بيسان

دمار شمال قطاع غزّة.. الركام في كل مكان

المصدر تقارير
دمار شمال قطاع غزّة.. الركام في كل مكان
سماح شاهين

سماح شاهين

من غزة مهتمة بالشأن السياسي والاجتماعي والعربي والدولي

عشرات النازحين عادوا إلى شمال قطاع غزة، ليواجهوا انعدام مقومات الحياة الأساسية، لا ماء، ولا كهرباء، طوابير على مخبز واحد أو اثنين، في محافظتي غزة والشمال. مع بيوت سويت تمامًا بالأرض، وتدمير البنى التحتية بالكامل، فيما كانت المشاهد على الأرض أفظع وأشد وأقسى من الصور.

وتمر مدينة غزة وشمال القطاع، بواحدة من أصعب مراحلها، نتيجة الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية وتخطى 75 بالمئة، خاصة في ظل الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للمنشآت المدنية والمرافق الخدماتية.

قال الناطق باسم بلدية غزة حسني مهنا، إن تراكم الركام والمخلفات الناجمة عن القصف يشكل تحديًا كبيرًا أمام طواقم البلدية التي تبذل جهودًا استثنائية رغم الإمكانيات المحدودة، بعد حرب إبادة جماعية استمرت 15 شهرًا

الشاب إبراهيم ربيع، عاد إلى شمال قطاع غزة مشيًا على الأقدام مسافة 17 كيلو، فكانت رحلته متعبة جدًا، ولكنه عندما وصل لمدينة غزة صُدم عندما رأى حجم الدمار. ويقول إبراهيم لـ"ألترا فلسطين"، إن "حجم الدمار شيء لا يُعقل وكأنه أهوال يوم القيامة، لكن العودة كان لابد منها بعد 15 شهرًا".

وأضاف: "عرفت بيتنا في مدينة بيت لاهيا من لوح الزينقو [الصفيح] الذي كتب اسمي عليه قبل الحرب. لولاه ما عرفته من حجم الدمار الذي لحق المدينة، الاحتلال دمر الحجر والشجر وكل شيء نحبه"، يضيف إبراهيم.

ويبيّن أنّ مدينة بيت لاهيا غير صالحة للعيش فيها تفتقر لأدنى مقومات الحياة، وسط عدم قدرتهم نصب الخيام في المنطقة فالركام يملئ الشوارع، بالإضافة لعدم وجود مياه والصرف الصحي.

ويؤكد أنّ قرار العودة إلى دير البلح صعب عليهم، لكن "لا خيار ثانِ أمامه"، مضيفًا "أنهم سيعتادون العيش فيها إلى حين إصلاح ما يمكن في المدينة والعودة إليها مرة أخرى".

يحيى حلس فهو الآخر قطع مسافة 19 كيلو مترًا، للعودة إلى مدينة غزة، وهو يعلم أن منزله مدمر، لكنه كان لديه الأمل بنصب خيمته مع أفراد عائلته أمامه، لكن الواقع اختلف معه تمامًا.

يقول حلس: "أعيش في منطقة حدودية في الشجاعية شرق قطاع غزة، ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر كالعادة الشجاعية لها نصيب من الدمار في كل الحروب نزحنا إلى خانيونس ومن منطقة لمنطقة، حتى رفح ودير البلح والنصيرات".

على مدار عام ونصف، كانت تصل إلى يحيى من أصدقاءه وأقاربه صور ومقاطع مصورة عن منطقته وخاصة منزله، ولم يُصدق كل ما وصله وأراد أن يرى بعينيه ما حل بغزة.

وأضاف حلس: "سجدت سجدة شكر على موقف الشجاعية ظنًا مني إنه الموقف ولكن الناس أخبروني أنه ليس الموقف. تغيرت ملامح المكان، كنا فوق المنازل، حجم الدمار لم يترك أي خيار لنصب خيمة أمام منزلنا، المنطقة صارت بقعة كاملة من الرمال، مشيت بين الركام  وتعرفت على منزلي، بعد نصف ساعة، من الستارة ولون دهان البيت".

