Bisan

جُرّدنا من كل شيء قبل أن يجرّدنا الجراد

Soruce
جُرّدنا من كل شيء قبل أن يجرّدنا الجراد
مصطفى بدر

مصطفى بدر

صحافي من بيت لحم

مع بدء وصول موجات الجراد المتتابعة إلى بلادنا, تهافتت وسائل الإعلام المختلفة للحديث عنه, و كثيرٌ ممن علّق آماله على كفاءة وزارة الزراعة الإسرائيلية في مكافحته و الحيلولة دون وصوله لأرضنا و محاصيلنا, و أضحى الجراد عدونا الأكبر, و الإحتلال حامينا, و مخلّصنا من هذه الوحوش الصغيرة الفتّاكة التي لا تترك أخضراً ولا يابس. و لطالما عرفت فلسطين الجراد, و لطالما لم يترك أخضراً ولا يابس على هذه الأرض, و لكننا نعود و نقف, و لم نهلك, فها نحن هنا. و من أشهر هبّات الجراد التي جائت على بلادنا تلك الهبّة التي جائت عام 1915 في خضّم الحرب العالمية الأولى, كانت قد اجتاحت بلادنا أصلاً المجاعة و الفقر بسبب الحصار البحري الذي فرضه الحلفاء على الدولة العثمانية, و قد أقرّت الدولة في حينها أن على كل رجلٍ جميع كمية محددة من الجراد كإجراءٍ من شأنه القضاء على تلك الآفة. و فيما يطمئن المسؤولين و المختصين في هذا المجال من قلة احتمالية وصول الجراد إلينا, فإني أدعوكم للتمعن قليلاً, لقد وصل إلينا الجراد فعلاً, و جرّدنا من كل شيء, لقد جرّدنا من حيفا و يافا. جرّدنا من بيوتنا, جرّدنا من مصانعنا, و مزارعنا و حقولنا, و لازال هذا الجراد الذي يعصف بنا منذ أكثر من ستة عقود, يقتل أطفالنا, و يسرق مياهنا, و يقطع أشجارنا, حتى زيتوننا المعمر منذ آلاف السنين, و الذي صمد في وجه آلاف هبّات الجراد القاتلة, قطعوه بلا رحمةٍ أو تفكير. إذاً من هو الجراد حقاً؟