بيسان

آمال في نهاية معاناة طويلة.. 25 ألف جريح ومريض في غزّة ينتظرون فتح معبر رفح

المصدر تقارير
آمال في نهاية معاناة طويلة.. 25 ألف جريح ومريض في غزّة ينتظرون فتح معبر رفح
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

"كل دقيقة بتمر علينا والمعبر مغلق نقترب من الموت أكثر"، تقول المريضة الثلاثينية رندة المجايدة، التي تعاني من إعاقة حركية وفشل كلوي، وتستدعي حالتها الصحية السفر للعلاج بالخارج.

ولدت رندة (32 عامًا)، بإعاقة حركية (شلل نصفي)، وقبل أربعة أعوام أصيبت بمرض الفشل الكلوي، وتخضع باستمرار لجلسات غسيل كلى، وتقول لـ "الترا فلسطين"، إن حالتها الصحية تدهورت خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بسبب ضعف الإمكانيات وقلة الأدوية والعلاجات.

تعتقد منظمة الصحة العالمية أن ما بين 12 ألفًا إلى 14 ألف شخص، من بينهم 2500 طفل، يحتاجون حاليًا إلى الإجلاء الطبي لتلقي العلاج العاجل خارج غزّة

واضطرت وحدات غسيل الكلى القليلة المتبقية في مستشفيات جنوب القطاع لتقليل مرات غسيل الكلى أسبوعيًا وخفض عدد ساعات كل جلسة، من أجل استيعاب الأعداد الهائلة من المرضى، ممن اضطروا للنزوح من شمال القطاع نحو جنوبه، هربًا من نيران الاحتلال.

وفي حالتها الصحية الصعبة، اضطرت رندة لخوض تجربة النزوح من منزلها في مدينة خانيونس نحو مدينة رفح المجاورة لها والواقعة في أقصى جنوب القطاع، ولا يوجد في هذه المدينة الصغيرة سوى مستشفى حكومي وحيد وصغير به وحدة لغسيل الكلى.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة، أنّ أوّل دفعة من المرضى والجرحى ستغادر القطاع للعلاج يوم غد السبت، عبر معبر رفح البري الذي جرى فتحه تنفيذًا لاتفاق وقف إطلاق النار بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، والذي دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير.

وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يوم الخميس، بإجلاء 2500 طفل على الفور من غزة لتلقي العلاج الطبي بعد اجتماع مع أطباء أميركيين، قالوا إن الأطفال معرضون لخطر الموت الوشيك في الأسابيع المقبلة.

انتظار قاتل

ونتيجة تدهور حالتها الصحية حصلت رندة على تحويلة للعلاج بالخارج، وقبل الموعد المقرر لسفرها اجتاحت قوات الاحتلال مدينة رفح في 6 أيار/مايو من العام الماضي، واستولت على معبر رفح البري، وهو المنفذ الوحيد لمليونين و300 ألف فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير نحو العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية.

وبينما كانت تجلس منهكة على سرير متهالك في وحدة غسيل الكلى بمجمع ناصر الطبي، قالت رندة: "هذا المعبر يمثل طاقة الأمل بالنسبة لمرضى قطاع غزة". وبألم شديد، أضافت رندة: "ماذا يريدون منا، وهل ينتظرون موتنا قبل فتح معبر رفح والسماح لنا بالسفر من أجل العلاج؟".

جريحة

وبحسب اتفاق وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية في غزة ودولة الاحتلال، ودخل حيز التنفيذ صباح يوم 19 من الشهر الجاري، من المقرر فتح معبر رفح يوم 31 كانون الثاني/يناير. ووفقًا لبيانات رسمية لوزارة الصحة في غزة، فإن 25 ألف جريح ومريض يمتلكون تحويلات طبية، وتستدعي حالاتهم الصحية سرعة السفر من أجل العلاج بالخارج.

وتأمل المريضة سميرة الشلح (58 عامًا) أن تسنح لها فرصة السفر سريعًا للعلاج من مشكلة صحية تعاني منها، وليس لها علاج في مستشفيات القطاع. المرأة النازحة من مدينة رفح وتقيم مع أسرتها (8 أفراد) في منطقة المواصي غرب خانيونس، تعاني من مشكلة بالقلب تجعلها غير قادرة على التنفس، ومنذ شهرين تمكث في مجمع ناصر الطبي، توقف قلبها خلالها فجأة ودخلت في غيبوبة، ونجح الأطباء في إنعاشها.

وتقول لـ "الترا فلسطين": "ارحموا عذاباتنا وافتحوا المعبر، من حقنا تلقي العلاج (..) خسرنا أحبابنا ومنازلنا بسبب الحرب، وحياتنا نفسها مهددة بسبب إغلاق المعبر".

وقال مسؤولون إنه سيتم فتح المعبر في البداية لـ50 مسلحًا مصابًا و50 مدنيًا مصابًا، إلى جانب الأشخاص الذين يرافقونهم، وأضافوا أنه سيتم السماح لـ100 شخص آخرين، على الأرجح طلاب، بالمرور لأسباب إنسانية، بحسب وكالة "رويترز".

جريحة

نجاة وآمال

تجلس ميرفت أبو عرار (48 عامًا) على سرير مجاور لطفلتها بسمة (4 أعوام)، للحصول على ما يتوفر من علاجات في مجمع ناصر الطبي، وقد كتبت لهما الحياة، إثر نجاتهما من غارة جوية إسرائيلية استهدفت خيامًا للنازحين بمنطقة مواصي خانيونس، وتركت آثارًا غائرة على جسديهما.

