احتج عشرات الجرحى في محيط مقر الرئاسة في رام الله، صباح الاثنين، للمطالبة بإعادة صرف مخصصاتهم الشهرية المتوقفة منذ شهرين، بعد نقل ملفهم من مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير إلى مؤسسة "تمكين".
يصر الجرحى على أن قضيتهم "نضالية ووطنية" ولا يجوز التعامل معها كملف "شؤون اجتماعية"
وبينما يصر الجرحى على أن قضيتهم "نضالية ووطنية" ولا يجوز التعامل معها كملف "شؤون اجتماعية"، تتمسك الرئاسة بالرؤية الجديدة "للإصلاح المالي" وتوحيد منظومة الحماية الاجتماعية ضمن مؤسسة واحدة، وفق القانون الجديد.
وقال مراد شمروخ، المتحدث باسم الجرحى، إن الوقفة الاحتجاجية جاءت للمطالبة بإعادة صرف مخصصاتهم الشهرية بعد توقفها منذ شهرين، مشيرًا إلى أن وقف الصرف شمل أهالي الشهداء والجرحى والأسرى.
وأضاف شمروخ أنهم يطالبون الرئيس، بصفته أعلى سلطة ورئيس منظمة التحرير، بالتدخل الفوري لإنهاء الأزمة وإعادة الأمور لمسارها الطبيعي.
وأشار إلى أن الجرحى المحتجين يعانون من إعاقات دائمة ويحتاجون إلى مصاريف يومية أساسية لإعالة أسرهم، وهم يرفضون تحويل ملفاتهم إلى مؤسسة "تمكين" باعتبارهم حالات اجتماعية، "فنحن حالة نضالية ووطنية" ولدينا مؤسسة رسمية هي مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير.
وانتقد شمروخ مؤسسة "تمكين"، قائلاً إنها "بلا غطاء رسمي واضح، ولا توجد جهة مسؤولة يمكن التواصل معها، فرئيس مجلس إدارتها أحمد مجدلاني دائمًا خارج البلاد"، مطالبًا بإقالته من منصبه، "فقد سبق أن شتم الأسرى والعمال" على حد قوله.
وأوضح شمروخ، أن المؤسسة أرسلت للجرحى استمارة من أربع صفحات، ثم استمارة جديدة من 25 صفحة تضمنت أسئلة وصفها بـ"الأسخف"، مثل طبيعة السكن، وعدد أفراد الأسرة، وإن كان لديهم ثلاجة أم لا، وسؤالاً عن نوعية الملابس التي يرتديها الأطفال.
وأشار إلى أن عدد الجرحى في الضفة الغربية يبلغ نحو 15 ألف جريح، ولم يتلقوا مستحقاتهم للشهر الثاني على التوالي. ويقول: "نحن ضحايا حرب ولسنا مخربين، ودافعنا عن أرضنا وفق ما يكفله القانون".
وأفاد بأنهم حاولوا صباح اليوم دخول مقر الرئاسة، لكنهم مُنعوا، قبل أن يتوجه إليهم ضابط في حرس الرئيس لاستلام كتاب بمطالبهم، التي شملت صرف مخصصات شهرية لا تقل عن الحد الأدنى للأجور (1880 شيكلاً)، وضمان استمرار توفير العلاج، وانتظام الصرف أسوة بالموظفين، إضافة إلى ضمان راتب تقاعدي.
وأكد أن مخصصاتهم الحالية متدنية جدًا، إذ تتراوح بين 500 و1500 شيكل حسب نسبة العجز وعدد أفراد الأسرة، وهي "لا تكفي لتغطية أبسط احتياجات الجريح وعائلته".
وكان الرئيس محمود عباس، قد أكد قبل أسبوعين التزامه "بتنفيذ خارطة طريق الإصلاح والتطوير الشامل وبناء منظومة وطنية موحدة للحماية والرعاية الاجتماعية وفق أعلى المعايير الدولية"، وذلك في سياق القرار بقانون رقم (4) لسنة 2025 بشأن المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي وتعديلاته.
وشدد عباس على أن المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تنفيذ القانون، والمخوّلة بدفع المخصصات المالية، وتطبيق معايير الاستحقاق بما يضمن العدالة والشفافية، وتنفيذ أحكام القانون دون أي استثناء.
وأكد أن "أي صرف للمخصصات المالية لأي فئة من المستفيدين لن يتم إلا بعد تعبئة الاستمارة الموحدة المعتمدة من المؤسسة واستيفاء شروط ومعايير الاستحقاق المنصوص عليها في القانون".
