بيسان

أزمة قبور في غزة.. الاحتلال ينتقم من الفلسطينيين حتى بعد قتلهم

المصدر تقارير
أزمة قبور في غزة.. الاحتلال ينتقم من الفلسطينيين حتى بعد قتلهم
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

لم يجد مشيعو الصحفي الشهيد محمد منصور سوى باب حديد قديم ومهترئ، لاستخدامه كغطاء لقبره، بديلاً عن "بلاطات خرسانية" مفقودة في قطاع غزة، جراء عدم توفر الأسمنت ومواد البناء، التي تمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدخالها من المعابر المغلقة.

ذوو الشهداء يضطرون إلى استخدام بدائل عن البلاطات الخرسانية مثل ألواح الزينكو ويهيلون عليها التراب، بشكل مؤقت، على أمل استبدالها عندما تتوفر البلاطات

بحزن شديد وقف والد الشهيد محمد أمام جثمان نجله المسجى في "المقبرة التركية" غرب مدينة خان يونس، ويقول لـ"الترا فلسطين" إن "الاحتلال لاحق ابني حيًّا وميّتًا".

وفي 24 آذار/مارس الماضي، اغتالت مقاتلات حربية إسرائيلية الزميل الصحفي محمد منصور مراسل قناة فلسطين اليوم بعدة صواريخ استهدفته بها داخل منزل كان يقيم فيه بالإيجار مع زوجته في مدينة خان يونس جنوب القطاع.

وبكلمات تقطر حزنًا على فراق منصور يقول عماد منصور، والد الصحفي الشهيد، إنه نجله كان "شابًا ملتزمًا نشيطًا مثابرًا مُحبًّا لمهنته، يؤدي رسالته الصحفية بوطنية ومهنية عاليتين، وربما كانت هذه الصفات وراء جريمة اغتياله النكراء، وقد لاحقه الاحتلال حتى بعد استشهاده ولم نجد بضع بلاطات نغلق بها قبره ليستقر فيه وتحول بينه وبين هذا العالم الظالم".

الاحتلال يلاحق الشهداء والأموات

وتزوج الشهيد الصحفي منصور قبيل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، واضطر مع سكان مدينة رفح إلى النزوح القسري عن المدينة عشية اجتياح قوات الاحتلال لهذه المدينة الحدودية مع مصر في أيار/مايو من العام الماضي.

ودمرت قوات الاحتلال منزل هذا الصحفي العشريني في حياته، أسوة بنحو 80 في المئة من منازل مدينة رفح. ويقول والده المكلوم إن ابنه الشهيد "كان يمتاز بتفاؤله وحبه للحياة وللناس، وأسس شقته السكنية الخاصة في منزل عائلي نملكه قرب الحدود الفلسطينية المصرية في مدينة رفح"، وهي المنطقة التي مسحتها قوات الاحتلال عن الوجود.

خسرت العائلة هذا المنزل، وفقد الشهيد منصور شقته التي لم يهنأ بها إلى لوقت قصير في حياته، ويقول والده: "ولم نجد بلاطات تغطي قبره بعد استشهاده (..) هذا هو حالنا في غزة في ظل هذه الحرب المسعورة، نعاني هنا أحياء وأمواتًا".

ولم يسلم الأموات من بطش الاحتلال، الذي اجتاح خلال الحرب عددًا من المقابر في القطاع، وجرفها ونبش القبور، وسرق أعدادًا غير معلومة بدقة من الجثث، فيما تعرضت مقابر أخرى للقصف والتدمير، بحسب وزارة الأوقاف والشؤون الدينية والسلطات المحلية في غزة.

أزمة قبور 

ويقول المشرف على "المقبرة التركية" طافش أبو حطب لـ "الترا فلسطين": إن ما حدث مع الصحفي الشهيد محمد منصور يحدث يوميًا في الفترة الأخيرة، جراء عدم توفر الأسمنت ومواد البناء اللازمة لصناعة "البلاطات الخرسانية" التي تستخدم كغطاء للقبور.

