بيسان

"لن ندخل الجامعة".. وجع طلبة التوجيهي بغزة في زمن الحرب

المصدر تقارير
"لن ندخل الجامعة".. وجع طلبة التوجيهي بغزة في زمن الحرب
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

خبر تأجيل امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) جاء كالصاعقة على الطالبة سماح وافي، التي سيطر عليها حزن شديد خوفًا من ضياع عام دراسيّ آخر جراء استئناف الاحتلال الإسرائيلي حربه على قطاع غزة بشكل أكثر قسوة ودموية.

تسببت الحرب على غزة في تأجيل امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) للمرة الثالثة، ما أدى إلى صدمة نفسية وخيبة أمل كبيرة بين الطلبة الذين يعيشون واقعًا مأساويًا بين النزوح المتكرر وحرمانهم من التعليم

سماح، البالغة من العمر 19 عامًا، كانت قد توقّفت عن الدراسة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولم تُعقد امتحاناتها لنيل شهادة الثانوية العامة العام الماضي، كما تأجّلت الامتحانات مرة أخرى بسبب ضراوة التصعيد العسكري الإسرائيليّ. 

سماح وافي الفصول الدراسية لم تعد للدراسة والامتحانات وباتت مأوى للنازحين-أحلام حماد-الترا فلسطين
سماح وافي: الفصول الدراسية لم تعد للدراسة والامتحانات وباتت مأوى للنازحين (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

ومع تحديد موعد جديد لدورة امتحانات استثنائية في 13 أبريل/نيسان الجاري، كان من المقرر أن يتقدّم نحو 23 ألف طالب وطالبة من مواليد عام 2006، لكن وزارة التربية والتعليم العالي اضطرت إلى تأجيل الدورة مرة أخرى حفاظًا على حياة الطلبة، في ظل اشتداد حدّة القصف والدمار.

في بيانها، أوضحت الوزارة أنها كانت مستعدّة لعقد الامتحانات إلكترونيًا، بالتعاون مع الشركاء وشركة الاتصالات الفلسطينية، عبر توفير مراكز مجهزة وأثاث وتحسين شبكات الاتصال. ومع ذلك، فإن استمرار القصف الإسرائيلي الذي دمّر المدارس وأثّر على الأمن جعل إجراء الامتحانات خطرًا على الطلبة، ما دفع الوزارة إلى اتّخاذ قرار التأجيل حتى إشعار آخر.  

امتحانات وأحلام معلّقة وسط الحرب

رغم استعداداتها المكثّفة للامتحانات، وختمها المنهاج المقرر ثلاث مرّات، إلا أن ظروف الحرب المتصاعدة حرمت الطالبة سماح وافي من تحقيق حلمها في التقدّم لامتحانات الثانوية العامة (التوجيهي). تقول سماح، التي تواجه تحديات يومية مثل النزوح المتكرر وانقطاع الكهرباء والإنترنت: "كنت متحمِّسة للجامعة التي تأخّر التحاقي بها للعام الثاني على التوالي بسبب الحرب". 

سماح وافي: "يبدو أنّ امتحاناتنا لن تُعقد أبدًا، ولن ندخل الجامعة... الحرب دمّرت كل شيء"

تعيش سماح اليوم مع أسرتها المكوّنة من 12 فردًا في مدرسة "بيت المقدس" الحكومية غرب مدينة خانيونس، بعد أن أُجبرهم الاحتلال على النّزوح من منزلهم في "حي المنارة" شرق المدينة. هذا النزوح جاء عقب مطالبة قوات الجيش الإسرائيلي السكان بالإخلاء قبيل تقدّمها على ما يُعرف بـ "محور موراغ"، الفاصل بين خانيونس ورفح على الحدود مع مصر.

الطالبة سماح وافي تقيم مع أسرتها في مدرسة غرب خانيونس بعد نزوحها من حي المنارة  شرق المدينة (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

لم تتمكن سماح من أخذ كتبها أو حقيبتها حين اضطرّت لمغادرة منزلها على عجل، لكنّها كانت تأمل التقدّم للامتحان لتحقيق حلمها بدراسة الهندسة والديكور الداخلي. ومع قرار وزارة التربية والتعليم تأجيل الامتحانات مرة أخرى، شعرت سماح بصدمة شديدة، تقول بحزن: "يبدو أنّ امتحاناتنا لن تُعقد أبدًا ولن ندخل الجامعة".  

