بيسان

عن تمدد الاستيطان الزاحف.. بؤرة استيطانية أولى في قرية فرخة

المصدر تقارير
عن تمدد الاستيطان الزاحف.. بؤرة استيطانية أولى في قرية فرخة
باسل رزق الله

باسل رزق الله

صحفي من فلسطين

طوال سنوات طويلة، كان أفق قرية فرخة الليلي جنوب سلفيت، من الجهة الغربية والشمالية، يُظهر الأنوار البعيدة من الساحل ومستوطنة أريئيل الطويلة وغيرها مما يحيط في منطقة سلفيت. كانت واحدة من فعاليات أهالي القرية، محاولة معرفة المستوطنة باسمها وامتدادها. ما زالت هذه الأضواء تحيط أفق القرية الليلي، لكن باتت أقرب، وصار أهالي القرية الصغيرة يجزمون على الأقل بمعرفة واحدة من هوية هذه الأضواء، بشكلٍ مؤكد. البؤرة الاستيطانية الجديدة في القرية.

تواجه قرية فرخة، جنوب سلفيت، عامها الأول مع الاستيطان الإسرائيلي المباشر على أرضها، مع إقامة بؤرة استيطانية إسرائيلية أولى وجديدة، تبعد حوالي 1.5 كيلومتر، عن مركز البناء الأساسي في القرية، وعلى تخوم غالبية الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون في القرية.

الطريق الاستيطاني في قرية فرخة، كان واحدًا من شبكة تكونت من 15 طريقًا استيطانيًا في كافة أنحاء الضفة الغربية، ظهرت كلها سريعًا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر.

تتسارع مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية منذ عام 2023، مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومنذ مغادرته مقر الرئاسة الأميركية، أقيمت 79 بؤرة استيطانية غير قانونية في الضفة، وبيضت 22 بؤرة أخرى، هذا في عهد بايدن، والتوقعات بـ"الأسوأ" حاضرة مع عودة ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض، وآمال المستوطنين بـ"راحة" أكبر في الضفة الغربية. كانت مقدمتها تكرار التصريحات عن تهجير أهالي قطاع غزة، والاستيلاء الأميركي عليه، وصولًا إلى طرح إمكانية ضم الضفة الغربية، باعتباره قضية "قابلة للنقاش".

هذا التسارع، ظهر في قرية فرخة أيضًا، بعدما كُشف عن أمر مصادرة يعود إلى أكثر من 40 عامًا مضت، وتحديدًا إلى عام 1982، عندما اكتشف أهالي القرية، عند محاولة استصلاح أرض في منطقة الباطن عام 2019، وتحديدًا في 7 تشرين الأول/أكتوبر، عن وجود قرار إسرائيلي بإعلان 1250 دونمًا كأملاك دولة، ضمن خارطة مصادرة، تتضمن 5 أحواض طابو من القرية، وكلها تقع في مناطق "ج"، وفق تقسيمات اتفاقية أوسلو. وحينها، أصدر إخطار عسكري يحمل الرقم "392671" بإخلاء جزء من هذه المنطقة بدعوى أنها أملاك حكومية.

وبعد أربعة أعوام، من اكتشاف وجود القرار الإسرائيلي، في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2024، بدأت مجموعات من المستوطنين في إقامة بؤرة استيطانية، كان أساسها شق طريق استيطاني، وتمهيد على قمة الجبل المصادر، وجولات مستوطنين، ومحاولات ترهيب كما يقول الأهالي.

قبلها، استشعر أهالي القرية إمكانية قيام مستوطنة تحيط بهم، وبحسب رئيس المجلس القروي لقرية فرخة، مصطفى حماد، فإن المسار القانوني للاعتراض على القرار كان مغلقًا، مما دفعهم لـ"العمل بطريقة مغايرة" في محاولة لـ"مواجهة أمر المصادرة".

وحول العمل، قال حماد، نفذنا شبكة شوارع زراعية، تربط بين مناطق "ب" ومناطق "ج"، فتحنا 3 كم من الطرقات الزراعية، لدفع أهالي القرية للاهتمام بالأرض.

