عادت أزمة السرقات المنظمة عبر عصابات مسلّحة إلى الواجهة في قطاع غزة، في خضم مجاعة متصاعدة وانتهاء مخزونات الأغذية والمساعدات. إذ شهد الأسبوع الماضي عشرات عمليات السطو التي استهدفت مخازن تابعة لمؤسسات دولية، ومنشآت اقتصادية حيوية.
وتتشابه عمليات السطو مع ما جرى خلال العام الماضي، سواء في مطلعه بمناطق غرب غزة وبيت لاهيا، أو في شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر في خانيونس ورفح، اللتين شهدتا أوسع عمليات سطو على المساعدات في مناطق كانت تخضع لسيطرة جيش الاحتلال، فيما تعرضت شاحنات المساعدات من المؤسسات الأممية إلى الاعتداء.
غالبية عمليات السرقة مؤخرًا لم تعد تقتصر على مخازن المساعدات، بل طالت مطاعم وتكايا، كان أبرزها سرقة مطعم فندق الموفنبيك في غزة، والذي يوزّع وجبات يومية للمستشفيات
وسبق أن كشفت تغطية سابقة لـ"الترا فلسطين" عن محاولات إسرائيلية لإدارة القطاع عبر العشائر، مدخلها السيطرة على المساعدات، إضافة إلى تفاصيل حول نشاط عصابات سرقة كانت تتحرك في مناطق سيطرة جيش الاحتلال، خاصة في رفح.
وفي تطور جديد، استهدفت قوات الاحتلال مساء الجمعة الماضية عناصر أمن مكلفين بتأمين المساعدات في شارع الثورة غرب غزة. ويروي مصدر من الفصائل لـ"الترا فلسطين" تفاصيل الحادثة، قائلًا: "وردت إشارات تفيد بوجود لصوص في المنطقة، وعندما وصل أفراد الأمن بعد صلاة العشاء ولاحقوا اللصوص، فرّوا من المكان، وتفرقوا بين النازحين ومنازلهم، مما جعل رصدهم ليلًا أمرًا بالغ الصعوبة".
ووفقًا للمصدر، في هذه الأثناء، نفّذت طائرات مُسيّرة إسرائيلية ثلاث غارات جوية أثناء عودة عناصر الأمن إلى شارع الثورة، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى، تلاها عودة اللصوص إلى المنطقة.
وسبق هذا الحادث قصف قوات الاحتلال مركزين للشرطة، الأول في مطلع نيسان/أبريل بمدينة دير البلح، والثاني في 24 من الشهر نفسه في سوق جباليا البلد، بالتزامن مع ملاحقة قوات الأمن للّصوص والمشتبه بهم في قضايا جنائية.
وأشار المصدر إلى أن التطورات الأخيرة دفعت لجان الحماية والأجهزة الأمنية إلى تغيير أسلوب عملها في التعامل مع العصابات المسلحة، موضحًا: "تقرر إطلاق النار عليهم حال تشكيلهم خطرًا على حياة عناصر الأمن، خاصة أن هذه المجموعات من اللصوص تتنقل وتنفيذ عمليات السطو، وهي تحمل أسلحة".
اقرأ/ي: خاصّ | "لصوص المساعدات".. تفاصيل ما يحدث في قطاع غزة
خاصّ | مكتب الإعلام الحكومي بغزة: وضعنا خططًا للقضاء على عصابات سرقة المساعدات
الغارديان: هذه تفاصيل أكبر عملية سرقة مساعدات في جنوب قطاع غزة
وأضاف أن "ثلاث عائلات معروفة من مدينة غزة، وعائلتين من بيت حانون وأخرى من جباليا البلد، تنشط في أعمال السرقة، مستغلّين صعوبة حركة فرق الحماية وتأمين المساعدات". وشدد على أن هذه الأعمال "لا تعبّر عن حاجة للطعام أو الشراب"، مضيفًا: "من يحمل سلاحًا تبلغ قيمته مع الرصاص أكثر من 35 ألف دولار، لا يحتاج إلى طعام، بقدر ما يهدف إلى التخريب وتسريع حالة المجاعة المتفشية".
وأوضح أن غالبية عمليات السرقة مؤخرًا لم تعد تقتصر على مخازن المساعدات، بل طالت مطاعم وتكايا، كان أبرزها سرقة مطعم فندق الموفنبيك في غزة، والذي يوزّع وجبات يومية للمستشفيات. وتابع: "سرق كل شيء بمطعم الموفنبيك حتى الطناجر والأواني وأنابيب الغاز الفارغة، ما يعني أن هذا السلوك لا يعبر عن حاجة للطعام، بل عن ضرب آخر وسيلة تدفع الناس للصمود".
"الفوضى أداة"
من جانبه، قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، لـ"الترا فلسطين": "لدينا أدلة موثقة واعترافات صريحة تم الحصول عليها من خلال التحقيقات الأمنية الجارية، تؤكد أن بعض العصابات التي قُبض عليها سابقًا كانت على تواصل مباشر مع جهات أمنية إسرائيلية، وتلقّت توجيهات واضحة بإثارة الفوضى وتنفيذ عمليات سطو مسلح وترويع الآمنين. كما لدينا معلومات تفيد بأن أجهزة الاحتلال الإسرائيلي تدير خلايا نائمة وعصابات مأجورة داخل القطاع، ويحرّكها وفق خطة تتماشى مع الأهداف العسكرية الميدانية، بما يشكل تنسيقًا مفضوحًا بين الطيران الحربي والعصابات على الأرض".