كانت ميرفت برفقة ابنتها بسمة في زيارة لشقيقها في خيمته، عندما وقعت الغارة ليلًا، وأصيبت الأم إصابات بالغة أدت إلى بتر في ذراعها وأصابع يدها، فيما أصيبت طفلتها إصابة شديدة في ساقها أدت لتهشم عظامها، وتستدعي حالتهما الصحية سرعة السفر للعلاج في الخارج.

وتقول الأم لـ"الترا فلسطين": "الأطباء هنا فعلوا كل ما بوسعهم، لكن الإمكانيات ضعيفة، وأخبرونا أننا بحاجة للسفر واستكمال العلاج في دولة خارجية".

ونزحت ميرفت مع أسرتها (8 أفراد) من مدينة غزة نحو جنوب القطاع مع اندلاع الحرب، ونالت نصيبًا مؤلمًا من الحرب، وتشعر بقلق شديد على أبنائها، و"لا تكف عن الدعاء أن يمن الله عليها بالشفاء لتبقى إلى جوارهم وترعاهم".

جريحة

وقالت منظمة الصحة العالمية إن الاحتياجات الصحية في غزة "هائلة" وهناك "دمار واسع النطاق للنظام الصحي". ومن بين 36 مستشفى في غزة، هناك 18 مستشفى فقط تعمل جزئيًا حاليًا، بينما لا يعمل سوى 57 أو 142 مركزًا صحيًا و11 مستشفى ميدانيًا.

وقال ممثل المنظمة في الأراضي الفلسطينية ريك بيبركورن من غزة، إن سعة المستشفيات قبل الحرب كانت تتراوح بين 3500 و4000 سرير، وهي الآن تتراوح بين 1500 و1900 سرير. وترغب منظمة الصحة العالمية في زيادة هذا العدد إلى 2000-2500 في أقرب وقت ممكن.

وقال بيبركورن إن تدفق المساعدات الصحية بدأ في الارتفاع منذ وقف إطلاق النار وأن المستشفيات لديها الآن على الأقل الوقود للعمل، لكنه أضاف أن عمليات الإجلاء الطبي مطلوبة بشكل عاجل.

وتعتقد منظمة الصحة العالمية أن ما بين 12 ألفًا إلى 14 ألف شخص، من بينهم 2500 طفل، يحتاجون حاليًا إلى الإجلاء الطبي لتلقي العلاج العاجل. في حين تم إجلاء 480 مريضًا فقط من غزة منذ إغلاق معبر رفح. وقال بيبركورن "إذا واصلنا بنفس الوتيرة، فسنكون مشغولين على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة".

خطر الإعاقة

منذ نحو عام والجريحة العشرينية هديل أبو شاب (22 عامًا) تنتظر بفارغ الصبر السماح لها بالسفر من أجل العلاج من جروح خطرة أصيبت بها في ساقها ومنطقة الحوض، جراء قذيفة مدفعية إسرائيلية استهدفت منزل أسرتها في بلدة خزاعة شرق مدينة خانيونس.

وقعت هذه الحادثة في 7 كانون الثاني/يناير من العام الماضي، وكلما تأخر الوقت يزداد القلق لدى هديل، التي تخشى أن تفقد ساقها، أو أن تصاب بعجز يلازمها لبقية حياتها، لعدم توفر الإمكانيات اللازمة لعلاج مثل حالتها في مستشفيات القطاع.

تقول هديل لـ "الترا فلسطين"، إن القذيفة تسببت في تهشيم بليغ للعظام، وأنها بحاجة ماسة لعمليات جراحية دقيقة لترميم العظام، ولديها تحويلة طبية للعلاج بالخارج، وتترقب إعادة فتح معبر رفح مع مصر لحظة بلحظة.

قيود واستهداف ممنهج

ومنذ احتلالها معبر رفح البري في سياق العملية البرية العسكرية في مدينة رفح، توقف حركة الأفراد وشاحنات المساعدات والسلع عبر هذا المعبر، الذي يمثل شريان حياة بالنسبة للغزيين.

وإثر ضغوط دولية سمحت دولة الاحتلال وفي إطار ضيق وبقيود مشددة لبضع مئات من المرضى، بالسفر من خلال معبر كرم أبو سالم التجاري، للعلاج في الخارج. 

ويقول مدير المستشفيات الميدانية في غزة  الدكتور مروان الهمص لـ "الترا فلسطين"، إن 25 ألف جريح بنيران الاحتلال ومرضى بأمراض مزمنة وخطرة يحتاجون إلى السفر، وتحتاج حالاتهم الصحية عدم التأخير بالوصول للعلاج في الخارج والخضوع لعمليات جراحية متقدمة.

ولا تتوفر الكثير من الخدمات الطبية والأدوية في مستشفيات القطاع، جراء الاستهداف الإسرائيلي الممنهج سواء بقصفها مباشرة وقتل وجرح وأسر كوادر طبية، أو بالحصار ومنع الأدوية والمستلزمات الطبية، الأمر الذي تسبب في خروج 32 مسشتفى، وغالبية مراكز الرعاية الأولية عن الخدمة، بحسب الهمص.

وأكد أن الطواقم الطبية منهكة بعد جهود غير مسبوقة بذلتها على مدار 15 شهرًا من الحرب، وما تزال تعمل في ظل ظروف معقدة وبإمكانيات بسيطة ومتواضعة، ما يزيد من أهمية سفر الحالات الطارئة للسفر بالخارج، وتسهيل وصول وفود طبية خارجية لمساندة الطواقم في غزة، والسماح بإمداد المستشفيات بالأجهزة والأدوية والمعدات الطبية المختلفة.