وخلال حديثه عن محاولات مواجهة القرار، التي تبدو يائسة، يستدرك حماد، بالقول: "الخطورة مش في 1250 دونم ولكن المهدد 800 دونم زيتون محيطة في المنطقة، وفي خطر مستقبلي عنها، وهذا الأمر اللي بخوفنا". يترافق هذا "القلق"، مع وجود قرارات إسرائيلية، تسعى إلى إعادة السيطرة على مناطق "ب"، وهو ما طبق فعلًا في منطقة بيت لحم، إذ انتقل الضم الزاحف من منطقة "ج" إلى منطقة "ب".

ويعود مرة أخرى للحديث عن محاولة الوقوف في وجه أمر المصادرة، بالقول: "أسسنا تعاونية شبابية، ورسمنا مسارًا بيئيًا باسم الزيتون والحجل، للمشي والدراجات الهوائية، يربط البلدة القديمة في فرخة بالأرض المصادرة، وينتهي في حديقة عامة بالمكان، وبدأنا العمل عليها، ولكن الجيش منعنا من استكمال العمل فيها.  مع مشروع تسييج 20 دونمًا من الأرض، لكن المستوطنين سرقوا السياج".

وبينما يتحدث رئيس المجلس القروي عن الخطوات، وكلها قبل عام 2023، يتوقف للتذكير بالبؤرة ويتحدث عن تأسيسها السريع، ويعود للخطوات، قائلًا: "على مدار الأعوام 2021 و2022 زرعنا 800 شجرة زيتون في المكان، وسهلنا عودة المزارعين إلى المكان". 

ويتوقف عن سرد الخطوات، وبحماسة أقل يقول: "هذا كان مسارنا ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر"، التحول الأبرز كان ما بعد الحرب، بداية شق شارع استيطاني جديد، وحول مساره، يقول: "الشارع يبدأ من منطقة المطوي ويحيط كامل الجبل المصادر ويصل إلى قمته وهناك تم تأهيل 3 دونم تقريبًا من المستوطنين، بما يعني إمكانية وجود مستوطنة".

وبينما يراوح حماد بين التواريخ، مؤكدًا طوال الوقت على أنها مضبوطة ومسجلة لديه والأحداث السابقة كلها موثقة، يكرر فصله الزمني بـ"ما قبل وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر"، مكررًا حديثه عن أن الأمر لم يبدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بالقول: "قبل 7 أكتوبر، كان يحضر المستوطنين بشكلٍ متقطع مع احتكاكهم في الناس، بالمضايقة ومحاولة الطرد، ولكن دون إقامة في المكان، وليس بشكلٍ يومي، يعني 3-4 مرات في الأسبوع، بالتزامن مع وجود مُسيّرات مُراقبة من الجو للمكان".

أمّا التغير الأهم بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، كما يراه مصفطى حماد، كان شق الشارع الاستيطاني، في  29 تشرين الأول/أكتوبر، مشيرًا إلى أنه أخذ من أراضي فرخة وسلفيت حوالي 165 دونمًا.

الطريق الاستيطاني في فرخة، كان واحدًا من شبكة تكونت من 15 طريقًا استيطانيًا في كافة أنحاء الضفة الغربية، ظهرت كلها سريعًا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. فيما شهدت فرخة الارتفاع الأكبر في إنشاء الطرق الاستيطانية، بعد تنفيذ الطريق المشار إليه.

والقلق في القرية يتوزع ما بين مئات الدونمات المصادرة، واحتكاك متكرر مع المستوطنين وشارع استيطاني، ويتابع مصطفى حماد، قائلًا: "خطر الشارع الاستيطاني أنه يمر بمحاذاة نبع المطوي، النبع الذي يزود بلدة سلفيت بالمياه، وتاريخيًا هذه المنطقة هي السلة الغذائية لسلفيت، والمشكلة الآن بكون ارتداد الشارع الاستيطاني تقريبًا 70 مترًا هوائيًا"، يشير مصطفى إلى أن هذه المعلومة لديه بناءً على التجارب الاستيطانية السابقة في عموم الضفة الغربية، ويعود ليشير إلى أن نبع المطوي الذي يغذي سلفيت ليس الوحيد الذي يقع تحت "الخطر"، مشيرًا إلى عين مياه الينبوع، التي تمنح قرية فرخة 40% من حاجتها للمياه، بالإضافة إلى تجمع بدوي يقيم في هذه المنطقة، وعدد هائل من أشجار الزيتون.