وتمنع قوات الاحتلال إدخال مواد البناء للقطاع منذ اندلاع الحرب، فيما تفرض منذ 2 آذار/مارس الماضي حصارًا مشددًا وتغلق المعابر مع القطاع، وأبرزها معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، وتمنع بشكل كلي إدخال المساعدات الإنسانية والوقود وغاز الطهي والبضائع التجارية.

وجراء أزمة القبور الناجمة عن الحصار، والارتفاع الهائل في أعداد الشهداء يومًيا منذ استئناف الاحتلال حربه على القطاع في 18 آذار/مارس الماضي، يوضح أبو حطب أن ذوي الشهداء يضطرون إلى استخدام بدائل عن البلاطات الخرسانية مثل ألواح الزينكو ويهيلون عليها التراب، بشكل مؤقت، على أمل استبدالها عندما تتوفر البلاطات.

وهذه البلاطات عبارة عن مربعات أسمنتية يتم صبها في معامل صناعة حجارة البناء، باستخدام الأسمنت والرمل والحصى، لكن في ظل الحرب وعدم توفر هذه المواد وتوقف المعامل عن العمل، لجأ غزيون إلى صناعتها من ركام المنازل المدمرة وخلطه بما يتوفر من أسمنت قبل نفاده كليًا من الأسواق.

وازدادت الحاجة للمواد اللازمة في إنشاء القبور وتجهيزها خلال الأسبوعين الماضيين بعد استئناف الحرب، ويقول طافش -الذي يعمل في مهنة دفن الموتى منذ 19 عامًا- إنه لم تمر عليه فترةٌ قاسيةٌ وضغطٌ شديدٌ في العمل مثل الأيام الحالية، حيث لا يمر يوم من دون دفن شهداء فرادى ومجموعات، ومن بينهم أسر كاملة تعرضت للإبادة ومُسحت من السجل المدني.

وتوشك "المقبرة التركية" على الامتلاء، رغم أنها حديثة الافتتاح وكان بها 60 قبرًا فقط عندما اندلعت الحرب. وبحسب أبو حطب فإن طريقة حفر القبور والدفن اختلفت كثيرًا عما كانت عليه قبل الحرب، فهو يُضطر إلى تجهيز عدد كبير من القبور يوميًا، بشكل متلاصق للاستفادة من مساحة المقبرة، وباستخدام حجارة من مخلفات وركام المنازل المدمرة، لكن تبقى الأزمة في عدم توفر البلاطات لتغطية القبور.

حرب على المقابر

وفي بيان تفصيلي أصدرته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عن خسائر القطاع الديني والوقفي التابع لها، ومنها المقابر، تقول إن الاحتلال استهدف خلال شهور الحرب 40 مقبرة، من إجمالي 60 مقبرة على مستوى القطاع.

الاحتلال استهدف خلال شهور الحرب 40 مقبرة، من إجمالي 60 مقبرة على مستوى القطاع، فدمر 21 مقبرة تدميرًا كليًّا، و19 مقبرة لحق بها دمارٌ جزئي

ودمر الاحتلال 21 مقبرة تدميرًا كليًّا، و19 مقبرة لحق بها دمارٌ جزئيٌ. ووفقًا لوزارة الأوقاف فقد "زاد إجرام الاحتلال بنبش القبور وسرقة جثامين الأموات والشهداء والتمثيل بها بطرائق همجية وحشية".

وباتت هذه المقابر وجهة يومية للغزيين الذين يشيعون في كل لحظة شهداء جدد، يرتقون في غارات عنيفة تشنها مقاتلات حربية إسرائيلية على المنازل والخيام ومراكز الإيواء، وتلاحقهم في الشوارع والمستشفيات وفي كل مكان، منذ استئناف الاحتلال حربه الدموية على القطاع الساحلي الصغير.

وبحسب وزارة الصحة في غزة، فإن حصيلة الشهداء منذ استئناف الحرب في 18 آذار/مارس وحتى تاريخ نشر هذا التقرير في 8 نيسان/ابريل بلغت 1,449 شهيدًا، بينما بلغ إجمالي الشهداء منذ بداية الحرب 50 ألفًا و810 شهداء.