بيسان

أطفال غزة.. من مقاعد الدراسة إلى العمل في المقابر

المصدر تقارير
أطفال غزة.. من مقاعد الدراسة إلى العمل في المقابر
محمد النعامي

محمد النعامي

محمد النعامي، صحفي من غزة

في قلب المقابر التي امتلأت بمراسم الدفن والحزن، يبرز مشهد مؤلم لأطفال يعملون في حفر القبور ورشّ المياه على الأضرحة، مقابل أجر زهيد يعيلون به عائلاتهم. هؤلاء الأطفال، الذين دفعهم العدوان الإسرائيليّ المستمر على غزة إلى ترك مقاعد الدراسة، وجدوا أنفسهم في مواجهة أقسى المهن، وسط الفقر والنزوح وفقدان الأحبة.

أجبرت الحرب الإسرائيلية أطفالًا في غزة على العمل في المقابر؛ يحفرون القبور ويرشّون المياه على الأضرحة لإعالة عائلاتهم.. 

الحرب التي حصدت أرواح أكثر من 50 ألف فلسطيني، أجبرت آلاف الأطفال على البحث عن عمل لإعالة أسرهم. في المقابر، يعمل الأطفال في حفر القبور، جمع الحجارة من المنازل المدمرة، وترميم الأضرحة. "الترا فلسطين" وثّق مشاهد مؤلمة لأطفال يحملون حجارة ثقيلة لمسافات طويلة، ويعملون لساعات طويلة في ظروف قاسية، وفي أعمال تفوق طاقاتهم. 

أطفال يعملون في المقابر بغزة
الطفل أحمد الخطيب: المجازر والموت هي الشيء الوحيد الذي لم يتوقّف – (محمد النعامي/ الترا فلسطين) 

الطفل أحمد الخطيب (13 عامًا)، الذي نزح مع عائلته بعد تدمير منزلهم، يعمل يوميًا في بناء القبور. يقول أحمد: "أبدأ يومي بجمع الحجارة من المنازل المدمّرة، ثم نحفر القبور التي غالبًا ما تكون جماعية بسبب المجازر. المشاهد التي أراها هنا لا تُنسى، ورغم مرور عام على عملي، لم أعتد على تحملها".  

الشقيقان صهيب (10 أعوام) ومحمد أبو مسلم (7 أعوام)، فقدا والدهما في قصف مدفعي، ويعملان في رش المياه على القبور وتجديد التراب فوقها. يقول صهيب: "نبدأ يومنا بالعناية بقبر والدي، ثم نعمل لتوفير دخل بسيط لعائلتنا. أشعر بالخجل لأننا نقوم بهذا العمل بمقابل، لكن عائلتي بحاجة إلى الطعام".  

وقال صهيب إنه يأتي يوميًا مع شقيقه إلى المقبرة، ويعملان في رشّ المياه على القبور، عندما يطلب أقارب الشهداء منهم ذلك، كما يعملون في تجديد التراب فوق القبر، ووضع حجارة تدل عليه بشكل أوضح.

منظمة اليونيسيف وصفت ما يحدث في غزة بأنه "حرب على الأطفال"

وأضاف في حديث لـ "الترا فلسطين": منذ استشهد والدي ونحن نعمل لتوفير دخل بسيط لعائلتي، وشقيقي الأكبر أصيب مع والدي، ولا يقوى على الحركة حتى الآن، نأتي هنا ونقوم برشّ القبر بالمياه مقابل شيكل، ونحضر المياه من مكان بعيد بسبب شحّها، إلى المقبرة، وهذا عملنا.

ويستذكر صهيب كيف كانت حياتهم قبل الحرب، حيث كان يرافق والده في العطل المدرسية إلى مكان عمله، وكانوا يقضون أوقاتًا ممتعة.

وتابع: "أتأثّر كثيرًا عندما أرى بكاء ذوي الشهداء، وأخجل كثيرًا لأنني أقوم بهذا العمل بمقابل، ولكنّ عائلتي تنتظر أن أحضر ما نأكله".

أطفال ينقلون الماء للمقابر في غزة
نقل الماء الشحيح أصلًا في قطاع غزة، ليس مهمّة سهلة (محمد النعامي/ الترا فلسطين) 

وإلى جانب الأطفال، لا تغيب مشاهد ذوي الشهداء الذين يداومون على زيارة قبور أحبائهم، يقرأون القرآن ويدعون لهم، في محاولة للتخفيف من ألم الفقد.

وسبق أن أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أنّ ما يحدث في غزة حرب على الأطفال، حيث حصدت الحرب حياة 18 ألف طفل فيما أصابت عشرات الآلاف بحالات إعاقة دائمة وبتر أطراف، وخلّفت قرابة 40 ألف طفل يتيم.