ويشير حماد، إلى واحدة من الاعتداءات التي نفذها الجيش الإسرائيلي، في عملية هدم دون أمر قضائي، في منطقة المنقاع بالقرية، مشيرًا إلى أن الأمر حصل في نهاية عام 2023، في آخر منطقة ضمن مناطق "ب"، على تخوم المنطقة المصادرة، إذ هدمت الجدارن لمنزل مرخص، ورغم إعادة بناء المنزل، إلّا أنّه عاد فارغًا الآن نتيجة تهديدات المستوطنين المستمرة.

أمّا التحول الأكبر، كان وصول البؤرة الاستيطانية الأولى لقرية فرخة، في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2024، قبلها بأسابيع، مهدت مقاطع من الشارع الاستيطاني وعبدت أخرى، مع توسيع المنطقة المؤهلة للبناء من 3 دونمات إلى 10 دونمات. مع هذه البنية التحتية، صارت المنطقة مهيأة لبداية الاستيطان فيها، وخلال أيام، وصلت المنازل المتنقلة، وبدأت إقامة البؤرة الاستيطانية، وبحسب تقديرات أهل القرية، يستوطن على قمة الجبل المصادر، حوالي 15 مستوطنًا بشكلٍ دائم، ويرافقهم في معظم الوقت عناصر من الجيش أو رجال أمن. في السياق نفسه، تؤكد تقارير إعلامية، عن ظهور إعلانات للمستوطنين، تبحث عن جنود احتياط للعمل في حارسة أو إنشاء البؤر الاستيطانية في عموم الضفة الغربية.

وحول تأسيس البؤرة الاستيطانية في فرخة، قالت منظمة كرم نابوت المعنية في مراقبة الاستيطان: إنه "خلال فترة عيد العرش، أقيمت بؤرة استيطانية زراعية على تلة تبعد نحو 1.5 كيلومتر عن قرية فرخة الفلسطينية. وبهذا، انضمت قرية فرخة لأول مرة إلى قائمة القرى الفلسطينية التي تُسلب أراضيها فعليًا على يد مستوطنين"، مشيرةً إلى أن هذه البؤرة من ضمن 60 بؤرة أخرى أسست في الضفة خلال العام الماضي.

ويرصد أهالي القرية وصول مواد بناء بشكلٍ دائم، وعمل في ساعات الليل والنهار في البؤرة الجديدة، التي تقابل أراضيهم الزراعية، ويرون بوضوح داخلها، ويشيرون في الوقت نفسه إلى غياب السياج أو الجدارن عن البؤرة، التي ستكون طموحة أكثر من حصرها بسياج، كما يقدرون.

وكما تشير كرم نابوت، فإن البؤرة الزراعية في فرخة هي الثانية، التي تُقام في منطقة نفوذ مستوطنة أريئيل، إذ كانت الأولى قد تأسست عام 2020 تحت اسم "حفات نوف آفي"، التي أسّسها الزوجان رابابورط اللذان قدما من مستوطنة شيلو، وذلك بعد إخلاء بؤرة استيطانية مماثلة كانا قد أقاماها شرقي شيلو. وأوضحت المنظمة "مهمة هذه البؤرة تتركز على فرض سطوتها على منطقة تقدر بنحو 2500 دونم غربيّ سلفيت"، فيما تزخر صفحة البؤرة على فيسبوك "حفات نوف آفي - زراعة صهيونية إسرائيلية"، بالإعلانات التي تظهر البؤرة المسيطرة على مساحة واسعة من الأرض.

وقالت المنظمة: "يصعب تصديق أن البؤرتين الاستيطانيتين، تلك التابعة للزوجان رابابورط التي أنشئت عام 2020، وتلك التي أُقيمت حديثًا، قد تم إنشاؤهما دون تنسيق ومساعدة من بلدية أريئيل".