وعبرت أميمة غانم، عن صدمتها، بالقول: "بيتي بنيته أنا زوجي حجر على حجر، شقى عمرنا كله في بيتنا ولكن طائرات الاحتلال سوته في الأرض بثواني". وتشير إلى أن العائلات تقيم فوق الركام، مع معاناة متزايدة بشكلٍ يومي. وتتساءل أميمة: "من سيعيد لنا البيت أو متى سيتم إعادة إعماره مرة أخرى؟ لماذا الاحتلال شل حياتنا للأبد؟ ما هو ذنب الناس الذين ذهبت بيوتهم التي كانت تأويهم بداخلها الكثير من الذكريات؟".

ونوه إلى أنها ذهبت إلى منزلها في معسكر جباليا شمال قطاع غزة، ولم تعلم أين تقف وسارت في الشوارع قرابة ثلاث ساعات في المكان حتى وجدت منزلها. 

ويعاني سكان شمال قطاع غزة من كارثة إنسانية بعد وقف إطلاق النار وعودة النازحين من جنوب ووسط القطاع، حيث تعمدت إسرائيل منع إدخال الخيام إلى المنطقة رغم الدمار الهائل، مما أدى إلى أزمة حادة لمن فقدوا منازلهم.
مخاطر بيئية وصحية

وقال الناطق باسم بلدية غزة حسني مهنا، إن تراكم الركام والمخلفات الناجمة عن القصف يشكل تحديًا كبيرًا أمام طواقم البلدية التي تبذل جهودًا استثنائية رغم الإمكانيات المحدودة، بعد حرب إبادة جماعية استمرت 15 شهرًا.

وأشار مهنا إلى أن حجم الدمار الذي لحق بالمباني السكنية والمرافق العامة ضخم جدًا، يقدر بـ15.5 مليون طن في مدينة غزة لوحدها، وهو ما يحتاج إلى آليات ومعدات ثقيلة وشاحنات ذات قدرة استيعابية كبيرة لإزالته، الأمر الذي تفتقر إليه البلدية بسبب الاستهداف المباشر لأسطول آلياتها وتدمير 133 مركبة وآلية تمثل ما نسبته 80‎ بالمئة.

وأضاف لـ"الترا فلسطين"، أن البلدية تواجه نقصًا في المعدات والوقود، إذ أن الاحتلال استهدف معظم آليات البلدية، فضلًا عن قدم وتهالك الآليات المتبقية، بالإضافة إلى شح الوقود اللازم لتشغيلها، مما يعطل عمليات الإزالة والنقل.

وأكد أن الاحتلال لم يسمح حتى الآن بإدخال المعدات اللازمة لإزالة الركام أو ترميم البنية التختية المتضررة، مما يزيد من صعوبة العمل.

ولفت إلى أن انتشار الأتربة والغبار الناتج عن الدمار يزيد من المخاطر الصحية، خاصة مع انهيار منظومة الصرف الصحي وامتلاء الشوارع بالمخلفات الصلبة، وأن هناك نقص بالإمكانات والآليات وعدم إمكانية الوصول إلى بعض المناطق يعرقل عمليات جمع وترحيل النفايات، مما يزيد من تفشي الأمراض.

وشدد مهنا على أن تراكم الركام والمخلفات يشكل بيئة خصبة للأمراض والأوبئة، خاصة في ظل عدم توفر مياه نظيفة وخدمات صحية مناسبة.

وأشار إلى أن الكثير من المباني المدمرة جزئيًا مهددة بالسقوط في أي لحظة، مما يشكل خطرًا مباشرًا على السكان الذين لا يزالون يقطنون بالقرب منها.

وناشد الناطق باسم بلدية غزة الجهات الدولية والإنسانية بضرورة التدخل العاجل لدعم جهود إزالة الركام وإدخال المعدات اللازمة، إضافة إلى توفير احتياجات المواطنين الأساسية، خاصة في ظل تزايد المخاطر الصحية والبيئية التي تهدد حياتهم.

وأكد أن البلدية مستمرة في أداء واجبها رغم كل التحديات، ونعمل بكل طاقتنا للتخفيف من آثار الكارثة، لكن الأوضاع الحالية تتطلب تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.