"شهدتُ عملية إعدام لعائلة فلسطينية مكونة من 5 أفراد، وسط رفح، وصلت المدينة بعد 3 أيام من وقف إطلاق النار.. كانت تحاول أن تخرج أيّ شيء من حاجياتها من منزلها المدمّر في حي الشابورة، وفجأةً وصلت طائرة كواد كابتر، وأطلقت النار عليهم، على الفور، استشهد شابان من العائلة، فيما أصيب البقية بإصابات خطيرة، وتم نقلهم للمستشفى الأوروبي البعيد جدًا عن مكان الاستهداف.. قطعوا جزءًا من الطريق عبر عربة يجرّها حصان، نظرًا لدمار كافة المشافي الأخرى في المدينة ودمار الطرقات".
كانت هذه شهادة الشاب إبراهيم الشاعر التي رواها في حديث مع "الترا فلسطين"، حول الواقع في مدينة رفح بعد وقف إطلاق النار؛ حيث ما تزال الاستهدافات متواصلة في مناطق مختلفة في المدينة، وخصوصًا مناطقها الجنوبية، والجنوبية الغربية، والشرقية، وكذلك وسط المدينة.
ورغم خطورة التواجد في أجزاء كبيرة من مدينة رفح، إلا أن السكان، الذين عادوا لمدينتهم، سعوا لتهيئة مناطقهم، وحاولوا تأهيلها، وبدأت العديد من المبادرات التطوعية الرامية لتسهيل حياة النازحين.
يقول إيراهيم الشاعر: "كأن وقف إطلاق النار لم يشمل رفح؛ حيث يواصل الاحتلال استهداف مدينتنا بالقصف مدفعي، ونيران القناصة، والقصف الجوي، ورصاص وقنابل طائرات الكواد كابتر".
ويضيف: "بات التواجد في أحياءٍ كتل السلطان، والجنينة، والشابورة، خطيرًا للغاية؛ فجنود الاحتلال يتحصنون في مناطق مرتفعة، ويسيّرون الطائرات المسيّرة لاستهداف السكان دون أدنى مبرر، كما تتحرك الدبابات لمناطق بعيدًا جدًا عن محور فيلادلفيا. حتى أنه قبل فترة وصلت دبابة إلى دوار النجمة وسط رفح، فيما لا تنشط الطواقم البلدية والمؤسسات الدولية في مناطق كثيرة في المدينة نظرًا للوضع الأمني".

منذ إعلان وقف إطلاق النار في 19 كانون الثاني/يناير 2025، ارتكبت قوات الاحتلال سلسلةً من الجرائم بحق سكان القطاع، أسفرت عمّا يزيد على 100 شهيد، ومئات الإصابات، وكانت رفح من أكثر المناطق التي وقعت فيها تلك الاعتداءات.
وأعلنت لجنة الطوارئ المركزية في رفح، عن تسجيل العديد من الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار في رفح؛ كتوغلات لآليات إسرائيلية لمناطق وسط وغرب المدينة. كما سجلت سلسلة استهدافات مباشرة لتجمعات مواطنين في مناطق مختلفة من رفح، شملت إطلاق الدبابات قذائفها مباشرةً على سيارات فلسطينية، إلى جانب عمليات قنص لعدد كبير من الشبان في المدينة.

مراسل "الترا فلسطين" تجوّل في مناطق شمال ووسط مدينة رفح، ورصدت عدسته وقوع إصابات في صفوف النازحين العائدين، لمنازلهم وسط المدينة المنكوبة.

ووثّق محاولات السكان لاستئناف حياتهم في المدينة، رغم الاستهدافات المتواصلة، والدمار الهائل الذي تسببت به عمليات الاحتلال البرية التي بدأت في مطلع أيار/مايو 2024، واستمرت حتى وقف إطلاق النار. وحتى بعد دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، سُجلت عمليات نسف منازل داخل المدينة، في جانبها الجنوبي.