وحول هذه النقطة تحديدًا، أوضحت المنظمة: "فحص سريع للميزانية السنوية لمستوطنة أريئيل، يكشف أن المستوطنة حصلت في عام 2024 على مبلغ 1.17 مليون شيكل من الحكومة الإسرائيلية (عبر ميزانية وزارة الاستيطان) لصالح قسم ’حفظ الأراضي’، ما يزيد عن أربعة أضعاف الميزانية في عاميّ 2023 و2022 التي كانت تبلغ 275 ألف شيكل. كما ارتفع بند رواتب ’حفظ الأراضي’ في ميزانية 2024 إلى 350 ألف شيكل، مقارنة بـ150 ألف شيكل في العامين السابقين، ربما نتيجة توظيف البلدية لشخص أو شخصين إضافيين لهذا المنصب". فيما يخبرنا أهالي قرية فرخة بشكلٍ متكرر عن وجود رجال أمن في محيط البؤرة الجديدة بالقرية، لا يرتدون لباس الجيش الإسرائيلي أو الشرطة، ويشيرون له بـ"شومير [حارس] المستوطنة".

ويشير تحقيق نُشر على موقع "شومريم"، إلى حصول البؤر الاستيطانية بالضفة على تمويل حكومي، عبر دعم "الزراعة التطوعية"، والحصول على الحراسة الأمنية، وخدمات التعليم والرعاية الاجتماعية، وعبر الصندوق القومي اليهودي، رغم أن هذه البؤر من ناحية المبدأ تعتبر غير قانونية، في القانون الإسرائيلي.

وجاء في تقرير منظمة "كرم نابوت" الموجز: "نحن الذين نتابع أساليب المافيا التي تستخدمها إسرائيل للاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية، لا نستغرب شيئًا. أما بالنسبة لعامة الناس الذين قد يميلون للاعتقاد بأن أريئيل هي مستوطنة ’طبيعية’ أو حتى ليست مستوطنة على الإطلاق، بسبب ’الإجماع’ عليها، فإننا نوصي بالتذكير بأنها، رغم الجهود التي يبذلها رؤسائها لتطبيع وجودها عبر إنشاء ’جامعة’، وجذب سكان علمانيين، وتأسيس مركز تسوّق، تبقى مستوطنة أخرى معزولة وعنيفة، تُستخدم فيها الأموال العامة التي تتدفق إليها من أجل نهب الأراضي، وطرد الفلسطينيين من مساحات شاسعة، بما فيها مناطق لم تُخصص لها رسميًا من قبل".

"من ماذا يقلق أهالي فرخة؟"، في رده على السؤال، يذكر مصطفى حماد، هجرة بعض شبان القرية إلى الولايات المتحدة أو انتظار قبولهم في طلبات الهجرة، ويذكر عدة أسماء من القرية أو القرى المجاورة. ومن ثم يشير، إلى تهجير تجمع بدوي، تواجد في القرية، منذ 22 عامًا، إذ أزيلت بداية بعض الخيام مع شق الشارع، ومن ثم التجمع الكامل، تحت خطر التهديد والاعتداء، وانعدام سبل الحياة لـ22 نسمة يملكون 450 رأسًا من الماشية، كانت 1250 دونمًا المصادرة هي المرعى لهم، ونبع الينبوع مصدرهم الأساسي للمياه.

طوال الحرب، أُجبر ما لا يقل عن 57 تجمعًا فلسطينيًا على الفرار من منازلهم منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. ونُفذت عمليات التهجير هذه، كما حالة التجمع البدوي في فرخة، في غالبها نتيجة عنف المستوطنين، وأدت إلى تفريغ مساحات واسعة من مناطق "ج"، بالأخص في شرق الضفة الغربية.

وفي سياق تفصيل المخاطر، يعيدنا مصطفى حماد، إلى الطرق الاستيطانية، مشيرًا إلى شارع آخر يقع معظمه في أرض سلفيت وبدرجة أقل في قرية فرخة، موضحًا "يبدأ الشارع من مستوطنة أريئيل ويصل إلى بؤرة الراس في سلفيت، التي صارت الحي الغربي لمستوطنة أريئيل، والآن صار هناك 3 شوارع، جزء منها في أراضي فرخة، وجزء من هذه الشوارع يصل إلى جهة منطقة الشلال والمطوي ويرتبط مع الشارع الاستيطاني الجديد"، ويتابع "القلق على المنطقة المحيطة في الشارع، هذه منطقة ينابيع مائية وسلة غذائية، والحوض الغربي للمياه يبدأ من هذه المنطقة".

