أكد تقريرٌ لوكالة أسوشييتد برس، أن جنود الاحتلال استخدموا بشكل منهجي مدنيين فلسطينيين كدروع بشرية، حيث يرسلونهم إلى المباني والأنفاق للتحقق من وجود متفجرات أو مقاتلين قبل اقتحامها، وقد أصبحت هذه السياسة منتشرة في كل مكان من قطاع غزة على مدار 19 شهرًا من الحرب.
قال مسعود أبو سعيد إنه أثناء استخدامه كدرع في إحدى "العمليات"، اصطدم بشقيقه الذي استخدمته وحدةٌ أخرى كدرع وتعانقا
واستندت أسوشييتد برس في تقريرها الذي نُشر يوم السبت إلى شهادات ثلاثة جنود إسرائيليين وسبعة مدنيين فلسطينيين، بينهم سيدة، تم استخدامهم كدروع بشرية.
أحد هؤلاء الضحايا هو أيمن أبو حمدان (36 عامًا)، الذي أجبره الجنود على ارتداء زي الجيش مع كاميرا مثبتة على جبهته، وأدخلوه إلى منازل في شمال غزة للتأكد من خلوها من القنابل والمقاتلين، وقد تكرر ذلك على مدار أسبوعين ونصف في شهر آب/أغسطس 2024.
يقول أيمن: "ضربوني وقالوا لي ليس لديك خيارٌ آخر، افعل هذا أو سنقتلك". ويوضح أن الجنود كانوا يقفون خلفه ويدخلون المباني بمجرد أن تتضح لهم خلو المنازل أو الحفر المشتبه بأنها أنفاق.
وأضاف أنه كان يقضي كل ليلة مقيدًا في غرفة مظلمة، ليستيقظ في اليوم التالي ويقوم بالعمل ذاته مرة أخرى.
ونقلت أسوشييتد برس شهادة مدني آخر تم استخدامه كدرع بشري لمدة أسبوعين في آذار/مارس 2024 في خان يونس، وهو مسعود أبو سعيد (36 عامًا)، الذي قال إنه أجبر على دخول المنازل والمباني والحفر المشتبه بها كأنفاق، حيث كان يرتدي سترة لتسهيل تعرف الجنود عليه، ويحمل هاتفًا ومطرقة وقاطع سلاسل.
وقال مسعود أبو سعيد إنه خلال إحدى "العمليات"، اصطدم بشقيقه الذي استخدمته وحدة أخرى كدرع وتعانقا، وأضاف: "ظننت أن الجيش الإسرائيلي قد أعدمه".
ويؤكد التقرير أن استخدام المدنيين كدروع بشرية لا يقتصر على قطاع غزة بل تم تنفيذه في الضفة الغربية أيضًا، كما حدث مع السيدة هزار استيني في مخيم جنين خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حيث اقتحم الجنود منزلها وأجبروها على التصوير داخل عدة شقق قبل دخول القوات إليها.
وأوضحت، أنها توسلت للجنود للسماح لها بالعودة إلى ابنها، لكنهم لم يستمعوا لها. وقالت: "كنت خائفة للغاية من أن يقتلوني، وأنني لن أرى ابني مرة أخرى".
الأوامر تأتي من أعلى
وقال ضابط إسرائيلي، لم يُكشف عن هويته، إن الأوامر بتنفيذ سياسة الدروع البشرية غالبًا ما تأتي من الأعلى، وفي بعض الأحيان كانت كل فصيلة تقريبًا تستخدم فلسطينيًا لتطهير المواقع.
قادة الجيش الإسرائيلي يعلمون باستخدام الدروع البشرية وبعضهم أصدر أوامر بذلك، وقد أكد ضابطٌ رفيع المستوى للجنود أن عليهم أن لا يقلقوا بشأن القانون الإنساني الدولي
وأشارت الوكالة إلى أن جماعات حقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر، قائلة إن هذه الممارسة أصبحت إجراءً معتادًا يستخدم بشكل متزايد في الحرب.
وجمعت منظمة "كسر الصمت" -وهي مجموعة من الجنود الإسرائيليين السابقين- شهادات من داخل الجيش حول سياسة استخدام المدنيين دروعًا بشرية. وقال نداف فايمان، المدير التنفيذي للمنظمة: "هذه ليست روايات معزولة؛ إنها تشير إلى فشل منهجي وانهيار أخلاقي مروع"، مشيرًا إلى أن إسرائيل التي تواصل اتهام حماس بأنها تستخدم المدنيين كدروع بشرية، يفعل جنودها الشيء ذاته.
