بيسان

غزيون يبيعون ما تبّقى من مقتنياتهم لمواجهة المجاعة

المصدر تقارير
غزيون يبيعون ما تبّقى من مقتنياتهم لمواجهة المجاعة
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

لم يترك الجوع خيارًا أمام النازحة الستينية رسمية أبو صلاح سوى بيع بعض ملابسها، وبعض الأدوات المنزلية التي تبّقت لها بعد تدمير منزلها في بلدة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة.

 المجاعة أجبرت الغزيين على خيارات صعبة للبقاء على قيد الحياة، كبيع مقتنياتهم وبعض ممتلكاتهم من أجل شراء الطعام والدواء وتدبّر شؤون حياتهم الأساسية.

رسمية (62 عامًا) امرأة مطلقة، تعيش بمفردها منذ سنوات طويلة، ولها ابن وحيد هاجر إلى أوروبا ولحقت به زوجته وأطفاله قبيل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وكان للحرب وقعها الشديد على هذه السيدة، التي وجدت نفسها وحيدةً في مواجهة الخوف والقلق والنزوح المتكرر من مكان إلى آخر. ومنذ نزوحها الأخير قبل نحو أسبوعين تقيم في مدرسة بيت المقدس الحكومية القريبة من مجمع ناصر الطبي غرب مدينة خانيونس.

"لوحدي أواجه الموت والمرض والجوع"، تقول أبو صلاح لـ "الترا فلسطين". وتروي بتأثر شديد تجربتها المريرة منذ اندلاع الحرب، واضطرارها للهرب بحثًا عن الأمان. 

النازحة رسمية أبو صلاح

ومن أجل توفير الحدّ الأدنى من احتياجاتها، تروي كيف أنها اضطرت إلى بيع أسطوانتي غاز منزلي فارغتين، وبعض ملابسها وأدوات مطبخ، وتشكو من ارتفاع أسعار الطحين والخضروات والمواد الغذائية الشحيحة في الأسواق.

وبالطبع، هذا ما يضطر إلى فعله معظم الغزيين نتيجة المجاعة المستشرية في القطاع، لاسيما بعد الحصار المشدد منذ 2 آذار/مارس الماضي.

خيارات قاسية

لا تتذكر أبو صلاح بدقة المبلغ الذي جنته من بيع مقتنياتها، هي تعرف فقط أنها أنفقته ولم تعد تملك سوى القليل من المال، الذي بالكاد يكفيها لشراء ما يُبقيها على قيد الحياة. وتتساءل "إذا طالت فترة الحصار وإغلاق المعابر كيف سأعيش؟".

وبحسب بيانات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن "مئات الآلاف في غزة يتضورون جوعًا، والناس تتساقط في الشوارع من شدة الجوع والإنهاك والأمراض".

وقد لاقت تجربة آلية توزيع المساعدات عبر مؤسسة أميركية، خلال الأيام الماضية، انتقادات واسعة من هيئات محلية ودولية، لما شابها من فوضى عارمة، وامتهان لكرامة المجوّعين في غزة الذين اضطروا للسير بضع كيلومترات وصولًا إلى مركز التوزيع في مدينة رفح، فيما لم يتمكن سوى عدد قليل منهم من الحصول على مساعدة إغاثية بسيطة. كما أن الاحتلال يواصل استهداف المواطنين بالنار قرب نقاط توزيع المساعدات في رفح وفي محور نتساريم.

وترفض الأونروا وهيئات محلية ودولية أخرى هذه الآلية، وتتمسك بضرورة فتح المعابر، والسماح بإدخال 500 شاحنة يوميًا من المساعدات الإغاثية والوقود من أجل التعافي، وتجاوز مخاطر المجاعة.

