في قليل من الترقب، يُنظر إلى اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي سيُعقد في رام الله، يومي الأربعاء والخميس، على خلفية إعلان الرئيس الفلسطيني، قبل حوالي شهر، عن طرح استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين.
ورغم أن جدول أعمال اجتماع المجلس المركزي توسّع ليشمل عدة بنود، إلا أن البند الأساسي والمهيمن، الذي سيُترك للجلسة الأخيرة من الاجتماع، هو استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية، دون اختيار الشخصية، كما تتجه الترجيحات. وتأتي أهمية اجتماع المجلس المركزي من كون المجلس الوطني، الهيئة التشريعية الأساسية في منظمة التحرير، قد فوّض صلاحياته أو بعضها إليه، ما يعني أن المجلس المركزي سيعمل على تعديل النظام الأساسي للمجلس الوطني، من أجل استحداث المنصب.
رغم توسيع جدول أعمال اجتماع المجلس المركزي توسّع ليشمل عدة بنود، إلا أن البند الأساسي والمهيمن، الذي سيُترك للجلسة الأخيرة من الاجتماع، هو استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية
وعلى مدار الأيام الماضية، خاضت لجنة حوار شكلها الرئيس الفلسطيني، حوارات مع فصائل في منظمة التحرير لبحث مشاركتها في الاجتماع. ووفق ما علم "الترا فلسطين"، فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قررت عدم الحضور، وكذلك المبادرة الوطنية الفلسطينية، بينما تُشكك الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في ضرورة وأهمية استحداث منصب نائب الرئيس، أما حزب الشعب الفلسطيني فقد "نصح" بعدم طرح هذا الموضوع في الاجتماع.
لكن الاجتماع، بحسب تصريحات الفصائل الفلسطينية، وما صدر عن قيادات في حركة فتح، يرتكز على قضية استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ودولة فلسطين. وهي قضية "إشكالية"، ولا يُنظر لها باعتبارها أولوية، في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتصاعد العدوان في الضفة، بالإضافة للحاجة إلى "إصلاح" ودمقرطة منظمة التحرير.
ليس أولوية
وحول هذه القضية، قالت عضوة المجلس المركزي لمنظمة التحرير، ريما كتانة-نزال، والتي قاطعت الدورة السابقة للمجلس المركزي، إن "عقد اجتماع للمجلس المركزي أمر مهم، لولا أنه أحيط منذ بداية الدعوة للدورة، ببعض الشكوك والاعتبارات، خاصة ما أُعلن عن استحداث منصب نائب الرئيس. ورغم أنه تم إصلاح الأمر ووضع جدول أعمال، إلا أن هذه القضية بقيت مهيمنة على الأجواء، وأن الدافع هو استحداث واختيار نائب رئيس، رغم أن هذه ليست أولوية فلسطينية. ربما هي أولوية إقليمية أو دولية، أو ما يندرج في إطار تجديد السلطة، لكنها قضية إشكالية".
وعن الأولويات، أوضحت ريما كتانة-نزال أن "أولويات الشعب الفلسطيني لا ترتبط بما سبق، وهي بعيدة جدًا عن مسألة استحداث منصب نائب رئيس. فالمجتمع الفلسطيني لا يعتبر هذه المسألة أولوية".
وأضافت: "أولويات الشعب الفلسطيني، الآن وبشكل رئيسي، هي قطاع غزة، ومواجهة حرب الإبادة، والعمل بكل السبل من أجل وقف إطلاق النار، ودخول المساعدات، وإنقاذ الناس، ووقف عملية التهجير والنزوح، وكل المعاناة التي تحدث في قطاع غزة من أعمال الإبادة. وأي أفكار حول انسحاب الاحتلال وكسر الحصار الذي يعاني منه القطاع منذ زمن، تتفاقم الآن مع تجويع حقيقي يعاني منه مليونا غزّي".
كما تطرقت إلى الضفة الغربية، بالقول: "لا بد أيضًا أن تكون الأولوية للضفة الغربية، من السيادة إلى عمليات الضم ومصادرة الأراضي. وقبل أيام، رأينا أن رئيس الوزراء لم تكن لديه حرية الحركة، وهذه سياسة، لها علاقة بأن السيادة صارت لدولة الاحتلال. وهذه هي الأولويات التي كان من البداية يجب أن تُعلن".

وفي سياق آخر، أكدت نزال أن الأولوية كما يراها الشعب الفلسطيني، هي "إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وليس فقط عقد اجتماع. والإصلاح يُملي علينا التوجه لإدخال قوى فلسطينية رئيسية غير منضوية في المنظمة، وتوحيد المجتمع الفلسطيني والنظام السياسي الفلسطيني، وليس المزيد من تكريس إقصاء قوى رئيسية عن عضوية منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد. وأيضًا دمقرطة المنظمة، وتفعيلها وتعزيز مكانتها في المجتمع الفلسطيني وعلى المستوى الدولي".