ووفق منظمة كرم نابوت، فإنه "في أوائل الثمانينات، بدأت إسرائيل بنهب الأراضي في هذه المنطقة من خلال إعلانها ’أراضي دولة’، حيث تم تحويل نحو 11.5 ألف دونم من الأراضي المنهوبة إلى مستوطنة أريئيل. وكما هو الحال في عشرات الحالات الأخرى التي استُخدمت فيها هذه الآلية للنهب والاستيلاء، فإن الأراضي المنهوبة هنا ليست متجاورة؛ مما يعني أن الانتقال بين جيب مُعلن كـ’أراضي دولة’ وآخر يتطلب شقّ طرق عبر الأراضي الزراعية الفلسطينية التي لم يتم نهبها رسميًا. هذا ما حدث فعلًا، حيث شُق مؤخرًا طريق ترابيّ يربط المنطقة الصناعية لمستوطنة أريئيل (الواقعة على بعد عدة كيلومترات غرب المستوطنة نفسها) بالبؤرة الاستيطانية الجديدة، التي بُنيت داخل جيب ضُم إلى منطقة نفوذ مستوطنة أريئيل".

ووصف أحد أهالي قرية فرخة، خلال حديث لنا، كان يفصل فيه تسلسل بناء البؤرة الاستيطانية في أرض القرية، بأنه "أسرع من الضوء"، إذ كان يشير إلى مستوطنة أريئيل بالأفق، والبؤرة الاستيطانية الموجودة على "جبل الراس"، وحتى البؤرة الجديدة في قرية فرخة.
وأكد مصطفى حماد، أن المنطقة المصادرة، تعود ملكيتها إلى 80 مزارعًا، مع وجود قطع صغيرة تعود إلى خزينة الدولة، أي لم يتعرف أحد على ملكيتها عند وصول مشروع الطابو، مع وجود قطع قليلة تعود إلى قرية بروقين وسلفيت، لكن الغالبية تعود إلى أهالي قرية فرخة، ويحيط بهذه المنطقة 800 دونم من الزيتون، وهي حوالي 40% من أشجار الزيتون في القرية، وهي من أخصب أراضي فرخة. مشيرًا إلى وصول المستوطنين المتكرر إلى المنطقة، قائلًا: "بتعرف وين نبع بدران؟ مرات بيجوا من غاد، وكل الزيتون في الباطن الشامي والمنقاع، كل هذه الأراضي مهددة بالوصول إليها. وبكرة أمنيًا بطلعوا مليون قصة، أرض الجيزة وهي منطقة مرتفعة مقابلة للبؤرة، ممكن يصير التواجد فيها مُقيد؛ لأنها أعلى من البؤرة"، رغم أن المنطقة التي يتحدث عنها هي منطقة مصنفة "ب"، وتبدو هذه المخاوف معقولة أكثر، بالإشارة إلى أنه خلال العام الماضي، في ظل الحرب، وثق إقامة 7 بؤر استيطانية إسرائيلية، في المناطق المصنفة "ب"، بحسب اتفاقيات أوسلو.

ويعود مصطفى، قائلًا: "تجارب القرى الثانية بتحكي لنا أيش ما يمكن يصير"، ويصف الواقع بـالقول: "الآن هناك محاولة منع ناعمة من الوصول إلى المنطقة مع تهديد وترهيب". 

        View this post on Instagram                      

A post shared by Farkha_Calls_You (@farkha_calls_you)

وكما يوضح حماد، تقول منظمة كرم نابوت الإسرائيلية: "أما موقع البؤرة الاستيطانية فيستحق التوقف عنده قليلًا؛ فقد أقيمت البؤرة على تلة معزولة تحيط بها كروم الزيتون العائدة لسكان قرى فرخة، برقين، وسلفيت. تطل هذه التلة على طريق تم شقّه على امتداد طريق زراعي قديم في الوادي شمال التلة، يربط بين بروقين وسلفيت. أما المنحدرات الجنوبية للتلة التي أقيمت عليها البؤرة الاستيطانية، فتجاور المنطقة ب. في حين يقع كل ما إلى شمالها، وفق اتفاقية أوسلو الثانية لعام 1995، ضمن المنطقة ج. ليس من الصعب فهم اختيار المستوطنين لهذه التلة لإقامة بؤرتهم الاستيطانية؛ فموقعها يمكّنهم من بسط سيطرتهم على كامل المنطقة الممتدة بين قريتيّ فرخة وبروقين والمنطقة الصناعية لمستوطنة أريئيل". يشار إلى أن سموتريتش وطاقمه يعملون على تعزيز الطرقات عمومًا في محيط مستوطنة أريئيل.

