بيسان

حفاة وفي ملعب مدمر.. أطفال غزة لم تمنعهم الحرب عن كرة القدم

المصدر تقارير
حفاة وفي ملعب مدمر.. أطفال غزة لم تمنعهم الحرب عن كرة القدم
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

على وقع انفجارات تنخلع منها القلوب، وتعبث بخيام النازحين، ويهتز على إثرها ما تبقى من منازل في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يتناقل "الكابتن" شريف اهليل وعدد من الفتية والشبان الكرة فيما بينهم، ومع كل تسديدةٍ للكرة يركلون  الخوف، ويتشبثون بأمل النجاة من حرب دموية مستعرة.

لم تكن الملاعب هي العقبة الوحيدة أمام شريف اهليل، الذي بذل جهودًا كبيرة وتكاليف باهظة من أجل توفير الكرات ومعدات رياضية للعب والتدريب، حتى أن الملعب كان بلا مرمى في الجهتين

شريف اهليل (35 عامًا) لاعب كرة قدم معتزل، أسس في العام 2016، أكاديمية ماستر الرياضية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وقد تعرضت للتدمير الكلي وتحولت لأثر بعد عين، بعد اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي للمدينة في 6 أيار/مايو من العام الماضي.

مُسِحَت أكاديمية ماستر الرياضية -في مخيم يبنا للاجئين المتاخم للحدود مع مصر- عن الوجود، ويقول اهليل لـ "الترا فلسطين" إن الأكاديمية كانت ترعى مئات الأطفال والشبان، الملتحقين بأربع ألعاب، وهي: كرم القدم، وتنس الطاولة، وكرة الطائرة، وفنون الدفاع عن النفس. 

ورغم خسارته الفادحة، فإن شريف اهليل بعد النزوح من مدينة رفح نحو مدينة خان يونس المجاورة، عشية الاجتياح، قرر استئناف نشاطه في تدريب كرة القدم، لكن لم يكن الأمر سهلاً، فالملاعب والمنشآت الرياضية طالها دمار واسع، جراء استهدافها المباشر بالقصف والتجريف منذ اللحظة الأولى لإطلاق إسرائيل حرب الإبادة على قطاع غزة.

اختار شريف اهليل ملعبًا لكرة القدم الخماسية قرب مجمع ناصر الطبي، كان مُعشَّبًا، قبل أن تحوله آليات الاحتلال إلى "خرابة" بعد اجتياحها مدينة خان يونس أواخر العام 2023. يقول اهليل: "الدمار نزع العشب من أرضية هذا الملعب، وكان الركام يغطي أرضيته، وحوله نازحون إلى ما يشبه مكب نفايات، ولكن لم يكن أمامنا أي خيار سوى استصلاحه وإعادته للحياة مرة أخرى".

واختار شريف اهليل ملعبًا آخر في بلدة عبسان الكبيرة شرق المدينة، وحصل على موافقة ملاكها من أجل استصلاحها وبث روح كرة القدم فيها، ونجح في ذلك، حتى أخرج جيش الاحتلال ملعب عبسان عن الخدمة، بعد أوامر الإخلاء التي أجبرت بها سكان "البلدات الشرقية" على النزوح نحو عمق المدينة وغربها.

لم تكن الملاعب هي العقبة الوحيدة أمام اهليل، الذي بذل جهودًا كبيرة وتكاليف باهظة من أجل توفير الكرات ومعدات رياضية للعب والتدريب، حتى أن الملعب كان بلا مرمى في الجهتين.

صدمت الأسعار الباهظة اهليل، غير أن الخيارات كانت أمامه محدودة، فاضطر لشراء ملابس التدريب بثلاثة أضعاف ثمنها الطبيعي، إذ دفع نحو 100 شيكل للقطعة الواحدة بعدما كان ثمنها قبل الحرب لا يتجاوز 30 شيكلا، واشترى الكرة بسعر 180 شيكل بعدما كان سعرها 70 شيكل قبل اندلاع الحرب.

بلا أحذية وفي ملعب مدمر.. أطفال من غزة لم تمنعهم الحرب من كرة القدم

دعم نفسي

"كل شيء بيهون أمام رؤية صيحات الفرح وأقدام اللاعبين تداعب كرة القدم وتتناقلها، وهم يتعانقون بعد كل هدف"، يقول شريف اهليل. ويضيف: "ولكن في زمن الحرب لا تأتي الأمور دائمًا كما تخطط لها، وعلينا أن نتوقع الأسوأ".

ويوضح اهليل أنهم استأنفوا النشاط الرياضي لفئة البراعم من مواليد العام 2011 وحتى العام 2015، بنحو 80 لاعبًا، قبل أن ينخفض هذا العدد لنحو النصف، بسبب خشية الأهالي على أبنائهم، إثر استئناف جيش الاحتلال الحرب في 18 آذار/مارس الماضي.

ويضيف: "في فئة الشباب كان لدينا 30 لاعبًا من مواليد العام 2008 وحتى 2010، وغالبية اللاعبين من البراعم والشباب هم من النازحين، وأكثرهم يعانون من أوضاع بائسة، ناجمة عن تداعيات الحرب والحصار والمجاعة والنزوح".

 وكأحد دوافعه لاستئناف النشاط الرياضي، يبرز اهليل أهمية الرياضة ودورها في الدعم والتفريغ النفسي، وتحافظ على إرادة الحياة لدى لاعبين لديهم أحلام كبيرة باحتراف كرة القدم في المستقبل.

رياضة بلا أحذية

فارس خلف الله (14 عامًا) أحد اللاعبين الذين يدربهم اهليل، وجدناه مرتديًا في قدميه "جرابين" بدل الحذاء الرياضي الذي لم يستطيع توفيره في الحرب. ويقول إن هذا تسبَّب في تمزيق قدميه، وإصابته بجروح مؤلمة، نتيجة اللعب في ملعب مليء ببقايا الحجارة ومخلفات التدمير الإسرائيلي.

بلا أحذية وفي ملعب مدمر.. أطفال من غزة لم تمنعهم الحرب من كرة القدم

ومثله زميله الطفل كريم معوض (10 أعوام)، الذي يضطر خلال النهار لتوفير المياه لأسرته، والوقوف في طابور طويل أمام تكية خيرية للحصول على القليل من الطعام، قبل أن يتفرغ عصرًا لممارسة لعبته المفضلة كرة القدم.

وانقلبت حياة كريم معوض رأسًا على عقب بفعل الحرب، إذ خسر ملابسه الرياضية تحت أنقاض منزله المدمر، إضافة للدمار الذي لحق بنادي الأمل، الذي كان يلعب له. ويقول: "الحرب غيرت كل حاجة، ودمرت أحلامنا، وما في أكل وشرب يساعدنا على اللعب وبناء أجسامنا".