة؟ فرد عليّ بسؤال: تطبيق أو نقدي؟ فقلت بأني أنوي الشراء من خلال التطبيق، فأجابني: 80 شيكل سعر الكيلو. صُدمت وسألته: وكم من خلال الدفع نقدًا؟ فقال: بـ 55 شيكل. حينها احتججت على هذه الأسعار والاستغلال، فأشار إلى تاجر آخر يبيع الكيلو بـ 100 شيكل من خلال التطبيق، وقال لي: اشترِ من عنده إذا لم يعجبك سعري".

وتابع: "مع هذا التباين الكبير في الأسعار بين الدفع نقدًا أو من خلال التطبيق البنكي، في حال ذهب الشخص لتجار السيولة، وهي مهنة أوجدتها الحرب، حيث يحوّل المشتري مبلغًا ماليًا عبر التطبيق لحساب تاجر السيولة، ويعطيه الأخير مبلغًا نقديًا بعد أن يخصم منه نسبة متفق عليها. وقبل انقطاع الإنترنت، كانت هذه النسبة تتراوح ما بين 35% و40%. وبعد انقطاعه، ذهبت لأحد العاملين في هذا المجال، فطلب مني ما نسبته 60% من المبلغ الذي سأحوله، يعني في حال أرسلت له 1000 شيكل، فإن حصته 600 شيكل، وحصتي 400 شيكل نقدًا. بالنسبة لي، هذا دور يخدم الاحتلال ويساعده في خنق سكان غزة، ويجب أن يحصل تحرك شعبي ضد هؤلاء التجار"، وفق قوله.

وحتى بعد إصلاح خطوط الإنترنت مؤخرًا، عاود الاحتلال استهداف أبراج الاتصالات، ما أدى إلى ضعف كبير في خدمات الإنترنت والاتصالات، علمًا أن هناك مناطق واسعة في القطاع ما تزال تغيب فيها هذه الخدمات بشكل كامل، بفعل العدوان الإسرائيلي.