وعن موسم الزيتون المنصرم، أشار إلى أن المنطقة المصادرة فيها قطعة زيتون واحدة، وهي قطعة تعرض أصحابها للمضايقة والطرد من المكان، أمّا عن عموم الموسم، قال حماد: "الناس استغلت عيد الغفران، وقبل موعد قطف الزيتون، الناس نزلت وقطفت محصولها".

وحول واقع القرية وتعاملها مع البؤرة الاستيطانية، قال حماد: "مش عارفين أيش بدنا نساوي، الناس خايفة،  في بتشتغل في المستوطنات وفي وقت اقتصادي صعب.. الناس فش أشي بأيدهم.. 200 أسرة في فرخة تعتمد على العمل في المستوطنات وإسرائيل من أصل 380 أسرة في عموم القرية، ويعني الناس بتخاف تخسر الأرض وتصريح عملها".

وفي هذا السياق، أضاف حماد: "حاولنا نعزز صمود الناس من خلال شبكة شوارع وتعزيز تواجد الناس في أراضيهم وحماية ينابيع المياه، وهذا كله بدون أيّ تمويل خارجي وعلى حساب الناس، وهدفنا المحافظة على وجود الناس لوقف سرطان الاستيطان؛ لأن المعادلة بسيطة، إذا أنت مش في أرضك هو بدالك، يعني المستوطن في أرضك".

ويلخص حماد الأمر، بالقول: "ما يحصل في فرخة، هو جزء من مخطط إسرائيلي كبير لضم الضفة وتهجير السكان، مشروع لتفسيخ الضفة وتحويلها إلى كانتونات معزولة"، مع خلاصة أخرى عن إسرائيل عمومًا، موضحًا: "إسرائيل انقلبت من دولة تطبق القانون العنصري علينا إلى دولة عصابات، والقانون هو قانون الاعتداء وسرقة الأراضي". وتلخص منظمة "السلام الآن"، الحالة في الضفة خلال الحرب، بالقول، إن "السياسة الحكومية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة واضحة تمامًا: ضم الضفة الغربية وتقليص المساحة الفلسطينية في المنطقة (ج)".

ومؤخرًا، نشرت صحيفة "هآرتس"، تقريرًا يربط بين وقف الاعتقال الإداري للمستوطنين، وتساهل الحكومة والشرطة الإسرائيلية مع عنف المستوطنين، الذي يمنح اليمين المتطرف الشعور بـ"أنه يتمتع بالحرية في التصرف دون عقاب"، إذ تصل الشرطة متأخرة إلى مواقع الاعتداءات، مع ارتفاع هجمات "تدفيع الثمن"، التي تنظم عبر تطبيق التراسل الفوري "واتساب"، التي ترصدها أجهزة الأمن الإسرائيلية، دون تحرك جاد منها.

        View this post on Instagram                      

A post shared by Farkha_Calls_You (@farkha_calls_you)

وفي فرخة تتركز الاعتداءات على المنشآت والأراضي الزراعية، إذ في 8 كانون الأول/ديسمبر، دمرت مجموعة من المستوطنين، "عريشة زراعية" تعود ملكيتها لعائلة فايق عبد الرحمن، في "منقطة حريقة السحوب" ضمن ما يعرف بالقرية بمنطقة "العانصة"، بهدف ترهيب أصحاب الأرض من التواجد في المكان. وفي 19 كانون الثاني/يناير، دمرت مجموعة من المستوطنين، قطعة أرض في منطقة "البهلول" بالقرية، والتي كان يزرعها أحد أهالي القرية بعد توقفه عن العمل في إسرائيل. وبعد حوالي يومين، تكرر الاعتداء على نبع الينبوع للمياه.