وأشارت إلى أنه "رغم وضع الإصلاح على جدول أعمال اجتماع المركزي، إلا أن قضية نائب الرئيس بقيت مهيمنة، كاستحقاق ربما يكون خارجيًا، وليس داخليًا ضمن أولويات الناس"، مضيفة: "هناك أولويات سياسية وتنظيمية، وهذه هي الأهداف الحقيقية التي نحن بحاجة لها في هذه المرحلة، من توحيد منظمة التحرير عبر ضم أعضاء جدد، إلى توحيد النظام السياسي الفلسطيني".
أما عن أعضاء المجلس المركزي، فقد قالت عضوة المجلس الوطني والمجلس المركزي: "ليس من الأولوية إغراق المجلس المركزي بالمزيد من الأعضاء. نحن نسمع يوميًا عن زيادة أعضاء المجلس المركزي، وربما يكونون من المجلس الوطني، ولكن هذا أيضًا بحاجة إلى تصويت، ونسمع عن أعضاء جدد ليسوا من ضمن أعضاء المجلس الوطني. إذ أن أعضاء المجلس المركزي يفترض أن يكونوا من أعضاء المجلس الوطني. وبدلًا من تخفيف المشاكل والأزمات، تضاف أزمة جديدة، لها علاقة بزيادة الأعضاء، وهذا سؤال مفتوح بدون جواب، في ظل مسألة الإمساك بقرار المنظمة وضمان أن القرار ممسوك به أصلًا، بسبب تعويم المجلس الوطني في حزب السلطة وبعض الجهات المستقطبة".
وبخصوص أعضاء المجلس المركزي وعدم وضوح الأعداد فيه، قالت السياسية الفلسطينية ريما كتانة-نزال: "ليس واضحًا لنا جميعًا. أنا شخصيًا في آب/أغسطس 2022، أجريت اتصالًا مع مكتب المجلس الوطني، لأحصل على الأعداد ومعرفة تمثيل المرأة في المجلس، وفي حينها كان عدد الأعضاء 180 عضوًا وعضوة، منهم 43 سيدة، بما نسبته 23%، أي أنها لم تصل إلى نسبة 30% التي هي قرار المجلس الوطني والمركزي. وقرارات المجالس الوطنية والمركزية لم تُطبّق، وتطبيقها انتقائي". مضيفة: "حسب آخر رقم سمعنا عنه، فإن هناك زيادة في أعضاء المجلس المركزي إلى 240 عضوًا".
وحول خطوة استحداث منصب نائب الرئيس وتأثيرها على إمكانية إصلاح المنظمة، قالت: "التحركات الأخيرة تُنتج المزيد من الأزمات، والوضع الفلسطيني بكامله مأزوم، وهذه الخطوات تزيد من المأزق، وتساهم في إحداث انفضاض، سواء من قبل القوى السياسية أو ممثلي المجتمع المدني أو المستقلين، إن لم نقل حتى انفضاض المجتمع ككل من حول المنظمة، وهذه مسألة خارجة عن تاريخ الشعب الفلسطيني، الذي كان ملتفًا حول منظمة التحرير وقراراتها وملتزمًا بها. وفي حال المقارنة مع فترات سابقة، كان المجتمع الفلسطيني يلتزم بقرارات المنظمة وينفذها، لكن التحركات الأخيرة تزيد الطين بلة وتعقّد المأزق العام أكثر".
الانتخابات طريقة الإصلاح
بدوره، قال عضو المجلس المركزي ونائب رئيس المجلس التشريعي، حسن خريشة، عن عقد المجلس المركزي في ظل غياب توافق بين عموم الفصائل: "هم يعتقدون أن هناك توافقًا بينهم، وأن هناك توافقًا بين فصائل منظمة التحرير الموجودة في رام الله، وبالتالي لا يتم استدعاء الجهاد الإسلامي وحماس، ويعتقدون أن هذا هو الإجماع الذي يسعون خلفه". مضيفًا: "لكن هناك أهداف. فهذا الاجتماع يُعقد بعد 4 سنوات من اجتماع سابق، وفي حينه تخلى المجلس الوطني عن صلاحياته لصالح المجلس المركزي، الذي عقد عدة اجتماعات فقط، رغم أن نظامه يؤكد على عقده كل 3 أشهر، وهذا الأمر لم يحصل".
وأضاف خريشة: "السؤال: لماذا اليوم؟ حرب الإبادة مستمرة منذ عام ونصف تقريبًا، وكان الأصل أن يحدث تحرك لنصرة شعبنا في غزة وأخذ موقف، لأن هذا الجسم يُفترض أن يكون جامعًا للفلسطينيين، ويشكل كتلة مانعة للانقسام، ولمواجهة حرب الإبادة. لكن هذا للأسف لم يحصل، أسوة بما فعلت الفصائل الفلسطينية، التي تداركت نفسها وعقدت اجتماعات في بكين وروسيا، ولكن هذه الاجتماعات لم تُسفر عن شيء".