وتقول الجماعات الحقوقية إن إسرائيل تستخدم الفلسطينيين كدروع بشرية في غزة والضفة الغربية منذ عقود. وقد حظرت المحكمة العليا هذه الممارسة في عام 2005. لكن المنظمات استمرت في توثيق الانتهاكات.
"بروتوكول البعوض"
ونقلت أسوشييتد برس شهادات لجنديين تحدثا لها، وجندي ثالث قدم شهادته لمنظمة "كسر الصمت"، الذين أكدوا أن القادة في الجيش كانوا على علم باستخدام الدروع البشرية وتسامحوا مع هذه السياسة، بل إن بعضهم أصدر أوامر بذلك. وأوضح الجنود أنهم كانوا يشيرون إلى هذه السياسة باسم "بروتوكول البعوض"، ويشيرون إلى الفلسطينيين المستخدمين كدروع بشرية باسم "الدبابير" أو "البعوض" وغيرها من المصطلحات المهينة للإنسانية.
وأضاف الجنود، أن هذه السياسة سرَّعت من وتيرة العمليات، ووفرت الذخيرة، وجنبت الكلاب العسكرية التابعة للجيش الإصابة أو الموت.
وأوضح الجنود، أنهم علموا لأول مرة باستخدام الدروع البشرية بعد فترة وجيزة من إطلاق إسرائيل حربها على غزة، وانتشرت هذه الممارسة على نطاق واسع بحلول منتصف عام 2024، حيث كانت تأتي الأمور "بإحضار بعوضة" عبر أجهزة اللاسلكي، وهي عبارة مختصرة يفهمها الجميع.
وقال أحد الجنود، إنه بحلول نهاية الأشهر التسعة التي قضاها في غزة، كانت كل وحدة مشاة تستخدم فلسطينيًا لإخلاء المنازل قبل دخولها. وأضاف: "بمجرد أن بدأت هذه الفكرة، انتشرت كالنار في الهشيم".
وأشار إلى اجتماع في عام 2024 قدم خلاله قائد لواء في الجيش الإسرائيلي لضابط يقود فرقة تابعة للواء ذاته شريحة مكتوب عليها "أحضروا بعوضة"، واقتراحًا بأن "يصطادوا واحدة من الشوارع".
استشهاد مدنيين أثناء استخدامهم "دروعًا بشرية"
وبيَّن الجندي، في شهادته لوكالة أسوشييتد برس"، أن ضابطًا كتب تقريرين عن حادثين لقائد اللواء يوضحان بالتفصيل استخدام الدروع البشرية، وتحدث في أحدهما عن استشهاد فلسطيني "بالخطأ" أثناء استخدامه كدرع، حيث أطلق الجنود الرصاص عليه بينما كان يركض في المنزل. وعلى أثر ذلك، أوصى الضابط أن يرتدي الفلسطينيون ملابس الجيش لتجنب الخطأ في التعرف عليهم.
وأكد أنه يعرف فلسطينيًا واحدًا آخر على الأقل قُتل أثناء استخدامه كدرع، وذلك بعدما أغمي عليه في أحد الأنفاق.
الجنود قتلوا أحد المدنيين نتيجة تشخيص خاطئ أثناء استخدامه كدرع بشري، بينما استُشهد آخر بعدما أغمي عليه في أحد الأنفاق
بينما أوضح جنديٌ برتبة رقيب، من الجنود الذين تحدثوا لأسوشييتد برس، أن وحدته حاولت رفض استخدام الدروع البشرية في منتصف عام 2024، لكن قيل لهم إنه لا خيار أمامهم، وأكد لهم ضابط رفيع المستوى إنه لا ينبغي أن يقلقوا بشأن القانون الإنساني الدولي.
وأشار الرقيب إلى أن القوات استخدمت صبيًا (16 عامًا) وشابًا (30 عامًا) كدرعين بشريين لبضعة أيام، مبينًا أن الصبي كان يرتجف باستمرار، وبدا أنه يتوسل من أجل إطلاق سراحه.