وألقى الحصار بظلاله الثقيلة على أسواق القطاع، حيث تشهد أسعار الخضروات والمواد الغذائية الشحيحة، ارتفاعًا غير مسبوق، لا تقوى عليها الأغلبية من الغزيين، ممن فتكت بهم الحرب المستعرة، وتقول أبو صلاح إنها لم تعايش طوال حياتها فترة أصعب من هذه الحرب وخاصة الفترة الحالية. وبسخرية ممزوجة بقهر بدت في نبرة صوتها وهي تتساءل: "هل يعقل أن صحن من سلطة البندورة والخضار يكلفني 20 شيقلًا؟".

أنياب المرض والجوع

وفي صف مجاور للنازحة أبو صلاح في المدرسة ذاتها، تقيم آمنة الصرفندي مع عائلتها (9 أفراد)، وهي آخر محطات نزوحهم المتكرر منذ مغادرتهم مدينة رفح جنوب القطاع على وقع الاجتياح الإسرائيلي للمدينة في 6 أيار/مايو من العام الماضي.

تعاني الصرفندي (61 عامًا) من أمراض مزمنة، وخسرت نحو 26 كيلوغراما من وزنها خلال شهور قليلة، وتقول لـ "الترا فلسطين": "الاحتلال يقتلنا بالقصف والتجويع ومنع الطعام والدواء عنا، واللصوص والتجار يساعدوه بسرقة المساعدات وغلاء الأسعار".

النازحة آمنة الصرفندي

وتشكو هذه النازحة مما تصفها "الأسعار المجنونة" للخضروات، وقد اضطرت لبيع جزءٍ من مقتنياتها المنزلية بمبلغ 300 شيكل، لم تكفِ إلا لشراء دوائها، والقليل من الخضروات التي تناولتها مع عائلتها في وجبة واحدة.

وبحزن شديد تتحدث هذه المسنة المريضة عن اضطرارها أيضًا لبيع عباءتين من ملابسها القليلة، وتؤكد أنها لم تعد تمتلك شيئًا لتبيعه.

نزوح وجوع

وخلال الشهور الثلاثة الماضية اعتاد أحمد أبو إسحاق، وهو أب ثلاثيني يعيل 5 أفراد، على بيع مقتنيات وممتلكات منزلية، لمواجهة الظروف المعيشية القاسية ولتدبر احتياجات أسرته الأساسية.

يقيم أبو إسحاق مع أسرته في مركز إيواء داخل مدرسة حكومية غرب مدينة خانيونس، منذ نزوحه العاشر من بلدة بني سهيلا. وقبل يومين اضطر إلى بيع غطاء من أغطية قليلة يمتلكها من أجل إطعام أطفاله، وأصغرهم رضيع في شهره الثاني، ويقول إنه باع سابقًا دراجته الهوائية، لشراء الطحين وإعداد الخبز، والحليب لرضيعه.

وبلغ سعر كيلو الطحين نحو 100 شيكل، وأغلبية المعروض منه في الأسواق حاليًا هي كميات استولى عليها لصوص اعترضوا طريق شاحنات المساعدات أو بالسطو على مخازن منظمات دولية.

النازح أحمد أبو اسحق

ويقول أبو إسحاق إن سعر كيس الدقيق زنة 25 كيلوغرامًا لا يزيد عن 30 شيكلًا في الوقت الطبيعي، وهو أساسًا منحة مجانية مقدمة من الأونروا للاجئين، فيما وصل سعره لأكثر من 3000 شيكل في السوق السوداء.

ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة لـ "الترا فلسطين" إن الاحتلال يتبنى مشروعًا خبيثًا لهندسة الجوع، واستخدام المجاعة بشكل ممنهج من أجل تفكيك المجتمع الفلسطيني، ولتحقيق أهداف أمنية وسياسية.

ويراهن المسؤول الحكومي على وعي الغزيين، رغم قساوة الظروف التي تحيط بهم، من أجل إفشال مخططات الاحتلال، وفي الوقت نفسه حث المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال وفتح المعابر بشكل عاجل ومن دون قيود، وتمكين المنظمات الإنسانية من أداء مهامها، بعيدًا عن تدخل الاحتلال وأجنداته.