Bisan

"أردت تحويل الألم إلى أمل": محمود النجار فقد أسرته في مجزرةٍ ويخطط لـ"غزة 2035"

Soruce تقارير
"أردت تحويل الألم إلى أمل": محمود النجار فقد أسرته في مجزرةٍ ويخطط لـ"غزة 2035"
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

وجد الدكتور المهندس محمود النجار في التعليم والبحث العلمي سبيلاً للنهوض من بين الدماء والركام، بعد المجزرة التي أودت بحياة زوجته وأطفاله الأربعة، و25 آخرين من عائلته، استشهدوا دفعة واحدة، إثر استهداف جوي إسرائيلي لمربعهم السكني في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.

والنجار حاصلٌ على درجة الدكتوراة في الهندسة، وهو خبيرٌ في الجودة والتخطيط الاستراتيجي، ومدربٌ دولي معتمد في هذا المجال. وكان قد فقد زوجته وأطفاله الأربعة في ضربة واحدة 

بعد هذه المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2024، انكبَّ النجار (37 عامًا) على البحث العلمي في مسعى للتفريغ عن نفسه، وخدمة مجتمعه، وحسبما يقول لـ "الترا فلسطين": "أردت تحويل الألم إلى أمل".

فقد النجار منزله في مخيم جباليا في الأيام الأولى من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، واضطر للنزوح بأسرته إلى مدرسة تابعة لوكالة "الأونروا" تحولت كمئات غيرها لمركز إيواء للنازحين الذين أجبرتهم الحرب على مغادرة منازلهم ومناطق سكنهم.

رفض النجار النزوح نحو جنوب القطاع، وآثر البقاء والصمود في شمال القطاع متنقلاً من مكان لآخر، واكتوى مع زوجته وأطفاله بسياسة التجويع الممنهجة، حتى نالت منه الحرب بما لا يمكن تعويضه، فاستُشهدت زوجته وأطفاله الأربعة يزن (10 أعوام)، وريناد (9 أعوام)، ومحمد (7 أعوام)، وأصغرهم عمر (6 شهور) الذي ولد واستشهد خلال الحرب.

أطفال محمود النجار

يتوجه الرجل المكلوم نحو "مسرح الجريمة" حيث لا تزال جثامين 17 شهيدًا من عائلته تحت الأنقاض، من بينهم اثنان من أطفاله، فيما نجح بإمكانياتٍ بسيطة للغاية في انتشال عدد منهم عظامًا متحللة، نتيجة بقائهم لشهور طويلة تحت أنقاض المنازل المدمرة.

لكن النجار لم يستسلم لليأس، فقد نجح خلال شهور الحرب في تأليف ثلاثة كتب حظيت بتحكيم دولي وعرضت في معارض إقليمية ودولية، وتتركز مضامينها على الإدارة السليمة والاتجاهات الإدارية الحديثة. ويقول: "إن مجتمعنا في غزة خصوصًا بعد حرب الإبادة المدمرة بحاجة إلى البحث العلمي والتطوير بما يتلاءم مع ما وصل إليه العلم الحديث".

مشاريع تنموية هندسية

ويعكف النجار حاليًا على مشاريع قيد التنفيذ، ويبحث في مشاريع كبرى يقول إنها تحتاج إلى مؤسسات تمويل كبرى تتبنى تنفيذها، لحاجتها إلى إمكانيات هائلة، مبينًا أنه وإلى جانبه فريق من خمسة أفراد يعملون على مشروعٍ لتوعية الأطفال وأسرهم في مراكز الإيواء حول التعامل السليم وتدوير النفايات.

وتحدث النجار عن ثلاثة مشاريع يعمل عليها بحثًا وتطبيقًا، الأول: إعادة هندسة قطاع غزة بما يتلاءم مع واقع الأزمات التي نتجت عن حرب الإبادة الإسرائيلية وصولاً إلى رؤية "غزة 2035". والثاني: إعادة تدوير النفايات بمختلف أشكالها وكيفية الاستفادة من أطنان الركام الهائلة من خلال توظيف تقنية الذكاء الاصطناعي. أما المشروع الثالث فيتعلق بإعادة هندسة العمليات للإغاثة.

ويعتقد النجار أن قطاع غزة بحاجة إلى إعادة هندسة، وليس مجرد إعادة إعمار، استنادًا إلى نتائج حرب الإبادة وتداعياتها، التي تشير تقديرات هيئات محلية ودولية إلى أنها دمرت نحو 80% من المنازل السكنية والمنشآت العامة والخاصة والبنى التحتية في القطاع الساحلي الصغير.

وينظر النجار إلى ما آلت إليه الأوضاع في قطاع غزة كأزمات مركبة ومرتبطة مع بعضها البعض، مثل التعليم والصحة والتأهيل وغيرها من القطاعات الحيوية، وتندرج ضمن متطلبات التعافي كرزمة واحدة متكاملة.

وبرأيه فإن "التاريخ الحديث لم يسجل تجربة مماثلة من حيث الوحشية والتدمير لما تعرض إليه قطاع غزة من قبل دولة الاحتلال خلال حرب الإبادة".

والنجار حاصلٌ على درجة الدكتوراة في الهندسة، وهو خبيرٌ في الجودة والتخطيط الاستراتيجي، ومدربٌ دولي معتمد في هذا المجال، لكنه مؤمن أن "العالم لا حدود له"، ولذلك التحق حديثًا ببرنامج إدارة الأزمات والكوارث لنيل درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية في غزة.

كما حصل النجار على منحة دراسية من جامعة إيطالية في مجال التنمية المستدامة وإعادة الإعمار، إلا أنه آلاف غيره من الطلبة والمرضى يحرمهم استمرار احتلال معبر رفح البري بين القطاع مصر دون سفرهم للتعليم والعلاج.

ويبحث النجار في عنوان "دور الذكاء الاصطناعي في دعم الإدارة الاستراتيجية لإعادة إعمار غزة" كدراسة تطبيقية لنيل درجة الماجستير.

ويضع هذا الباحث المثابر دراسته ومشاريعه في سياق خدمة مجتمعه، وتكريمًا لأرواح زوجته وأطفاله الشهداء، "الذين كانوا دومًا الداعم الأول له في حياتهم، ولا يزالون بعد استشهادهم لا يزالون مصدر إلهامه والطاقة التي يستمد منها القدرة على مواصلة الطريق" كما يقول.

ورغم الحصار الخانق لقطاع غزة، أعاد النجار تشغيل مركزه التدريبي "مدى للاستشارات الإدارية والتطوير"، الذي كان قد تعرض للتدمير الكلي خلال الحرب، ليباشر عمله في عقد دورات تنمية بشرية واستشارات من مساحات عمل في مدينة غزة، إذ لا تتوفر أماكن لاستئجارها كمقر للمركز.