وتختلف رفح عن سائر مناطق القطاع؛ حيث تعتبر النقطة الأقرب لتواجد جيش الاحتلال، نظرًا لبقاء قواته في محور فيلادلفيا، ومحيطه، ما يمنع آلاف العائلات من العودة لمناطقها في المدينة.
واتخذ جيش الاحتلال في مدينة رفح ذات السياسة التدميرية، التي اتبعها في الشمال، حيث قام بتدمير معظم المرافق المدنية والخدمية، والمراكز الطبية، والمدارس، والمساجد، وشبكات الصرف الصحي، وآبار المياه، كما جرّف مساحات شاسعة من الدونمات الزراعية، والدفيئات.

ورغم خطورة التواجد في أجزاء كبيرة من مدينة رفح، إلا أن السكان، الذين عادوا لمدينتهم، سعوا لتهيئة مناطقهم، وحاولوا تأهيلها، وبدأت العديد من المبادرات التطوعية الرامية لتسهيل حياة النازحين.
كما شرعت العائلات في رفح ببناء خيامها بجانب ركام منازلها المدمرة، فيما حاول بعض السكان إعادة ترميم المنازل المدمرة جزئيًا، والمصنفة كمنازل غير صالحة للسكن، من أجل الإقامة فيها.

عماد القشطة كان نازحًا في مدينة دير البلح وسط القطاع، وعاد إلى منزله في مدينة رفح، ليجده مدمرًا بالكامل؛ فبدأ بمحاولة إعداد مسكن يأوي عائلته المكونة من 12 فردًا.
وقال عماد القشطة في حديث لـ "الترا فلسطين"، إنه خرج من منزله قبل 9 أشهر، وعاش في الخيام طيلة هذه الفترة، وكان يعلم أن منزله قد تضرّر بفعل القصف المدفعي، ولكنه صُدم عندما وجده منسوفًا كليًا، ويبدو أن التدمير الكلّي حدث في الأسابيع الأخيرة من الحرب.


وأضاف: "منزلي الذي كان مكونًا من 3 طوابق، وتسكنه عائلتي وعائلات اثنين من أبنائي، أصبح كومةً من الركام المصفط جراء النسف، كنت أُصبر أهل بيتي بأن الحرب اقتربت من النهاية، وأننا سنعود ونتخلص من الخيام، ولكننا عدنا ولم نجد المنزل؛ ولهذا أن مصممٌ على أن أبنيَ مسكنًا بسيطًا سيكون أفضل من الخيام، وسأستعين بما تبقى من ركام منزلي لإتمام البناء؛ لأني أعلم أن إعادة الإعمار ستطول".
وتابع القشطة: "جمعتُ القليل ألواح الزينكو [الصفيح]، والأخشاب، وسعف النخيل، وشوادر بلاستيكية، كما استخرجت من المنزل كمية جيدة من البلاط، وكذلك المرحاض، وبعض التمديدات الصحية السليمة، وحاجيات أخرى، وسوف أبدأ ببناء المسكن في أرضي".

ومع عدم توفر غاز الطهي، باتت مهمة جمع الأخشاب موكلةً غالبًا للأطفال؛ حيث ينتشرون في المناطق التي جرفتها آليات الاحتلال ويجمعون الحطب، وهو ما يعرّضهم لخطر انفجار مخلفات الاحتلال، فضلًا عن استهدافاته المباشرة في معظم أنحاء رفح.
وتعتبر المركبات التي تجرّها الدواب هي الوسيلة الوحيدة لإيصال المياه الصالحة للشرب، وكذلك مياه الاستخدام اليومي لمناطق كبيرة من مدينة رفح.
وتتأخر مدينة رفح، عن سائر مناطق القطاع، من حيث العمل الحكومي، والإغاثي، نظرًا لخطورة العمل فيها؛ إذ استهدف الاحتلال مركبةً تابعة للشرطة الفلسطينية في 16شباط/ فبراير 2025، ما أدى لاستشهاد ثلاثة من عناصرها.