وفي سياق آخر، يقترح عضو الكنيست سيمحا روثمان، مشروع قانون يتم بموجبه استبدال مصطلح الضفة الغربية، بـ"يهودا والسامرة ". وقال يسرائيل غانتس، رئيس المجلس الاستيطاني في الضفة الغربية: "ماذا سيحدث مع الضفة، هذا هو السؤال الرئيسي الذي سيحدد هوية دولة إسرائيل في السنوات المقبلة. الواقع ستحدده المنظمات التي تخطط وتدفع. نحن لا نتحرك من منطلق الأزمة، بل من باب الفرصة الداعمة عبر حكومة وطنية، وآمل أن يتم دعمها"، جاء ذلك ضمن آمال المستوطنين مع فوز ترامب بالانتخابات الأميركية.

وفي الوقت نفسه، ومع حديث عن تطبيع أوروبي اقتصادي متسع مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. طرحت وزارة الاتصالات الإسرائيلية، مناقصة بشأن بناء أبراج اتصالات وأجهزة إرسال سيتم نشرها في جميع أنحاء الضفة الغربية، ويقدم المشروع تحت عنوان "تحسين جودة حياة المستوطنين والسيطرة والسيادة على الضفة الغربية"، وسينطوي على مصادرة أراضٍ فلسطينية خاصة، بغرض إقامة صواري وأجهزة إرسال. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت": "يعتبر استخدام أوامر الاستيلاء في الجيش الإسرائيلي ممارسة مقبولة، ولكنها عادة ما تكون مخصصة لأغراض أمنية محددة. ومن ناحية أخرى، فإن استخدام هذه الأوامر لغرض إقامة أبراج الاتصالات هو خطوة غير عادية". موضحةً: "قصة الصواري لا تقف في فراغ، بل هي مندمجة في حركة أوسع تقودها الحكومة الحالية. وتهدف هذه الخطوة إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي في الضفة الغربية، وخلق حقائق على الأرض"، وربطت هذه الخطة مع وصول ترامب للحكم، باعتبارها خطوة تتكامل مع مشروع ضم الضفة، إذ قال سموتريتش: "إن فوز ترامب يجلب معه أيضًا فرصة مهمة لدولة إسرائيل. لقد كنا على بعد خطوة من تطبيق السيادة على المستوطنات في ’يهودا والسامرة’، والآن هو الوقت المناسب للقيام بذلك"، حسب قوله.

وعلى مستوى الاستيطان في العام المنصرم، كان الحدث الأبرز والأكبر، هو الإعلان عن 24 ألف دونم أراضي دولة في الضفة الغربية، وهي واحدة من أكبر إعلانات أراضي الدولة في الضفة الغربية، إذ منذ اتفاقيات أوسلو وحتى العام الماضي، تم الإعلان عن حوالي 50 ألف دونم كأراضي دولة، ويشكل الإعلان ما يقرب من نصف مساحة الأراضي المعلنة منذ عام 1993.

        View this post on Instagram                      

A post shared by Farkha_Calls_You (@farkha_calls_you)

مع بداية عهد ترامب، الذي يُنظر إليه باعتباره فرصة "سانحة في الضفة"، يرى رئيس المجلس الاستيطاني للضفة الغربية، هذه الفترة بأنها "فرصة تاريخية لضم الضفة"، وبدأت تصريحات "السيادة" على الضفة الغربية تخرج من إسرائيل، إذ أطلقها سموتريتش ونتنياهو، مع طرح خطة استيطانية في "الضفة الغربية"، وسعي سموتريتش "الذي يعيد تشكيل الضفة بهدوء" إلى إلغاء الإدارة المدنية، بهدف الترويج إلى ضم الضفة الغربية و"التطبيع" الكامل مع الاستيطان، بالتزامن مع تصريحات متكررة ومتطابقة تقريبًا، قال في أحداها: يجب علينا تفكيك بؤر الإرهاب وتعزيز المستوطنات اليهودية وخلق حقائق على الأرض تمنع إقامة دولة فلسطينية وإزالة هذا الاحتمال من الأجندة مرة واحدة وإلى الأبد".

قدم ترامب، مؤشرات على توجهاته، في يومه الأول على إلغاء العقوبات ضد المستوطنين، التي فرضتها إدارة بايدن، ومع طاقم على شاكلة سفيره في إسرائيل كنموذج، كانت آخر تصريحات ترامب، تحقق طموح التيارات الاستيطانية في إسرائيل، التي كانت تسعى لها طوال الحرب، أي تهجير سكان القطاع.