وأشار عباس إلى الحكومة والوزارات والمؤسسات الأخرى "غير مختصة بملفات الصرف المالي أو برامج المخصصات المالية" بعد نفاذ القرار، مضيفًا أن أي إجراءات أو تعليمات تصدر من غير المؤسسة الوطنية تعتبر لاغية وغير ملزمة.
وفي 10 شباط/فبراير، قرر عباس نقل صلاحية صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى مؤسسة "تمكين"، تحت عنوان "إصلاح النظام المالي" واستعادة المساعدات الدولية المعلّقة، ومحاولة وقف الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصّة.
وبحسب مصدر تحدث لـ"الترا فلسطين"، وقتها، فإن التحول الأساسي في برنامج الدفع لأسر الشهداء والجرحى والأسرى، سيكون مخالفًا للقانون السابق، الذي ألغي مساء الإثنين 10 شباط/فبراير. إذ كان الدفع للأسرى يحصل بناءً على سنوات الاعتقال، بينما الدفع الآن سيكون بصيغة "أقرب للشؤون الاجتماعية"، بحيث تكون قيمة الراتب المدفوع بناءً على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للشخص المستفيد.
أمّا "المؤسسة الفلسطينية للتمكين الاقتصادي"، التي ستكون مسؤولة عن رواتب عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، فقد أسسها وزير الشؤون الاجتماعية السابق، أحمد المجدلاني، في عام 2019، بهدف تولي قضية رواتب أسر الشهداء والأسرى والجرحى.
وعلى مدار سنوات، كانت قضية رواتب أسر الشهداء والأسرى والجرحى، محط نقاش ومداولات طويلة، مع استهدافها إسرائيليًا وأميركيًا، فمنذ أعوام طويلة، وبالأخص منذ عام 2018، تضغط الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بهدف وقف هذه الرواتب، التي تصفها "الدفع مقابل القتل".
ومنذ عام 2018 تعلق إسرائيل دفع أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية بهدف الضغط عليها، من أجل وقف دفع رواتب الشهداء والأسرى، فيما تحول الأمر منذ عام 2019 على الأقل إلى سياسة إسرائيلية ثابتة. رغم أن منع تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية بدأ منذ عام 1996 تحت غطاء سياسي.
وفي العام 2018، صادق الكنيست على قانون يقضي بتجميد جزء من أموال الضرائب الفلسطينيّة يعادل مخصَّصات الأسرى وعائلاتهم والأسرى المحرَّرين وعائلات الشهداء التي تدفعها لهم السلطة الفلسطينيّة.
وفي أيار/مايو 2019، رفضت السلطة الفلسطينية، مقترحات أوروبية، دفعت باتجاه تحويل رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى الشؤون الاجتماعية والتعامل معها على هذا الأساس. وقال حينها الناطق باسم الرئاسة ووزير الإعلام وقتها، نبيل أبو ردينة، إن "هنالك محاولات إسرائيلية للالتفاف على الأموال الفلسطينية المحجوزة والمسروقة، وترفض القيادة الفلسطينية أن يتم اقتطاع فلس واحد من أموال الأسرى والشهداء".
أمّا التطور، فقد كان في آذار/مارس 2021، مع توجه السلطة الفلسطينية إلى دفع رواتب الأسرى عبر بنوك البريد. بعد صدور مرسوم رئاسي، يقضي بدمج الأسرى في المؤسسات المدنية أو الأمنية، أو إحالتهم إلى التقاعد المالي، وهي خطوة شملت 4 آلاف أسير.
انتقد شمروخ مؤسسة "تمكين"، قائلاً إنها "بلا غطاء رسمي واضح، ولا توجد جهة مسؤولة يمكن التواصل معها، فرئيس مجلس إدارتها أحمد مجدلاني دائمًا خارج البلاد"، مطالبًا بإقالته من منصبه
ومع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وظهور نقاش "اليوم التالي للحرب"، والحديث الأميركي عن سلطة فلسطينية متجددة. قال مسؤولان في إدارة بايدن، في شهر آذار/مارس 2024، إن الولايات المتحدة تقترب من التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية لإنهاء "مدفوعات الشهداء والأسرى".
في آب/أغسطس من العام الماضي، تحدثت مصادر إسرائيلية عن اشتراط الاتحاد الأوروبي وقف دفع رواتب الأسرى الفلسطينيين لتحويل مبلغ يقارب 400 مليون يورو.
يذكر أن حكومة الاحتلال تواصل احتجاز عائدات الضرائب الفلسطينية حتى بعد المرسوم الرئاسي وتفعيل مؤسسة "تمكين"، إذ يزعم الاحتلال أن السلطة تحاول التغطية على دفع رواتب "للإرهابيين" من خلال تحويلها إلى مؤسسة "تمكين" لتقوم بإعادة ترتيبها بدل إلغائها بالكامل.