صدمة ويأس

في أحد الفصول الدراسية التي تحوّلت إلى مراكز إيواء، يقيم الطالب عمر رضوان وأسرته المكونة من 8 أفراد، بعد نزوحهم من رفح منذ أسبوعين. عمر، الذي يشارك زميلته سماح مشاعر الحزن والقهر بسبب تأجيل امتحانات التوجيهي مجددًا، اضطر إلى تغيير مساره الدراسي من الفرع العلمي إلى الفرع الأدبي لتخفيف أعباء الدروس الخصوصية عن أسرته، ولإمكانيّة دراسة المنهاج ذاتيًا بعد توقّف التعليم الرسمي بسبب الحرب.

لم تكن رحلة النزوح سهلة على عمر وأسرته، حيث اضطروا إلى مغادرة منزلهم 7 مرات، وكان آخرها بعد أن بقوا فيه لمدة شهرين فقط، قبل أن تُجبرهم قوات الاحتلال على الإخلاء تحت وطأة القصف الجوي والمدفعي. يتساءل عمر بحزن: "كيف يمكننا أن ندرس وسط أجواء القتل والنزوح؟".

نزح عمر رضوان بكتبه من مدينة رفح ويشعر بالصدمة من تأجيل الامتحانات مرة أخرى-أحلام حماد-الترا فلسطين
نزح عمر رضوان بكتبه من مدينة رفح، ويشعر بالصدمة من تأجيل الامتحانات مرة أخرى (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

وأشار بيده خلال حديثه لـ الترا فلسطين، للفصول الدراسية التي تضم آلاف النازحين، قائلًا: "كان من المفترض أن نتقدّم هُنا للامتحانات ونحصل على شهادة التوجيهي لدخول الجامعة". ثم صمت للحظات وأضاف: "لكنّ التأجيل مستمر، ولا توجد جامعات ندرس فيها حتى لو حصلنا على شهادتنا، الحرب دمّرت كل شيء".

اليأس يتسلل إلى عمر، الذي كان يحلم بدراسة التمريض، لكنّه يرى أن الواقع في غزة يحكم على السكان بما تفرضه الحرب وليس بما يتمنون. بحزن شديد يقول: "الحرب قلبت كل شيء رأسًا على عقب، المدارس تحولت إلى مأوى للنازحين، المنازل دُمّرت، والطلبة والمعلمون يكافحون لتوفير لقمة العيش ببيع بضائع على البسطات".

التعليم في مهب الحرب: أجيال غزة في مواجهة الضياع

يشير مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، إلى أنّ الحرب الإسرائيلية على غزة لم تقتصر على استهداف البنى التحتية والبيوت، بل دمّرت أحلام وتطلُّعات جيل كامل من الشباب، ملحقة أضرارًا جسيمة بقطاع التعليم.

وفق الثوابتة، فإن تأجيل امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) لمواليد 2006، جاء نتيجة الوضع الكارثي الذي يعيشه القطاع، لكنّه قد يتسبب بإصابة الطلبة بصدمات نفسية وفقدان الأمل، كما يؤثّر بشكل مباشر على فرص التحاقهم بالجامعات أو حصولهم على منح دراسية.

وزارة التربية والتعليم العالي تقرر تأجيل عقد الدورة الاستثنائية لتوجيهي مواليد 2006 في غزة خشية على حياة الطلبة-أحلام حماد-الترا فلس
إحدى مدارس قطاع غزة بعد أن تحوّلت لتجمّع نازحين. التربية والتعليم العالي قررت تأجيل عقد الدورة الاستثنائية لطلبة التوجيهي خشية على حياة الطلبة (أحلام حماد-الترا فلسطين)

المكتب الإعلامي الحكومي وثّق خسائر فادحة أصابت قطاع التعليم منذ اندلاع الحرب، حيث قتل الاحتلال أكثر من 13 ألف طالب وطالبة، و800 معلم وموظف تربوي، و150 أكاديميًا وأستاذًا جامعيًا. كما دمرت الحرب بالكامل 139 مدرسة وجامعة، وألحقت أضرارًا جزئية بـ359 مؤسسة تعليمية.

ويؤكد الثوابتة أن هذه السياسات تندرج ضمن حرب ممنهجة تستهدف التعليم في غزة، عبر قتل الطلبة والمعلمين وتدمير المؤسسات التعليمية، وقد تسببت الحرب في حرمان 785 ألف طالب وطالبة من حقِّهم في التعليم.