وواصل خريشة القول: "اليوم، أعتقد أن التاريخ يُعيد نفسه، بمعنى أنه في السابق، كان هناك حديث عن الإصلاح على الطريقة الأميركية والإسرائيلية، ولنتذكر كيف تم التعاطي مع الشهيد ياسر عرفات. واليوم يتم استنساخ نفس التجربة". مضيفًا: "رغم أنه إذا كان المجلس المركزي سينتخب نائبًا للرئيس، فهذا أمر مختلف عن إحالة الأمر للرئيس واللجنة التنفيذية لتعيين نائب للرئيس بصلاحيات. وأعتقد أنه لا يعقل أن يكون هناك نائب رئيس بصلاحيات في ظل وجود رئيس".
وأشار خريشة إلى أن الرئيس الفلسطيني عباس اقترح سابقًا استحداث منصب نائب الرئيس، موضحًا: "قبل 20 عامًا، تحديدًا في عام 2005، وبعد انتخاب الرئيس عباس، دعا لاجتماع وكنت حاضرًا، وطرح فكرة أن يكون هناك نائب للرئيس. وحينها أشرت إلى أن هذه الدعوة تأتي نتيجة المخاوف من حدوث انتخابات تشريعية تفوز فيها حماس، ويكون رئيس التشريعي من حماس، ويتكرر ما حصل بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات، أي وصول رئيس المجلس التشريعي إلى منصب رئيس السلطة، واعتبرت أن هذه هي المخاوف التي كانت وراء الطرح". وتابع: "في حينها، لم يكن هناك إمكانية لعمل هذا التعديل، لأن تعديل القانون الأساسي يحتاج إلى ثلثي الأعضاء، ووقتها لم يكن هذا متوفرًا نتيجة الانشغال في الدعاية الانتخابية والتحضير للانتخابات، وبالتالي تُرك هذا الموضوع. لكن أن يعود هذا الموضوع مرة أخرى اليوم تحت باب تحسين وإصلاح السلطة، وكلنا نتمنى الإصلاح والتغيير، ولكن بناءً على إرادة فلسطينية داخلية، ولحاجة وضرورة داخلية، وليس نتيجة الضغوط الأميركية والإسرائيلية والعربية".

وحول "الإصلاح"، قال خريشة: "رأينا الإصلاح الأميركي سابقًا، ويجب إدراك أن أميركا شريك أساسي في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، ولا يمكن الوثوق بها. وأيضًا، لن تقف الأمور عند هذا الحد، وتحديدًا من قبل أميركا، في عملية مدمرة ضد شعبنا ومصالحنا".
وتابع: "يُخاض ضدنا الآن حرب وجودية، وفي هكذا ظرف، يجب نسيان الصغائر، ويجب الحديث عن توحيد الجهود للصمود، والإجابة عن سؤال كبير وهو: ’كيف نستمر كشعب وقضية في ظل هذه الظروف المعقدة والصعبة؟’".
واعتبر خريشة أن "الفصائل التي ستشارك في الاجتماع عزلت نفسها بنفسها، وتخلت عن دورها الحقيقي، وبالتالي يحضرون لاستعادة دور تنازلوا عنه سابقًا. وأتمنى في هذه اللحظات الأخيرة التراجع عن هذا الموضوع، ولكن هذا الأمر لا يبدو واردًا، وأن يكون الإصلاح عبر الانتخابات، وليس بالتعيين والاختيار. أي إجراء انتخابات تحت أي ظرف، وفي صندوق الاقتراع توضع ورقتان، واحدة للرئيس ونائب الرئيس، ووقتها يمكن القول إن ما حصل هو عملية ديمقراطية وانتخابات بناءً على رغبة وإرادة فلسطينية".
وحول انعكاس الاجتماع على النظام السياسي الفلسطيني، قال خريشة: إن "النظام السياسي الفلسطيني تعطل لفترة طويلة، والكل صار يؤمن أن استقرار النظام السياسي يحدث بالانتخابات. واليوم تنقصنا الشرعيات، إذ لا يوجد جسم شرعي منتخب في الساحة الفلسطينية".
أما عن جزئية أعداد الأعضاء في المجلس المركزي، فقال خريشة: "في الفترة السابقة، غبنا عن المجلس، وصنعوا ما صنعوه. المجلس الوطني تنازل عن دوره، واليوم المجلس المركزي يتضخم، وبأعداد ترتفع يوميًا، دون علم الأعضاء. والمطلوب من هذا الاجتماع هو الصورة. وحتى الآن لا نعرف أعدادًا محددة لأعضاء المجلس المركزي، كما لا نعرف عدد أعضاء المجلس الوطني". مضيفًا أن "المجلس السابق كان فيه حوالي 150 أو 156 عضوًا، وكان فيه نصاب. ولكن الآن، الأعداد ترتفع، من الممكن أن تُستبدل الفصائل والاتحادات الشعبية بمن تُوفي مثلًا، أما ما يحصل فهو إضافة أعضاء دون صفة، تحت باب المستقلين".
وختم خريشة حديثه بالقول: "الاجتماع كله يُختزل في قضية واحدة، وهي استحداث منصب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية. ورغم أن جدول الأعمال كبير، إلا أن الهدف في النهاية هو الصورة، وتحقيق الغاية الأساسية من هذا الاجتماع، ولا شيء آخر".