بيسان

صور | "هذه ليست رفح"..8 أشهر من التدمير الإسرائيلي

المصدر تقارير
صور | "هذه ليست رفح"..8 أشهر من التدمير الإسرائيلي
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

"هذه ليست رفح التي نعرفها"، قال ابن المدينة الشاب الثلاثيني إبراهيم أبو شعر هذه الكلمات، وهو يقف مذهولًا من هول الدمار الذي ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل المدينة، على مدار أكثر من ثمانية أشهر، هي عُمر عمليتها العسكرية البرية التي شنتها على المدينة الصغيرة جنوب القطاع، في أيار/مايو من العام الماضي.

فوق أنقاض منزله وقف أبو شعر حزينًا على حال المدينة، المجاورة للحدود الفلسطينية المصرية في أقصى جنوب القطاع، وهي الأصغر من بين محافظات القطاع الخمس، والتي تعرضت إلى أطول عملية برية إسرائيلية في القطاع منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام 2023.

حجم الدمار في مدينة رفح يتجاوز 60% من المنازل السكنية، نتيجة الحرب الإسرائيلية

في مخيم الشابورة، أحد أشهر مخيمات وأحياء المدينة ولد أبو شعر وترعرع، وتعلم في مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويقول لـ "الترا فلسطين"، وهو يشير إلى كومة كبيرة من الحجارة والأنقاض، "كان هنا مسجد الفاروق، وكنا نصلي ونحتفل به في المناسبات الدينية.. لقد دمروا كل شيء وأي شيء، وأعادوا المدينة عقودًا للوراء".

"هذه ليست مجرد حرب، إنها انتقام وحشي من البشر والشجر والحجر"، يقول أبو شعر وبصره يحلق في فضاء المكان، وأرجاء المدينة التي صنفتها بلديتها كمنطقة منكوبة.

رفح

دمار هائل

كان لإبراهيم منزلًا يؤويه وأسرته المكونة من 5 أفراد، اضطروا للنزوح عنه في أيار/مايو من العام الماضي، عشية الاجتياح البري الإسرائيلي للمدينة، وأقاموا في مخيم للنازحين بمنطقة مواصي غرب مدينة خانيونس، ليعود إليه بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في 19 من الشهر الجاري، وقد صدمه حجم الدمار.

وتشير تقديرات محلية أولية إلى أن حجم الدمار في مدينة رفح يتجاوز 60% من المنازل السكنية، علاوة على دمار هائل في البنى التحتية ومناحي الحياة الأخرى.

رفحرفح

ويقول أبو شعر، إنه عانى كثيرًا من أجل الوصول إلى منزله، بسبب التدمير الكبير في المنازل السكنية، وقد أغلقت الأطنان من الركام الشوارع والطرقات، واختفت جراء ذلك معالم المدينة بالكامل، وتشوهت بفعل القصف العنيف والتجريف الواسع.

ونال الدمار من منازل عدد كبير من أشقاء وأقارب أبو شعر الذين يقطنون متجاورين في مربع سكني واحد، يبدو من حجم الدمار الهائل أنه كان مسرحًا لعمليات عسكرية كبرى لقوات الاحتلال.

رفحرفح

سنوات في الخيام

وعلى مقربة من أبو شعر، كان جيرانه يحاولون بصعوبة بالغة استخلاص أي شيء من بين أنقاض منازلهم المدمرة، ويقول أحمد أبو نقيرة، بينما كان منهمكًا في البحث بين الركام، إنه يقطن في هذا المنزل مع أسرته المكونة من 6 أفراد، وأسر أشقائه الثلاثة.

وتعيش هذه العائلات حاليًا في خيام داخل منطقة مواصي خانيونس، ويتشارك أبو نقيرة مع جاره أبو شعر، الاعتقاد بأن الإقامة في هذه الخيام ستطول وتمتد لسنوات قادمة قبل أن يُعَاد إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية.

واستقبلت مدينة رفح التي يقدر عدد سكانها بنحو 300 ألف نسمة، زهاء المليون نازح من مدينة خانيونس المجاورة وشمال القطاع، قبل أن تجبرهم قوات الاحتلال على إخلائها عشية الاجتياح البري.

رفحرفح

ويقول أبو نقيرة لـ "الترا فلسطين"، إن رفح بحاجة إلى سنوات طويلة من أجل إعادة بنائها، وإصلاح ما أفسدته آلة الحرب الإسرائيلية، وإلى حين تحقيق ذلك، فإن "الناس في رفح وكل قطاع غزة بحاجة إلى المساعدة من أجل حياة كريمة، سواء من حيث البيوت الجاهزة أو المعونات الغذائية".

وما تزال قوات الاحتلال تسيطر على محور صلاح الدين المعروف إسرائيليًا باسم "محور فيلادليفي" على امتداد نحو 12 كيلومترًا من الحدود التي تفصل مدينتي رفح الفلسطينية والمصرية، وتمنع بقوة النيران وصول سكان رفح إلى أحيائهم بعمق أكثر من نصف كيلو عن الحدود.

رفح المنكوبة

ودفع الدمار الكبير في منازل المدينة ومستشفياتها ومدارسها وشوارعها، وكل مناحي الحياة فيها، رئيس بلديتها أحمد الصوفي إلى إعلانها "منطقة منكوبة"، إذ قال إنها تحولت إلى ركام وحطام بفعل العدوان الوحشي الممنهج، حيث هجر أهلها قسرًا، ودمرت منازلهم ولم يسلم حجر ولا بشر.

وبرأي الصوفي، الذي تحدث في مؤتمر صحفي، فإن ما شهدته مدينة رفح ليس مجرد عملية عسكرية، وإنما فصل من فصول الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويهدف إلى محو كل معالم الحياة، مدللًا على ذلك بأن الاحتلال تعمد إبادة أحياء بكاملها، ومارس التدمير الممنهج للبنية التحتية والشوارع والمعالم وكل مفاصل الحياة.

رفحرفح

وتكابد فرق البلدية، التي تعرض مقرها الرئيسي ومقار أخرى فرعية للتدمير، معاناة شاقة من أجل فتح بعض شوارع المدينة من أجل التسهيل على سكانها الوصول إلى منازلهم، وبحسب الصوفي، فإن البلدية تعمل بإمكانيات بسيطة ومتواضعة، ولا تمتلك الآليات والمعدات المتطورة اللازمة للتعامل مع مثل هذا الدمار.

وحذر الجيش الإسرائيلي المدنيين من الاقتراب من المنطقة التي تقع على بعد 700 متر من الحدود، ووصفها بأنها "منطقة حمراء".

وفي تصريحات صحفية، قال رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي، إن المدينة تظل "خطيرة للغاية" حتى خارج هذه المنطقة المحددة، وستبقى على هذا النحو حتى الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية.

وأضاف أن "الوصول إلى النصف الجنوبي من المدينة بالقرب من محور الحدود غير متاح، ورغم أن المناطق الشمالية الغربية والشمالية والشرقية أكثر أمانًا نسبيًا بسبب بعدها عن المحور، إلا أنها لا تزال عرضة للنيران الإسرائيلية". وقال إن النازحين يجب ألا يتسرعوا في العودة إلى المدينة، وخاصة مناطقها الوسطى والجنوبية، التي وصفها بأنها "مدمرة" وتفتقر إلى "أبسط مقومات الحياة".