وبخصوص آلية تعامل الجهات الأمنية مع هذه العصابات، أوضح الثوابتة أن: "الأجهزة الأمنية والشرطية ستضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن الناس أو التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي. وقد تم خلال الأيام الأخيرة تنفيذ حكم الإعدام الثوري بحق 6 من كبار المجرمين بعد ثبوت تواطؤهم وضلوعهم في زعزعة الأمن، وكذلك إصابة 13 آخرين في عمليات ميدانية هادفة إلى تفكيك هذه الشبكات الإجرامية، إضافة إلى فرض حظر تجوال جزئي في بعض المناطق الحساسة لمنع تنفيذ عمليات سطو".
واعتبر الثوابتة أن الاحتلال يسعى إلى نشر الفوضى ضمن استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تفكيك الجبهة الداخلية، وزعزعة تماسك المجتمع الفلسطيني، وخلق بيئة داخلية يسهل اختراقها. وأضاف: "الفوضى ليست هدفاً بحد ذاتها، بل أداة يستخدمها الاحتلال لحرف الأنظار عن الجريمة الكبرى التي يرتكبها بحقهم، مثل الإبادة الجماعية والتجويع، وهذا يعني أن تزامن الفوضى مع تصعيد الاستهدافات الجوية، كأن الاحتلال يسعى لإشغال الناس بين نار القصف ونار الفوضى الداخلية".
وأشار الثوابتة إلى أن أكثر من 750 عنصرًا من الشرطة وقوى تأمين المساعدات استشهدوا منذ بدء الحرب على غزة، خلال أكثر من 160 عملية قصف استهدفتهم أثناء أداء مهامهم في تأمين المساعدات وملاحقة عصابات السرقة.
بدورها، دعت الهيئة العليا لشؤون العشائر في قطاع غزة إلى "رفع الغطاء العائلي عن كل من يثبت تورطه في أعمال السرقة أو نهب المساعدات الإنسانية". مضيفةً: "هذه الأفعال الآثمة تلتقي مع أهداف الاحتلال، وتخدم مخططاته في ضرب وحدة المجتمع الفلسطيني وبث الفوضى وغياب العدالة، وهو ما يتطلب منا جميعًا وقفة حازمة ومسؤولة".
29 منظمة تكشف أن الاحتلال يشجع على نهب شاحنات المساعدات، فيما علم "الترا فلسطين" أن الأجهزة الأمنية في قطاع غزة بدأت العمل على خطة أمنية لملاحقة اللصوص ممن يسرقون المساعدات بالتواطؤ مع "إسرائيل". pic.twitter.com/uAb8bfiBVW
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) November 17, 2024
استهداف متكرر وتحذيرات من الداخلية
وفي يوم الجمعة الماضي بعد الغارة الإسرائيلية على عناصر الأمن، قال قيادي في الفصائل الفلسطينية، في تصريحات لـ"التلفزيون العربي"، إن الاحتلال الإسرائيلي يقف خلف محاولات نشر الفوضى في قطاع غزة، عبر تشغيل "عملائه وتحريك مجموعات مسلحة لنهب ما تبقى من المواد الغذائية من مخازن المؤسسات الدولية".
وأكد القيادي أن الاحتلال يسعى لتأجيج الوضع الداخلي ودفع القطاع نحو مربع الفلتان الأمني، ضمن خطة تهدف إلى تشديد المجاعة وزيادة الضغط على المواطنين، محذرًا من أن حماس تتابع التطورات عبر أجهزتها الأمنية وستتخذ إجراءات رادعة خلال الأيام المقبلة. كما دعا العائلات الفلسطينية إلى رفض كل من يثبت تورطه في هذه المخططات "انطلاقًا من المسؤولية الوطنية".
من جهتها، أصدرت وزارة الداخلية في غزة بيانًا شديد اللهجة، أكدت فيه أنها "لن تسمح لعملاء الاحتلال بتهديد أمن المواطنين"، متهمة من وصفتهم بـ"فئة من عملاء الاحتلال والخارجين عن القانون" باستغلال الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع لخلق الفوضى، والاعتداء على الممتلكات، وتعريض حياة المدنيين للخطر.
وأوضحت الوزارة أن أجهزتها الأمنية باشرت حملة ميدانية لملاحقة المتورطين، مؤكدة أنها ستضرب "بيد من حديد" لردع أي محاولة لترويع المواطنين، رغم "الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لقوات الشرطة".
واعتبرت الوزارة أن هذه التحركات تهدف إلى ضرب الجبهة الداخلية وتقويض صمود الشعب الفلسطيني، مشيدة بتعاون العائلات مع الأجهزة الأمنية وداعية إلى تعزيز الوحدة المجتمعية في مواجهة ما وصفته بـ"المؤامرات".