بعد شهور من تدمير مصنعه في بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وجد الخمسيني أيمن قديح في مخلفات الحرب من البلاستيك المدمر فرصة لاستئناف عمله من جديد، وافتتح مصنعًا صغيرًا في المدينة التي تعرضت لتدمير هائل طال كل مقومات الحياة خلال عملية عسكرية إسرائيلية برية استمرت 4 شهور من الاجتياح الواسع للمدينة من شرقها وحتى غربها.
يواصل أيمن قديح العمل في مصنعه الجديد، معتمدًا على المخلفات البلاستيكية التي يجمعها أطفالٌ وعمالٌ من الشوارع، أو براميل المياه المنزلية التي دمر الاحتلال الكثير منها
ويعتمد أيمن قديح في عمله على تدوير المخلفات البلاستيكية وتحويلها إلى منتجات ضرورية تفرض دولة الاحتلال الإسرائيلي قيودًا مشددة على دخولها للقطاع، مثل خراطيم المياه، وإنتاج الوقود عبر صهر وإذابة بقايا هذه المخلفات.
تدمير مقومات الحياة
كان أيمن قديح يمتلك مصنعًا صغيرًا يعرف محليًا باسم "مجرشة"، يعتاش منه وأسرته الكبيرة، وعدد من العمال، ويقول لـ "الترا فلسطين" إن قوات الاحتلال دمرته كليًا في بداية اجتياحها لمدينة خان يونس، انطلاقًا من بلدية خزاعة والبلدات الشرقية المجاورة المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي.
وتكبد قديح خسائر مالية فادحة جراء هذا التدمير الذي طال مقدرات المصنع من آلات ومخازن للمواد الخام، ولشهور طويلة كابد خلالها ويلات النزوح والتشرد، قبل أن يستعيد عافيته في الآونة الأخيرة، ويقرر العودة واستئناف عمله من جديد.
ونجح أيمن قديح برفقة أبنائه في انتشال بعض الآلات من تحت الركام واستصلاحها، ووفقًا له فقد استأجر آلات أخرى، من أجل افتتاح مصنعه الجديد في شمال شرقي مدينة خان يونس، ومعاودة العمل مرة أخرى.
وعلى مدار أسابيع وقف إطلاق النار، واصل جيش الاحتلال خرق البروتوكول الإنساني المتفق عليه، بما في ذلك منع دخول الآليات الثقيلة والمواد الخام اللازمة لاستئناف الحياة في قطاع غزة. ومع دخول شهر آذار/مارس أعاد جيش الاحتلال إغلاق المعابر ومنع إدخال جميع المساعدات لقطاع غزة، ثم في 18 آذار/مارس استأنف حرب الإبادة بقوة.
ورغم استئناف الإبادة، واستهداف جيش الاحتلال لخان يونس بشكل أساسي وإنشاء "ممر" في "محور موراج" لفصل خان يونس عن رفح، غير أن أيمن قديح يواصل العمل في مصنعه الجديد، معتمدًا على المخلفات البلاستيكية التي يجمعها أطفالٌ وعمالٌ من الشوارع، أو براميل المياه المنزلية التي دمر الاحتلال الكثير منها خلال عمليات القصف الجوي والمدفعي، وباعها أصحابها بأسعار زهيدة لعمال الجمع، الذين يقومون بدورهم ببيعها لأصحاب مكبات بلاستيكية، ثم تصل إلى المجارش ومصانع التدوير.
تمر هذه المخلفات البلاستيكية بعدة مراحل قبل المرحلة الأخيرة التي تتحول بها إلى منتجات أخرى جديدة، وبحسب قديح فإن عمالاً يقومون بداية بفرز المخلفات حسب نوع البلاستيك، ثم تدخل في آلة الجرش التي تقوم بفرمها إلى قطع صغيرة جدًا، لتصل بعد ذلك إلى مرحلة الصهر والتشكيل، حتى تخرج في صورتها النهاية كمنتج جديد.
ويركز مصنع قديح حاليًا على إنتاج خراطيم المياه، التي تستخدم في المنازل السكنية أو يحتاجها المزارعون لري أراضيهم الزراعية، حيث يعاني القطاع من نقص كبير في هذه الخراطيم، بسبب عمليات التدمير والتجريف الواسعة للمنازل والأراضي.

إنتاج الوقود
أما ما يتبقى من مخلفات البلاستيك فتستخدم في إنتاج الوقود المحلي الذي يطلق عليه الغزيون "وقود غزة"، وبحسب العامل محمد قديح فإن عملية إنتاج هذا الوقود تتم بصهر كميات كبيرة من القطع البلاستيكية الصغيرة المتبقية من عمليات التصنيع والتدوير، وصهرها على درجة حرارة عالية.
ويستخدم الغزيون هذا الوقود المنتج محليًا لتشغيل سياراتهم من انتاج قديم، ويقول قديح إن "وقود غزة ليس نقيًّا تمامًا ولا يصلح لكل أنواع السيارات، وإنما للسيارات القديمة، وتشغيل مولدات الكهرباء، وقد ساهم في تخفيف حدة الأزمة".
ويعصف بالغزيين أزمة مواصلات حادة، بسبب تدمير آلاف السيارات خلال الحرب، وأزمة الوقود الناجمة عن منع دولة الاحتلال إدخال الوقود التجاري، الأمر الذي يكبد الأهالي مشقة كبيرة وتكاليف مضاعفة للتنقل اليومي، خاصة مع نقل ضحايا الغارات الإسرائيلية، وفي النزوح المستمر للعائلات بعد شهر من استئناف الإبادة.